فلسطينيون في مؤتمرات المستوطنين: أخطر أشكال التطبيع بلا محاسبة

فلسطينيون في مؤتمرات المستوطنين: أخطر أشكال التطبيع بلا محاسبة

13 فبراير 2017
يتحكم الاحتلال بكثير من نواحي حياة الفلسطينيين (علي جادالله/الأناضول)
+ الخط -



كان يمكن لـ"مؤتمر السيادة الكاملة للمستوطنين على الضفة" الغربية، الذي عُقد، مساء الأحد، في القدس المحتلة، أن يمر كأي خبر يتعلق بسياسة الاستيطان وقبله قانون "تسوية الأراضي"، لكن مشاركة فلسطينيين في المؤتمر، وتقديمهم كلمات على منصة المستوطنين، جعل المشهد يبدو أكثر قتامة في ظل تراخي السلطة الفلسطينية في التعامل مع مئات القنوات التي باتت ترتكز عليها الإدارة المدنية الإسرائيلية في التواصل مع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
بكثير من الغضب يقول عيسى عمرو، أحد مؤسسي "شباب ضد الاستيطان"، إن "أحد الفلسطينيين المشاركين وجّه دعوة لرئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لتناول طعام الغذاء في مدينته". ويضيف في تصريح لـ"العربي الجديد": "نجحنا بإلغاء مشاركة شخصية فلسطينية مركزية في المؤتمر، لكن المستوطنين من منظمي المؤتمر نجحوا بإيجاد بديل عنه في آخر لحظة، لدرجة أنهم لم يستطيعوا تغيير اسم الشخصية الأولى من البرنامج، على الرغم من أن المتحدث قد تغير". ويتابع: "تواصلنا مع عائلاتهم، وأخبرونا أنهم يتبرأون منهم، ويرفعون عنهم التغطية العائلية". ما يخشاه عمرو ومئات الناشطين ضد الاستيطان، أن "المستوطنين أرسلوا من خلال المؤتمر رسالة إلى العالم، أن هناك فلسطينيين يقبلون بوجودهم، والعيش تحت الاحتلال من دون سيادة أو حقوق".
ويُعتبر المؤتمر منبراً دولياً، إذ تم بثه مباشرة من قاعة المؤتمر، وباللغة الإنكليزية، وتنظمه سنوياً منظمة "نساء بالأخضر" المتطرفة التي تدعم الاستيطان. ولا يمكن فصل المؤتمر والهدف من المشاركة الفلسطينية فيه، عن إطلاق منسق أعمال حكومة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة يوآف مردخاي، الموقع الإلكتروني الجديد، في السابع من فبراير/شباط الحالي، للتواصل مع أكبر قدر ممكن من الفلسطينيين، ومن كل الفئات والخلفيات الاجتماعية والأكاديمية، بعنوان "لكم ومن أجلكم - موقع جديد لوحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق". الموقع يرتاده عملياً آلاف الفلسطينيين، ومنهم من لا يفضل وضع "إعجاب" على الصفحة، حتى لا يكون محل انتقاد، فيقوم بالتواصل مع القائمين عليها وسؤالهم حول ما يريده.
وجاء في الصفحة التي عرّفت الضفة الغربية المحتلة باسم "يهودا والسامرة" وهي التسمية الإسرائيلية للضفة الغربية: "وحدة التنسيق في المناطق تطلق موقعاً إلكترونياً جديداً سيكون واحة لعكس آخر وأهم نشاطاتها المدنية والميدانية ومنفذاً للسكان الفلسطينيين للتعرف على كل ما يتعلق بالسياسة المدنية لدولة إسرائيل، وبالتالي الاستفادة من الخدمات التي من شأنها أن توفر على الفلسطيني عناء الإجراءات التقنية، هذا وسيوفر الموقع خدمات متعددة للسكان الفلسطينيين تمكنهم من التواصل مباشرة مع مديريات التنسيق والارتباط في مناطق سكناهم والتعرف على آلية الحصول على التصاريح بأنواعها المختلفة وتعبئة طلبات مباشرة في المدى القريب". تتبع وحدة التنسيق لوزير الأمن الإسرائيلي، ويترأسها منسق برتبة ميجر جنرال وهو عضو في هيئة الأركان التابعة لجيش الاحتلال.
وأمام كل هذا الانفلات في التعامل مع الإدارة المدنية الإسرائيلية، لم يخرج أي صوت رسمي فلسطيني أو بيان يدين أو يجرم التواصل مع الإدارة المدنية، التي تغرس جذوراً قوية مع كل يوم بالتواصل مع آلاف العاطلين عن العمل ليحصلوا على تصاريح للعمل داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، أو يتخلصوا من "منع أمني" للسفر أو الدخول إلى القدس للعلاج.


يقول أحد أكبر التجار الفلسطينيين الذي اشترط عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إنه "بإمكان الإدارة المدنية الإسرائيلية اليوم، شطب السلطة الفلسطينية خلال ربع ساعة فقط". ويضيف: "لم تعد هناك حاجة فعلية لوزارة الشؤون المدنية الفلسطينية، التي لا يستطيع أي مواطن عادي التواصل مع المسؤولين فيها، شخصياً أو عبر الهاتف، فيما أصبح يوآف مردخاي جاهزاً للرد على أي تساؤل فلسطيني سخيف أو كبير عبر وسائل التواصل الاجتماعي".
عملياً سحبت الإدارة المدنية البساط من تحت قدمي وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية، حين أعلنت من باب "ذر الرماد في العيون" تصويب وضع تصاريح العمال، وتقبّل المنسق بصدر رحب كل الانتقادات، ولاحق سماسرة التصاريح من الإسرائيليين والفلسطينيين، الذين كانوا يتقاضون نحو 500 دولار عمولة على كل تصريح. هذا الإجراء المضلل وثّق من علاقة آلاف العمال بصفحة المنسق، ومنحه رصيداً من الثقة، هدفها القصير منح الفلسطينيين تصاريح عمل، لكن هدفها طويل الأمد هو إعادة سيطرة الإدارة المدنية الإسرائيلية على الضفة الغربية والتواصل مع الفلسطينيين مباشرة برضاهم.
وقال المنسق على صفحته: "تجربة التواصل التي اعتمدناها على شبكات التواصل الاجتماعي كانت فعالة في دفعنا للبحث أكثر عن وسائل إضافية لمعرفة حاجات السكان الفلسطينيين وتلبيتها بصورة مثلى، الرصيد الغني من القراء والمتابعين يحتم علينا المضي قدماً لتعزيز وتطوير خدماتنا".
المفارقة الحزينة أن "حماس" في قطاع غزة، والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، تقومان باعتقال الفلسطينيين، إذ تعتقل سلطة "حماس" بتهمة "نقل معلومات وتجسس" كل من يتواصل مع سلطة رام الله، في حين تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية باعتقال من يتواصل مع "حماس" في القطاع بتهمة "التخابر مع جهات في حماس". ومنذ الانقسام، حتى اللحظة، تم اعتقال المئات على خلفية هذه التهم، لكن المفارقة أن أحداً لم يلاحِق من يتواصل مع المستوطنين في مؤتمراتهم أو يتواصل مع المنسق على صفحات التواصل الاجتماعي.
يشير الناشط القانوني، فريد الأطرش، لـ"العربي الجديد" إلى قانون "حظر ومكافحة منتجات المستوطنات" وهو قرار صادر بقانون عن الرئيس، محمود عباس، ويحمل الرقم 4 لعام 2010، وينص على حظر أي شخص من تداول منتجات وخدمات المستوطنات، وحظر تقديم أي سلعة أو خدمة للمستوطنات. ويؤكد أن "حضور مؤتمرات المستوطنين يُعتبر تواصلاً مع العدو، خصوصاً المستوطنين الذين يقومون باعتداء مباشر ويومي على الفلسطينيين وسرقة أراضيهم، وهي جريمة ترقى للخيانة ويجب أن يتحرك الأمن ضد هؤلاء من دون انتظار تقديم شكوى من أحد، يجب تحريك الادعاء العام بحقهم سريعاً". ويختتم عمرو قائلاً: "كل يوم تقوم فيه الإدارة المدنية بتثبيت السيادة الإسرائيلية بخطوات بطيئة لكنها عميقة، وصولاً إلى أن يكون هناك قبول مجتمعي لسيطرة الإدارة المدنية على كافة نواحي الحياة في الضفة الغربية مرة أخرى".

المساهمون