فشل جديد لترامب: إسقاط خيار عسكرة الرد على الاحتجاجات

فشل جديد لترامب: إسقاط خيار عسكرة الرد على الاحتجاجات

06 يونيو 2020
أعاد ترامب تذكير ماتيس بلقب "الكلب المجنون" (Getty)
+ الخط -
لم يكن سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الاحتجاجات التي تلت مقتل المواطن من أصول أفريقية جورج فلويد على يد 4 ضباط من الشرطة، في 25 مايو/ أيار الماضي، مغايراً لسلوكاته التقليدية منذ انتخابه في عام 2016. إلا أن تطرّفه السياسي والاقتصادي والإعلامي في الملفات الخارجية والداخلية اتخذ منحىً خطيراً مع تلويحه مراراً بالحلول العسكرية لحسم التظاهرات، باسم "مواجهة العنف والشغب". ولم يكتفِ ترامب بالتهديد بالاستعانة بالشرطة والحرس الوطني، بل بالجيش الأميركي، وما يعنيه ذلك من عسكرة غير مألوفة أميركياً، منذ إعلان وثيقة الحقوق الأميركية (البنود العشرة الأولى من الدستور الأميركي) عام 1789، تحديداً التعديلين الرابع والخامس المتعلقين بالحرية الفردية. لكن ترامب لاقى اعتراضات عدة من جانب خصومه التقليديين وأعضاء سابقين في إدارته، ومنهم خصوصاً وزير الدفاع السابق، جيمس ماتيس.

ماتيس عُرف بكونه من الجنرالات النافذين في الجيش الأميركي، وسبق له أن شارك في حرب العراق، خصوصاً معارك الفلوجة في عام 2004، وحرب أفغانستان، ويوم تعيينه في منصبه بين عامي 2017 و2019، ظنّ كثر أنه سيشارك في عملٍ عسكري ضد إيران، إلا أن الأمر لم يحصل، بل غادر منصبه احتجاجاً على سياسة ترامب في سورية. وفي خضمّ تصعيد ترامب، خرج ماتيس عن صمته ودعم المحتجين، واعتبر أن الرئيس "يحاول تقليب الأميركيين بعضهم ضد بعض"، و"يأمر الجيش الأميركي بانتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين الأميركيين". وكتب: "شاهدت الأحداث الغاضبة والمروعة، ورأيت ما يطلبه المحتجون. إنهم يطلبون العدالة المتساوية بموجب القانون. إنه مطلب شامل وموحّد. لا يجب أن يشتت انتباهنا عدد قليل من المخالفين للقانون". وأضاف: "يجب أن نرفض ونحاسب من يسخرون من دستورنا".

بعدها، فجّر ماتيس قنبلته "دونالد ترامب هو أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الشعب الأميركي، ولا يتظاهر حتى بالمحاولة، بل بدلاً من ذلك يحاول تقسيمنا". وأضاف "نشهد عواقب ثلاث سنوات من هذا الجهد المتعمّد للتقسيم. نشهد عواقب ثلاث سنوات من دون قيادة ناضجة. يمكننا أن نتحدّ من دونه، بالاعتماد على نقاط القوة المتأصلة في مجتمعنا المدني. لن يكون هذا سهلاً، كما أظهرت الأيام القليلة الماضية، لكننا مدينون بذلك لمواطنينا، للأجيال الماضية التي سالت دمائها دفاعاً عن وعدنا، ولأطفالنا في المستقبل".

وفي مقارنة ضمنية بين ترامب والزعيم النازي أدولف هتلر، قال ماتيس "التعليمات التي قدمتها الإدارات العسكرية لقواتنا قبل إنزال نورماندي (فرنسا في 6 يونيو/ حزيران 1944 في سياق الحرب العالمية الثانية)، ذكّرت الجنود بأن شعار النازيين لتدميرنا كان (فرّق تسدّ)، أما جوابنا الأميركي فهو (في الاتحاد قوة)". وشدّد على أنه "يجب علينا أن نستجمع تلك الوحدة للتغلب على هذه الأزمة". كلام ماتيس أغضب ترامب بشدّة لدرجة تذكيره بلقب "الكلب المجنون"، وهو اللقب الذي تميز به ماتيس في الحروب والمعارك.

في السياق كشف الصحافي جيفري غولدبرغ في "ذا أتلانتيك"، بعضاً من معطيات ثورة ماتيس قائلاً "لم يكن استياء ماتيس من ترامب سراً داخل البنتاغون (وزارة الدفاع). ولكن بعد استقالته انتقد ترامب بقوة، وهو أمر غير تقليدي". وأضاف "عندما أجريت معه مقابلة العام الماضي حول هذا الموضوع، قال لي: عندما تترك إدارة ما بسبب خلافات سياسية واضحة، عليك أن تمنح الأشخاص الذين لا يزالون هناك أكبر فرصة ممكنة للدفاع عن البلاد. لا يزال عليهم مسؤولية حماية هذه التجربة الكبيرة العظيمة التي نملكها". ولفت إلى أن ماتيس أشار إلى أن "هناك فترة سأدين فيها ترامب، وهذه الفترة لن تكون أبدية".



وتابع غولدبرغ "تلك الفترة انتهت الآن بشكل نهائي. توصّل ماتيس إلى الاستنتاج في نهاية الأسبوع الماضي بأن التجربة الأميركية مهددة بشكل مباشر بسبب تصرفات الرئيس الذي خدمه ذات مرة، وهو ما برز في قوله: عندما انضممت إلى الجيش قبل حوالي 50 عاماً، أقسمت على دعم الدستور، ولم أحلم أبداً بأن القوات التي ستؤدي اليمين نفسه سيُطلب منها انتهاك الحقوق الدستورية لمواطنيها".

وعن تداعيات كلام ماتيس، ذكر الكاتب في صحيفة "واشنطن بوست" إيشان ثارور، أن "مسؤولين سابقين في إدارة ترامب، أيّدوا موقف ماتيس، بمن فيهم رئيس الأركان السابق جون كيلي". وأضاف أن "القلق ساد في البنتاغون بشأن دعوات ترامب العسكرية، مع معارضة وزير الدفاع مارك إسبر تطبيق قانون الانتفاضة الصادر عام 1807 لوقف الاحتجاجات. ومثل سلفه، قد يخاطر بمواجهة غضب ترامب". و"قانون الانتفاضة" هو قانون يسمح لرئيس الولايات المتحدة بنشر القوات المسلحة وقوات الحرس الوطني داخل البلاد في ظروف معينة، مثل قمع الاضطرابات المدنية والتمرّد. وتمّ تطبيق القانون 20 مرة منذ صدوره، وآخرها في عام 1992 في لوس أنجليس ـ كاليفورنيا، بعد مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية رودني كينغ، على يد ضباط من الشرطة.

ونقل ثارور عن المحلل في معهد "بروكينغز" توماس رايت، قوله إنه "ربما أصبحنا داخل دوامة الهبوط الفارغة لترامب مع اقتراب فترة رئاسته من نهايتها"، معللاً ذلك بنتائج الاستطلاعات الوطنية التي تظهر تراجع ترامب خلف منافسه الديمقراطي، نائب الرئيس السابق جو بايدن. وأضاف ثارور "في المقابل، لا تفعل دائرة ترامب الضيّقة الكثير للحد من غرائزه العدوانية، وعلى وقع استمرار الاحتجاجات على وفاة جورج فلويد في جميع أنحاء البلاد، يحذّر النائب العام وليام بار من المتطرفين، على الرغم من أن غالبية المسيرات والتظاهرات لم تكن عنيفة. كما يصف وزير الدفاع مارك إسبر المدن الأميركية بأنها ساحات معارك. حتى أن متحدثاً باسم البيت الأبيض قال إن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة في ما يتعلق بالانتشار العسكري لقمع الاحتجاجات. وهي اللغة التي تستخدمها الإدارة في كثير من الأحيان عند السعي لردع الخصوم الجيوسياسيين في الخارج".

وأضاء ثارور على موقف لكوري شايك، وهو مسؤول سابق في البنتاغون، قال فيه لصحيفة "نيويورك تايمز": "إن خلق شعور بأن الجيش هو ممثل سياسي حزبي في الولايات المتحدة، يؤدي فعلاً لعمل عنفي ينافي طبيعة الميثاق المدني العسكري للبلاد".



المساهمون