قرار وقف الاستيطان... دروس الـ2334 وما سبقه وما سيليه

قرار وقف الاستيطان... دروس الـ2334 وما سبقه وما سيليه

24 ديسمبر 2016
القرار 2334 هو فعلاً تاريخي (Getty)
+ الخط -
ليس تمرير القرار الدولي رقم 2334، ضد مواصلة إسرائيل سياسة الاستيطان في أراضي 1967 ومن ضمنها القدس المحتلة، ليل الجمعة في مجلس الأمن الدولي، هو أهم ما حصل في المسلسل الطويل الذي عاشته أروقة القاعات الكبرى في نيويورك طيلة الساعات الثماني والأربعين الماضية، ذلك أن الشك كبير باحتمالات تنفيذ القرار وإلزام دولة الاحتلال به.

لكن الأهم هو ما سبق تأييده من قبل 14 دولة، والمهم أيضاً هو امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق النقض المعتاد من قبلها دفاعاً عن الدولة العبرية في كل محفل ومناسبة، على غرار ما فعلته عام 2011 ضد مشروع قرار مماثل لذلك الذي صدر مساء الجمعة.

في عام 2011، لم يكن الرئيس الأميركي باراك أوباما يحزم حقائبه لمغادرة السلطة، على عكس حاله اليوم، فأراد أن يسجل التاريخ باسمه سلوكاً، وإن كان رمزياً، يشفي من خلاله حاجته لإثبات تنفيذ أحد وعوده، أو على الأقل يكون "انتقم" عبره من رجل يدعى بنيامين نتنياهو أهان أوباما سياسياً وشخصياً طيلة سنوات، ولم تعرف الكيمياء طريقاً إلى علاقته به.

والأهم، يبقى إعادة استذكار ما شاب الساعات الـ24 التي فصلت بين يوم الخميس، الموعد الذي أجهضته الدبلوماسية المصرية للتصويت على مشروع القرار، ومساء الجمعة، حين فعلت دول غير عربية هي فنزويلا وماليزيا والسنغال ونيوزيلاندا ما كان يفترض بـ"ممثلة العرب"، مصر، أن تقوم به، لكنها صنعت عكسه تماماً.


كان المنطق والعقل يقولان إن مصر، بصفتها ممثلة الكتلة العربية في المنظمة الدولية، يجب أن تروج وتعبئ الدول الأعضاء، دائمي العضوية وغير الدائمين، لمصلحة مشروع القرار، سياسياً وإعلامياً وعبر العلاقات الدبلوماسية والشخصية، لكن ما حصل كان معاكساً بالكامل، فأبطل مندوبها موعد التصويت المفترض مساء الخميس، نزولاً عند رغبات واتصالات المسؤولين الإسرائيليين وسعياً خلف رضى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. ثم سحبت مشروع القرار من التداول يوم الجمعة، متذرعة بـ"مزايدات" أعضاء في مجلس الأمن الدولي، على ما قاله المندوب المصري الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عمرو أبو العطا. وهي عبارة أثارت سخرية عالمية في الغرب قبل المنطقة العربية أكثر مما أثارت ردود فعل جدية، على اعتبار أن هذا الكلام صار يختصر حالة مصر كخط دفاع أولي عن مصالح إسرائيل، وكمروّج مبكر لما ترغب به إدارة دونالد ترامب حتى قبل أن تستلم زمام السلطة في البيت الأبيض.

دبلوماسية مصرية بدت وكأنها لم تتوقع ألا تستخدم المندوبة الأميركية سامنثا باور، الفيتو المعتاد من واشنطن حمايةً لإسرائيل، ولم تتوقع أن تقوم أربع دول غير عربية بطرح المشروع تعويضاً لتقاعس وتواطؤ الدبلوماسية المصرية، فتردد المندوب المصري قبل الموافقة على مشروع القرار، قبل أن يتفرغ لتبرير تأجيل التصويت عليه وسحبه من التداول من قبل بلده، مردداً مصطلحات غريبة عن عالم العلاقات الدولية، مفادها أن مصر فعلت ذلك "نكايةً" بما سماه "مزايدات"، وهو كان يقصد بذلك المهلة ــ الإنذار التي وجهها مندوبو فنزويلا والسنغال وماليزيا ونيوزيلاندا لمصر.



القرار 2334 هو فعلاً تاريخي، ليس لأنه يؤكد لاشرعية الاستيطان، فذلك لا يحتاج لشهادة من مجلس الأمن أو من غيره، بل إنه تاريخي لأنه يثبت أن للقضية الفلسطينية حلفاء وأصدقاء محتملين قد لا يكونون عرباً بالضرورة. هؤلاء يمكن المراكمة على تفعيل التواصل معهم، والاستثمار في كشف الحقائق الكارثية للاحتلال أمامهم، بشكل يكونون فيه ظهيراً حقيقياً لفلسطين ولو تخاذلت دول عربية مثل دبلوماسية نظام مصر اليوم وغيرها.

صحيح أن قرار عدم استخدام الفيتو من قبل المندوبة الأميركية هو ترجمة لأمر من أوباما شخصياً، انتقاماً من نتنياهو، ورغبة بترك البيت الأبيض بنقطة مضيئة ما، ولو كانت متأخرة ورمزية، تمحي تخلّي الولايات المتحدة عن أي مسؤولية أخلاقية تحت شعار "عدم التدخل في الملفات الساخنة" في الشرق الأوسط. صحيح أيضاً أن ترامب يحمل معه أجندة صهيونية ربما تكون غير مسبوقة في واشنطن، مع أن أوباما يبقى الرئيس الأكثر خدمةً لتل أبيب من بين الرؤساء الأميركيين الـ44 حتى الآن... إلا أن الصحيح أيضاً هو أنه يصعب توقع سلوك إدارة ترامب وكادرها الدبلوماسي الصهيوني الذي بتنا نعرف أسماء بعض رموزه، في حال كان الموقف الأميركي معزولاً في دفاعه الأعمى عن إسرائيل.

وربما يكون نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، عنوان معركة آتية في منابر عالمية، قد يكون فيها الأميركي وحيداً أو شبه وحيد في الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيلية. من هنا، لا يفترض استبعاد وجود أصدقاء حقيقيين لفلسطين في منابر عالمية، سياسية أو قضائية دولية، بعد قرارات اليونيسكو الأخيرة ومجلس الأمن والجمعية العامة.

وإن كانت الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية، وأصدقاء القضية ينوون التوجه إلى محاكم دولية، بخطة واضحة ووثائق متماسكة، فلا يسبتعد أن يلاقي مسعاهم النجاح، على الرغم من صعوبة المهمة في ظل وجود إدارة شديدة الصهيونية في البيت الأبيض الأميركي، وفي ظل وصول حالة التعبئة العدوانية في إسرائيل إلى أقصى يمينيتها وصهيونيتها، وحالة الموت السريري الذي يعيشه ما كان يسمى "معسكر السلام" داخل المجتمع الإسرائيلي، وكل ذلك يحصل في ظل تطبيع عربي غير مسبوق مع إسرائيل، وتأدية دول عربية رئيسية أدواراً انتقلت من تأييد الحق الفلسطيني العربي، إلى مرحلة الحياد السلبي، وصولاً إلى حمل مواقف وسلوكيات تقترب من المعسكر الآخر، الإسرائيلي ــ الأميركي.


هنا أيضاً، ربما تكون الحكمة بالنسبة للدبلوماسية الفلسطينية، أو أشباح ما تبقى من سلطة محمود عباس، اليوم، أو في غد فلسطيني لعلّه يكون أفضل، أن يدركوا من هو الصديق لفلسطين ومن هو الخصم أو العدوّ لها بين الأنظمة والشعوب، بدل التمسك بالمعزوفة البليدة إياها حول مناصرة مصر والأردن ظالمين كانا لفلسطين أو مؤيدين لها.

أغلب الظن أنّ "الانتقام" الإسرائيلي المضاد، سيترجم بعطاءات استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وبالمزيد من العدوانية في التعاطي مع أي صوت متضامن مع القضية الفلسطينية، وهو ما من شأنه ربما استفزاز دوائر صنع القرار في عواصم غربية وأميركية لاتينية وآسيوية، ويكشف أمامها، بالملموس، أشكالاً من البلطجة الإسرائيلية، وهو ما بدوره قد يؤدي إلى خيارات قانونية وسياسية من قبل هذه الدول تزيد الضغط على دولة الاحتلال، في عناوين المستوطنات، وبضائعها، والمقاطعة الاقتصادية لها، وحصار غزة، واحتلال الجولان، ومحاسبة مسؤولين إسرائيليين عن جرائم ارتكبت في حروب إسرائيلية على القطاع الفلسطيني المحاصر خصوصاً...