نصف متعاقدي ومقاتلي روسيا يعودون من سورية بالنعوش

نصف متعاقدي ومقاتلي روسيا يعودون من سورية بالنعوش

23 مارس 2017
من تشييع أحد الجنود المعترف بمقتلهم (سيرغي ميدفيديف/Getty)
+ الخط -

تبيّن أنّ القوات الروسية في سورية تتلقّى خسائر تفوق بثلاثة أضعاف الخسائر التي تعلن عنها السلطات، إذ أظهرت أدلة، في تقرير لـ"رويترز"، سقوط قتلى من المدنيين الروس الذين يؤدون مهام عسكرية بعقود خاصة، لا تعترف موسكو بدورهم.

وأظهرت أدلة جمعتها "رويترز"، وأوردتها في تقرير، أمس الأربعاء، أنّ القوات الروسية في سورية مُنيت، منذ أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، بخسائر في صفوفها، تزيد أكثر من ثلاث مرات على عدد القتلى الرسمي، وذلك في حصيلة تبيّن أنّ القتال هناك أصعب وأكثر كلفة، ممّا كشف عنه الكرملين.

فقد قُتل 18 مواطناً روسياً، كانوا يقاتلون في صفوف قوات النظام السوري، منذ 29 يناير/كانون الثاني، وهي فترة شهدت اشتباكات عنيفة لهؤلاء مع مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، للسيطرة على مدينة تدمر، وسط سورية.

وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت، آنذاك، عن مقتل خمسة من قواتها في سورية، خلال تلك الفترة، بينما لم تذكر تصريحات المسؤولين في الوزارة شيئاً عن أيّ عمليات برية روسية على نطاق واسع في القتال بتدمر.

وانكشف عدد القتلى هذا في مقابلات لـ"رويترز" مع أقارب وأصدقاء القتلى والعاملين في مقابر، ومن خلال تقارير إعلامية محلية عن تشييع جنازات، وكذلك ما جمعته مجموعة من المدوّنين الاستقصائيين يطلق عليها اسم "فريق استخبارات الصراعات". وفي كل حالة على حدة، تحقّقت "رويترز" من المعلومات، من مصادر مستقلّة، بالتحدّث إلى شخص يعرف القتيل.

وتمثّل الخسائر البشرية، منذ نهاية يناير/كانون الثاني، واحداً من أعلى أعداد القتلى في صفوف القوات الروسية في سورية، منذ بداية تدخل موسكو العسكري قبل 18 شهراً.

وأحال مسؤول في وزارة الخارجية الروسية الأسئلة عن هذه الخسائر إلى وزارة الدفاع، لكنّ الوزارة لم تردّ على استفسارات "رويترز" عن الخسائر أو العمليات العسكرية في سورية، كما لم يرد الكرملين على الفور على طلب التعليق.

وكشف تقرير "رويترز"، أنّ أغلب القتلى لم يكن من الجنود النظاميين الروس، بل مدنيون روس يؤدون مهام عسكرية بعقود خاصة، بأوامر من القادة الروس، لم تعترف موسكو رسمياً بوجود هؤلاء المتعاقدين في سورية.

أحد القتلى يُدعى يوري سوكالسكي (52 عاماً)، من منتجع جيليندجيك الروسي على البحر الأسود، قال مصدر من المقرّبين منه لـ"رويترز"، إنّه وقّع عقداً للذهاب إلى سورية، في يناير/كانون الثاني، مع مجموعة من المتعاقدين.

وأبدى سوكالسكي، بحسب المصدر، دهشته لضخامة عدد المتعاقدين الروس في سورية، راوياً في واحدة من مكالماته الهاتفية الأخيرة، ما قيل له عن شدة القتال هناك.

وقال سوكالسكي، كما نقل المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته خوفاً من عواقب كشف معلومات حساسة للسلطات الروسية، إنّه "من بين كل 100 واحد يعود 50 في نعوش".

في 14 مارس/آذار من العام الماضي، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سحباً جزئياً لقواته من سورية، وقال إنّ مهمتها تحقّقت بصفة عامة، غير أنّ ما دار في تدمر هذا العام من اشتباكات يحكي قصة أخرى.

وتشمل حالات القتلى التي وثّقتها "رويترز"، الجنود النظاميين الخمسة الذين أعلنت وزارة الدفاع مقتلهم، وأربعة متعاقدين في وحدة واحدة قُتلوا في نفس اليوم، وسبعة متعاقدين آخرين، وجنديين نظاميين لم تعلن الوزارة مقتلهما.

وتزامنت الفترة التي أجرت "رويترز" تحريّاتها فيها، مع بداية انتشار رئيسي للقوات الروسية في منطقة حول تدمر، وفقاً لما قاله أشخاص على صلة وثيقة بالقتلى.

وقال عدد من أقارب القتلى الذين سقطوا في سورية، إنّهم تلقوا مكالمات هاتفية من أفراد يعملون في تجنيد المتعاقدين العسكريين، يحذرونهم فيها من التحدّث مع وسائل الإعلام.


ومن بين هؤلاء القتلى، سقط عشرة على الأقل في منطقة تدمر، التي سيطر عليها "داعش"، في ديسمبر/كانون الأول، للمرة الثانية خلال عام واحد، في انتكاسة لقوات النظام السوري ومؤيديها الروس.

وفي العاشر من يناير/كانون الثاني، غادر سوكالسكي، المتخصص في الألغام الأرضية، بيته في جيليندجيك، واتجه إلى روستوف في جنوب روسيا، للانضمام إلى مجموعة من المتعاقدين المتجهين إلى سورية.

وفي سفريته الوحيدة السابقة لسورية، كان التعاقد يتمّ مع مقاتلين فوق سن الخامسة والثلاثين فقط، لتنفيذ مهام فنية متخصصة أو تدريب وحدات النظام السوري، لا المشاركة في مهام قتالية. وقال الشخص الذي تربطه بسوكالسكي صلة وثيقة، لـ"رويترز"، "هذه المرة كانوا يقبلون الجميع".

وتبيّن وثيقتان رسميتان اطلعت عليهما "رويترز"، أنّ سوكالسكي تُوفي في 31 يناير/كانون الثاني، من جراء إصابته بشظايا في التياس بمحافظة حمص السورية، على بعد 60 كيلومتراً تقريباً غربي تدمر.

وفي اليوم نفسه، قُتل ثلاثة أفراد آخرون من وحدته، وكل أفرادها من المتعاقدين، وذلك حسب أقوال أقارب وأصدقاء وعاملين في مقابر.

ويُدعى اثنان من الثلاثة أليكسي ناينودين، ورومان رودنكو، أما الثالث فلم تتمكن "رويترز" من التأكّد من صحة اسمه. وقُتل متعاقد آخر أيضاً اسمه ديمتري ماركيلوف، في التياس التي توجد فيها قاعدة "تي فور" الجوية السورية، وفقاً لما ذكره معارف على صلة وثيقة به.


ولقي أربعة من الجنود الروس النظاميين مصرعهم في المنطقة ذاتها، يوم 16 فبراير/شباط الماضي، حسب ما ذكرته وسائل إعلام روسية، نقلاً عن بيان لوزارة الدفاع، لكنّ الوزارة لم تذكر أسماء الجنود الذين وصفتهم وسائل الإعلام بأنّهم "مستشارون" لقوات النظام السوري.

ونقلت وسائل الإعلام عن وزارة الدفاع أيضاً، مقتل جندي خامس اسمه أرتيوم جوربونوف، بالقرب من تدمر، في الثاني من مارس/آذار.

وقتل ثمانية آخرون من المفرزة الروسية، منذ نهاية يناير/كانون الثاني، في مواقع مجهولة في سورية، حسبما أظهرت الأدلة التي جمعتها "رويترز". وهؤلاء المتعاقدون هم: كونستانتين زادوروجيني، وإيفان سليشكين، وفاسيلي يورلين، وألكسندر ساجايداك، وألكسندر زانجييف، وألكسندر تيشينين، والجنديان الروسيان النظاميان إيجور فورونا وسيرجي ترافين.


وتشير تقارير إعلامية محلية وما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى سقوط قتلى آخرين من الروس في سورية، منذ نهاية يناير/كانون الثاني بخلاف هؤلاء. غير أنّ "رويترز" لم تتمكن من التحقق من صحة تلك المعلومات من أطراف مستقلة.

وليس للخسائر البشرية العسكرية خارج الحدود في روسيا، ما لها من حساسية سياسية في بعض الدول الأخرى، لكنّها تمثل رسالة سلبية قبل الانتخابات الرئاسية التي تجري العام المقبل، ويتوقع أن يفوز فيها الرئيس فلاديمير بوتين، بفترة ولاية رابعة.








(رويترز، العربي الجديد)






دلالات