التطبيع مع "البلطجة السياسية" في مصر: إفطار المعارضة نموذجاً

التطبيع مع "البلطجة السياسية" في مصر: إفطار المعارضة نموذجاً

08 يونيو 2018
فريد زهران بعد الاعتداء عليه (فيسبوك)
+ الخط -
دلالات كثيرة حملتها واقعة اعتداء البلطجية على إفطار "الحركة الوطنية المصرية"، الثلاثاء الماضي، في أحد النوادي العامة في العاصمة المصرية القاهرة، حيث كان المعتدون يردّدون عبارات "يا جواسيس يا خونة"، وكانوا أيضاً يقصدون إحداث إصابات في بعض رموز القوى المدنية والسياسية في مصر، تماماً كما حدث مع رئيس "الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي"، فريد زهران، الذي أصيب بجرح قطعي في رأسه استلزم "غرزاً" جراحية لوقف النزيف.

يشار إلى أنّ الحركة الوطنية المصرية هي ائتلاف بين عدد من الأحزاب والشخصيات السياسية والعامة المصرية المعارضة، تشكل في ديسمبر/ كانون الأول 2017 قبل الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة.

هناك دلالات أبعد للحادث من كونه مجرّد اعتداء بلطجي، أو بالأحرى هناك "قراءات أخرى" لما حصل. وفي هذا الإطار، علّقت الحقوقية ومؤسسة مركز "النديم" لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، عايدة سيف الدولة، عبر حسابها على "تويتر"، على الحادثة، قائلةً: "اللي حصل في النادي السويسري النهارده سفالة... بس الغريب إن في ناس من القوى المدنية مستغربة أن تصل السفالة إلى هذا الحد... السفالة تجاوزت كل الحدود، بقى لها كده تقريباً 5 سنوات". بينما قدّم السياسي المصري عبد الرحمن يوسف، عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، قراءة متعمّقة للمشهد، إذ رأى أنّه "رغم انحطاط وسفالة ضرب الناس وقت الفطار في يوم رمضاني وفي تجمّع سلمي فيه ناس كبيرة في السن، لكن السؤال الحقيقي إيه هو مصدر الدهشة، هيا ليه القوى والأحزاب دي مُصرّة تقع في نفس مشكلة وأزمة (سقف التوقعات) اللي مستمرين فيها من وقت تأييد الانقلاب والتمهيد له في 2013".

وتابع "الناس دي كان سقف توقعاتها هو انقلاب ثمّ تنكيل بالإسلاميين والإخوان وربما سحقهم، وحيكون لينا مساحة نبرطع فيها، بعدها انخفض سقف التوقعات علشان يكون الجناح والورك الديمقراطي في حكومة (حازم) الببلاوي وما بعده، بعد كده انخفض علشان يكون مشاركة مشرفة ومشاركة على الهامش، وقال إيه بعضهم قرر يدخل انتخابات برلمانية وصدّق نفسه، وقالك نشكل جبهة حزبية". وأكّد يوسف أنّ "الأزمة أن كل الدم والتنكيل اللي حصل حتى بشباب من التيارات المدنية وغيره، مخلاش حد يفهم أن ده نظام يجيد البجاحة بعد الاستباحة، وطالما الدم جرى بهذه الكثافة مرة ومرّت، فلا مانع أن يجري ويسيل أكثر من مرة... والأخطر أن سلاح البلطجة واستخدامه جرى السكوت عليه وتعميم استخدامه بل والتطبيع معاه، وبالتالي أصبح سمة أساسية وملمح مهم حيكون في كل مشهد وأي مشهد، فليه في دهشة واستغراب؟ ما الكلام ده بيحصل وحصل من زمان". بدورها، علّقت الناشطة جيهان شعبان، على ما حصل بالقول: "اللي حصل في النادي السويسري كان جنون! أمّال اللي حصل في رابعة كان بمبي!".

وفي مقابل هذه القراءة للمشهد، هناك قراءة أخرى يقدمها أفراد الحركة المدنية والسياسية أنفسهم، في محاولة لتصوير الواقعة كونها "جنون" أو "سُبة في جبين الوطن" أو "قمة البؤس" أو حتى "بلطجة سياسية"، مثلما وصفتها أستاذة الاقتصاد والعلوم السياسية علياء المهدي، قائلةً "الاعتداء اللي حصل على إفطار النادي السويسري والمدعوين فيه من كبار الأدباء والمثقفين والفنانين وأساتذة الجامعات... هو سبة في جبين الوطن. لن تُمحى سوى بالإمساك بالبلطجية ومعاقبتهم بما يستحقونه... وإلا أصبحت البلد سايبة".


كما كتب السياسي والقانوني المصري زياد بهاء الدين، الذي وصف الحادثة بـ"غزوة النادي السويسري"، عبر حسابه على "فيسبوك"، أنه "وحسب ما فهمت، فإنّ إفطاراً جمع عدداً من الوجوه السياسية المنتمية للتيار المدني الديمقراطي من المثقفين والحزبيين، تعرّض لهجوم منظّم من البلطجية الذين اعتدوا على الحاضرين وأصابوا بعضهم ووجهوا لهم السباب وأفسدوا اللقاء ونادوا بحياة مصر. هذه الواقعة المشينة التي تحدث تحت سمع وبصر أجهزة الدولة وبتحريض من الإعلام المتربّص بكل نشاط ثقافي أو اجتماعي أو سياسي مستقلّ، هي نتيجة طبيعية لمناخ الكراهية والتحريض الذي نعيشه". وتابع "هل هكذا تحيا مصر؟ وهل هذا هو ما نادى به رئيس الدولة قبل يوم واحد من ضرورة العمل على بناء الإنسان المصري؟ وعلى قبول فكر الآخر؟ هذه فضيحة في جبين الدولة والوطن. تحياتي وتمنياتي بالشفاء والسلامة لمن تعرضوا لهذه الغزوة التي لن تُثني أحداً منهم عن الاستمرار في العمل من أجل وطن تسوده الحرية والعدالة والقانون".

كذلك، علّق أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية البارز مصطفى السيد، على الحادثة بالقول: "فوجئت بأنّ بعض المدعوين، ومنهم الأستاذ عبد العظيم حماد، رئيس تحرير الأهرام الأسبق مدخناً البايب، والروائي المبدع الأستاذ إبراهيم عبد المجيد، كما لمحت الشاعر الشادي زين العابدين فؤاد، وكلهم يغادرون النادي السويسري، وسألتهم مندهشاً أين هم ذاهبون؟ فأجابني الأستاذ عبد العظيم حماد: ألم تعرف ماذا حدث؟ لقد احتشد عدد من المواطنين الشرفاء وحطموا موائد الطعام وتهجّموا على بعض المدعوين وسط هتافات تحيا مصر وعاش الرئيس السيسي".

وتابع "وأمام هذا العمل غير المتوقّع، انصرف معظم المدعوين، كما لم أجد سبباً لبقائي لأن الباب المؤدي إلى مكان الإفطار كان مغلقاً. وفي طريق عودتي إلى المنزل، حاولت الاتصال ببعض من شاركوا في الإعداد لحفل الإفطار، وعلمت أن بعضهم قد استمرّ في المكان نفسه لتأمّل دروس ما حدث. هاتفت الأستاذ مدحت الزاهد والدكتور مجدي عبد الحميد والدكتور عبد الجليل مصطفى، وسألتهم عما إذا كانوا يحتاجون لعودتي، فأجابوا بالنفي. وعلمت أنهم سيقدمون بلاغاً للشرطة بما حدث، كما سيقدّم النادي السويسري بلاغاً كذلك".

وأضاف السيّد أنّ "حفل الإفطار كان في الأساس مناسبة اجتماعية، ووجّهت الدعوة فيه لكل مَن يُتوسم فيه إيمانه بغايات الحركة المدنية الديمقراطية من السعي لإشاعة الديمقراطية في نظامنا السياسي، وخصوصاً ممن لا ينتمون إلى الحركة. وربما كان البعض سينتهزها لإدارة أحاديث مختصرة حول كيفية الشروع في حوار وطني لتحقيق التنمية السياسية في مصر استرشاداً بخطاب الرئيس في مجلس النواب".

من جهته، آثر الكاتب الصحافي عبد العظيم حماد، تقديم توضيح بشأن المتداوَل عن الاعتداء على الحركة المدنية، وكتب "توضيح بالغ الأهمية... النادي السويسري لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالمتداول بين عدد محدود من الأشخاص في اقتراح مشروع بيان يرحّب بالمعاني الإيجابية في خطاب الرئيس، ويدعو لحوار وطني لتحقيق مطالب القوى المدنية". وتابع "الواضح أنّه حدث سوء فهم ترتّب على التباس صياغة البوست المنشور ليلة أمس بعد الأحداث مباشرة، فأعتذر عن هذا الالتباس، فالمقصود كان إننا نفكر بإيجابية... إننا نفكر بإيجابية".

وبينما يتمسّك أفراد الحركة الوطنية المصرية في شهاداتهم وقراءاتهم للمشهد، بغياب دولة العدل والقانون، قرروا التقدّم ببلاغ للنائب العام ومطالبة النظام بتحقيق "عادل وشفاف". وفي هذا الإطار، روى رئيس "حزب التحالف الشعبي الاشتراكي"، مدحت الزاهد، تفاصيل الاجتماع الطارئ للحركة المدنية الديمقراطية في مقر الحزب المصري الديمقراطي تضامناً مع زهران، وبمشاركة كل أطرافها التي "أعربت عن تقديرها البالغ للمواقف التضامنية للأحزاب والمنظمات والشخصيات العامة والخاصة التي نهضت للدفاع عن الحريات في مواجهة البلطجة وترويع المعارضين، وهو الخط الذي تنتهجه السلطة لإغلاق المجال العام وتصفية الحياة السياسية"، على حد قوله.

وأعلن الزاهد أنّ رؤساء الأحزاب وقيادات الحركة من الشخصيات العامة، "قرروا التقدّم ببلاغ للنائب العام للتحقيق في ما تعرّضت له من عدوان، وانضمامها إلى ما طالب به (المجلس القومي لحقوق الإنسان) لتعيين قاضي تحقيق مستقل، لتحقيقٍ تتوفر فيه الشفافية والنزاهة، وعقد مؤتمر صحافي لبيان موقفها ودعوة أعضاء الحركة إلى إفطار جماعي الثلاثاء عوضاً عن الإفطار الذي تمّ تخريبه، واعتبار اللجنة التنسيقية في حالة انعقاد مستمر لمتابعة التطورات".