شمال غربي سورية ميدان صراعين مختلفين

شمال غربي سورية ميدان صراعين مختلفين

01 مارس 2018
قوات سورية، تدعمها تركيا، تشارك بمعارك عفرين(نزير الخطيب/فرانس برس)
+ الخط -
تحوّل شمال غربي سورية إلى ميدان صراعين مختلفين في الأسباب والمآلات في ظل معطيات تشير إلى أن رحى المعارك الدائرة لن تتوقف في المدى المنظور. من جهة، يبدو الجيش التركي مصراً على "تحييد" الوحدات الكردية من منطقة عفرين. ومن جهة ثانية، تبدو فصائل تابعة للمعارضة السورية ماضية في معاركها من أجل حسم عسكري ينهي وجود هيئة تحرير الشام من محافظة إدلب بعد طردها من ريف حلب الغربي.


معركة عفرين
وأعلنت رئاسة الأركان التركية، أمس الأربعاء، عن "تحييد 2184 إرهابياً، منذ انطلاق عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين، شمال غربي سورية"، مشيرة في بيان، إلى إن العمليات البرية والجوية "مستمرة" ضمن "غصن الزيتون" لتحييد مقاتلي الوحدات الكردية في منطقة عفرين.

وفي السياق، أعلن الجيش السوري الحر، الذي يشارك في العمليات إلى جانب الجيش التركي، السيطرة على قريتي أنقلة وسنارة في محور شيخ الحديد بريف عفرين، بعد معارك مع الوحدات الكردية، وبذلك يكون الجيش الحر قد اقترب أكثر من مركز ناحية شيخ الحديد في ريف عفرين الغربي. وبعد سيطرة الجيشين التركي والسوري الحر على كامل الشريط الحدودي حول عفرين وبعمق كيلومترات عدة، من المتوقع أن يفتح طريق بين مدينة أعزاز، شمال حلب، وبلدة أطمة في ريف إدلب، وهو ما يسهل حركة عشرات آلاف المدنيين في مناطق درع الفرات، شمال شرقي حلب، ومحافظة إدلب، شمال غربي سورية.

وبدأت تركيا في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي، عملية غصن الزيتون لطرد الوحدات الكردية من منطقة عفرين لوأد أي محاولة لتأسيس إقليم ذي صبغة كردية على الحدود الجنوبية التركية. وتؤكد أنقرة أن العملية مستمرة حتى تحقيق أهدافها بانسحاب الوحدات الكردية إلى منطقة شرقي الفرات، إذ من المتوقع أن يعمد الجيش التركي لتضييق الخناق أكثر على الوحدات الكردية.

وتدفع المعارضة السورية المسلحة المشاركة في عملية "غصن الزيتون" نحو فتح معركة استعادة مدينة تل رفعت وقرى غالبية سكانها عرب كانت سيطرت عليها الوحدات الكردية في شباط/ فبراير 2016، فنزح عشرات آلاف المدنيين. ومن غير المستبعد أن تقوم الوحدات الكردية بتسليم هذه المناطق إضافة إلى مدينة منبج إلى النظام السوري لقطع الطريق أمام الجيش التركي والجيش السوري الحرّ باتجاهها. وبات التنسيق والتعاون بين الوحدات الكردية والنظام السوري معلَناً عقب بدء عملية غصن الزيتون في محاولة من الوحدات لتجنب الاجتثاث بشكل كامل من منطقة غربي الفرات. وبدأ الجيش التركي والسوري الحر عمليات تأمين الشريط الحدودي الذي سيطرا عليه بشكل كامل، من خلال تمشيط تلال للقضاء على جيوب لا يزال بعض عناصر الوحدات الكردية يتمركزون فيها مستفيدين من الطبيعة الجبلية الوعرة للمنطقة.

صراع مفتوح في ريف إدلب
على صعيد آخر، وغير بعيد عن منطقة عفرين، لا يزال ريف إدلب ساحة صراع مفتوح بين جبهة تحرير سورية، التي تضم فصيلي أحرار الشام ونور الدين الزنكي وتساندها فصائل أخرى منها صقور الشام من جهة، وبين هيئة تحرير الشام التي تشكل جبهة النصرة ثقلها الرئيسي من جهة ثانية.

وتراجعت "الهيئة"، أمس الأربعاء، عن مدن وبلدات هامة في محافظة إدلب لصالح الجبهة التي يبدو أنها ماضية في مشروعها الهادف إلى القضاء على الهيئة أو على الأقل تحديد أماكن وجودها في بقع ضيقة. وانسحبت "هيئة تحرير الشام"، ليل الثلاثاء، من معبر مدينة مورك بريف حماة الشمالي الواصل بين مناطق سيطرة المعارضة السورية وقوات النظام. وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "جبهة تحرير سورية وجيش العزة تسلما إدارة المعبر بشكل مؤقت بعد انسحاب تحرير الشام" من المدينة. وأشارت المصادر إلى أنه سيتم تسليم إدارة معبر مدينة مورك الذي يربط المناطق التي يسيطر عليها النظام بالمناطق المحررة، لإدارة مدنية. كما انسحبت هيئة تحرير الشام، أمس، من مدينة خان شيخون، ومن بلدات كفرسجنة ومعراتا، وصهيان، وحيش، متجهة إلى أماكن سيطرة لها في منطقة جبل الزاوية وفي ريف حماة الشمالي. وأشارت مصادر إلى أن الهيئة لا تزال تحتفظ ببلدات احسم والبارة ومرعيان وكنصفرة في جبل الزاوية الذي يضم نحو خمسين بلدة وقرية، كما لا تزال الهيئة تسيطر على مدينة إدلب، مركز المدينة، ومدينتي سراقب، وجسر الشغور، إضافة إلى سرمدا وباب الهوى، وسلقين وحارم. وبات ريف حلب الغربي خالياً تماماً من هيئة تحرير الشام ومساحات كبيرة من ريف إدلب، في ظل حراك شعبي واضح رافض لوجود الهيئة في كل المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة السورية.
من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن فصائل تابعة للمعارضة السورية منضوية في غرفة عمليات "دحر الغزاة"، المؤلفة من حركة أحرار الشام الإسلامية وفيلق الشام وجيش الأحرار وجيش العزة وجيش النصر وجيش إدلب الحر وجيش النخبة والجيش الثاني والفرقة الأولى مشاة ولواء الأربعين وحركة نور الدين الزنكي، انتشرت في المواقع والنقاط التي انسحبت منها هيئة تحرير الشام، والواقعة في الريف الحموي الشمالي. وأكدت مصادر أن الهيئة تشهد انشقاقات في ظل أنباء عن سقوط وإصابة المئات من المقاتلين من كلا الجانبين المتصارعين. ووثق المرصد السوري مصرع 156 مقاتلاً على الأقل من الأطراف المتنازعة في إدلب وحلب، مشيراً إلى أنه قتل ما لا يقل عن 94 عنصراً من هيئة تحرير الشام خلال القصف والاشتباكات مع حركة نور الدين الزنكي في ريف حلب الغربي وحركة أحرار الشام وصقور الشام في ريف إدلب. كما وثّق مقتل 62 من حركة أحرار الشام وحركة نور الدين الزنكي وصقور الشام، قتلوا خلال القصف والاشتباكات في المنطقة. وبرأي الباحث في مركز "جسور" للدراسات، عبد الوهاب عاصي، فإن الصراع في إدلب أمام عدد من الاحتمالات "منها أن تسعى هيئة تحرير الشام لصلح عبر وسيط، بدعوى الانسحاب الذي تنفذه من المناطق وعدم الاقتتال، بحيث يتم الاعتماد في ذلك على مبادرة جبهة الإنقاذ". ولفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "من المحتمل أن تقوم هيئة تحرير الشام بإعادة تجميع قواتها ضمن جيب يمتد من باب الهوى ويمر بريف إدلب الشمالي الغربي وصولاً إلى الساحل السوري، ويتم فيه إعلان تفاهم بين فصائل السلفية الجهادية ليتم فتح معركة محدودة في الساحل يليها هجوم جديد على مناطق تحرير سورية يعتمد على الزحف البطيء والخلايا التابعة لها في المناطق التي انسحبت منها". وأشار إلى احتمال "عدم قبول جبهة تحرير سورية أيّة وساطة أو جهود صلح، وملاحقة هيئة تحرير الشام في المناطق التي ستتجمع فيها بريف إدلب والساحل والعمل على تفكيكها من خلال تحييد المهاجرين عنها بالتوازي مع شن هجوم عليها".
وكان الاقتتال قد بدأ بين الطرفين في العشرين من شهر شباط/ فبراير الماضي عقب تشكيل جبهة تحرير سورية، إذ حاولت الهيئة وأد التشكيل لكن محاولاتها باءت بالفشل، في ظل استياء شعبي من الهيئة التي تفرض إجراءات مشددة على المدنيين في وقت تراجعت فيه أمام قوات النظام أخيراً في ريف حلب الجنوبي الغربي وفي ريف إدلب الشرقي. كما أن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين يتخذون من هيئة تحرير الشام ذريعة لارتكاب المجازر، لذا تحاول المعارضة سحب هذه الورقة من يد النظام من خلال القضاء على أي وجود للهيئة في شمال غربي سورية.

المساهمون