الانتخابات الإسرائيلية (17): قراءة بأسباب تراجع تمثيل الأحزاب العربية

الانتخابات الإسرائيلية (17): قراءة في أسباب تراجع تمثيل الأحزاب العربية

16 ابريل 2019
ارتفعت نسبة المواطنين العرب الذين قاطعوا (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
لا شيء يحكي قصة الانتخابات الإسرائيلية في سياق الفلسطينيين في الداخل، ممن يحملون الجنسية الإسرائيلية، مثل الاعتراف المباشر من عضو الكنيست دافيد بيطان، من حزب الليكود، لموقع وينت، أول من أمس، عندما قال إن الليكود استعد لهذه الانتخابات وعمل جاهداً لتحقيق هدف فوزه، وأيضاً خفض نسبة التصويت عند العرب وتقليل عدد نوابهم، قبل أن يضيف "نجحنا في ذلك، لكننا أخفقنا في إسقاط حزب بلد"، في إشارة إلى التجمع الوطني الديمقراطي.

خفض عدد النواب العرب في الكنيست، يعني مباشرة رفع عدد نواب اليمين الإسرائيلي وزيادة عدد أعضاء المعسكر الذي يقوده بنيامين نتنياهو، بما يمنع كلياً منافسه والخصم الرئيسي، بني غانتس، من تشكيل جسم مانع يحول دون تكليف الأول بتشكيل الحكومة المقبلة.

وجاءت النتائج النهائية للانتخابات لتوجه صفعة للأحزاب العربية، وللدقة للقائمتين الرئيسيتين اللتين خاضتا الانتخابات، بعد تفكيك القائمة المشتركة التي جمعت مجمل الأحزاب العربية في الانتخابات الماضية. وقد جرى تفكيك القائمة فعلياً مع تقديم عضو الكنيست أحمد طيبي طلباً رسمياً للجنة الانتخابات المركزية في 16 يناير/ كانون الثاني الماضي، وإعلانه ضمن مقابلة في برنامج حواري مع الصحافي فرات نصار على القناة 12، أن القائمة المشتركة قد انتهت.

تفكيك القائمة المشتركة، وما تبعه من مفاوضات ومحاولات فاشلة لإعادة تركيبها، وما سبقه من سخط عام لدى الفلسطينيين في الداخل من أداء القائمة خلال ولاية الكنيست الماضي، كان عاملاً أساسياً أيضاً في ترجمة هذا الاستياء إلى سلوك انتخابي سلبي، تمثل بارتفاع نسبة المواطنين العرب الذين أحجموا عن التصويت وقاطعوا العملية الانتخابية. لكن بموازاة ذلك، سجل تراجع في هيبة الموقف الوطني واستسهال الترويج للأحزاب الصهيونية.

وساهم التحريض الإسرائيلي المتواصل على الأحزاب العربية وتسميم الوعي العربي العام بأن هذه الأحزاب ونوابها منشغلون عن المواطن العربي وقضاياه، في عملية إعادة وعودة الأحزاب الصهيونية لغزو البلدات العربية في الداخل وحصولها على نحو 120 ألف صوت، شكلت عملياً نحو 27 في المائة من مجمل أصوات الناخبين الفلسطينيين في الداخل.
فقد خسر الفلسطينيون في الداخل ثلاثة نواب وتراجع تمثيل أحزابهم العربية (تحالف الجبهة والعربية للتغيير وتحالف التجمع والحركة الإسلامية) من 13 نائباً إلى 10 نواب في الكنيست الجديد.

وشكل هذا الأمر ترجمة لتراجع الدعم الشعبي للأحزاب العربية، فبعدما كانت القائمة المشتركة قد ساهمت في انتخابات العام 2015 في رفع نسبة التصويت عند الفلسطينيين في الداخل إلى 64 في المائة، وحصلت على أكثر من 80 في المائة من الأصوات العربية، إذ بلغ مجمل الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات الماضية 446 ألف صوت، تراجع مجمل هذه الأصوات إلى 337110 أصوات في الانتخابات التي جرت أخيراً. أي أن الأمر لم يقف عن تراجع نسبة التصويت من 64 في المائة إلى نحو 46 في المائة فقط، بل إن الأحزاب العربية خسرت أيضاً إضافة لذلك نحو 27 في المائة من الأصوات التي ذهبت لأحزاب صهيونية.

وقد أثارت هذه النتائج مع ظهورها حالة غضب ودعوات للمحاسبة الداخلية في الأحزاب نفسها. ومع أن القائمتين أصدرتا بيانات شكر للناخبين العرب، الذين أدى تدفقهم في ساعات المساء استجابة لنداءات الاستغاثة التي أطلقتها الأحزاب العربية إلى منع سقوط إحدى القائمتين بل وكلتاهما في حال ظلت نسبة التصويت دون الأربعين بالمائة، إلا أن قيادة الأحزاب امتنعت عن الاعتراف بفشلها من الناحية المبدئية في صد الدعاية الرسمية للأحزاب الصهيونية الحكومية ضدها بأنها لا تفعل شيئاً للناخب العربي.

واضطرت الأحزاب، ربما لأول مرة في المشهد السياسي لفلسطينيي الداخل، إلى الاعتراف بأن "الناس قد حاسبتها" على أخطائها، لكنها أبقت على خطاب غاضب وناقد تجاه دعوات المقاطعة التي نشطت بشكل فاعل خلال هذه الانتخابات، ولم تقف عند حد البيانات التقليدية التي كانت تصدرها الحركة الإسلامية الشمالية المحظورة إسرائيلياً وحركة أبناء البلد، بل تحركت بشكل فاعل وبرز خطابها في شبكات التواصل الاجتماعي، وسط أخذ ورد وحرب كلامية بين نشطاء المقاطعة ونشطاء الأحزاب طاولت حتى اتهامات متبادلة بالتمويل الأجنبي العابر للحدود من كلا الطرفين.

وقد تحدثت "العربي الجديد" مع ثلاثة من النواب المنتخبين من القائمتين العربيتين، "تحالف التجمع والموحدة" وتحالف الجبهة والعربية للتغيير، في محاولة للاطلاع على قراءة القائمتين لنتائج الانتخابات الأخيرة.

منصور عباس: انتكاس التمثيل العربي

وقال رئيس تحالف التجمع والموحدة، منصور عباس، في رده على أسئلة "العربي الجديد"، إنه من الواضح أن التمثيل العربي في الكنيست انتكس هذه المرة بسبب تفكيك القائمة المشتركة وعزوف الجمهور عن التصويت نتيجة لهذا الأمر. وبالنسبة إليه، فإن التحالفين اللذين شكلا القائمة المشتركة قبل أربع سنوات حصلا، عملياً، على 335 ألف صوت، أي أقل بـ110 آلاف صوت مما حصلت عليه القائمة المشتركة قبل أربع سنوات. واعتبر أن هذا معطى مقلق جداً، لافتاً إلى أن نجاح القوائم ارتبط بشكل أساسي بما حدث في الساعات الأخيرة وحالة الهبة التي حدثت بالمجتمع العربي نتيجة لخشية حقيقية من سقوط القائمتين، مع فارق بين قائمة وأخرى، ولكن الحالة هي واحدة والنتيجة هي نفسها، وتستدعي منا إعادة الحسابات، سواء على ملف العمل المشترك والإطار الوحدوي أو على مستوى الأداء البرلماني ومدى كونه مقنعاً أو غير مقنع للناخب العربي أن يخرج من بيته ويذهب لصندوق الاقتراع وينتخب.

وبالنسبة إلى عباس، فإن "النتيجة تعكس أن مكانة الأحزاب تراجعت، وهذا محصلة بشكل أساسي من جهة لسلوك الأحزاب، ومن جهة للحملة المسعورة التي أدارها اليمين ضد شرعية المواطن العربي في أدائه لدوره السياسي والمدني وضد القوائم العربية. وحتى في يوم الانتخابات كانت محاولات حقيقية من أجل ردع الناس من خلال كاميرات التجسس والتصوير. لا شك أنها أحدثت بلبلة يوم الانتخابات".

يوسف جبارين: صعود اليمين بث الإحباط

من جهته، قال النائب يوسف جبارين، عن تحالف الجبهة والعربية للتغيير، في حديث مع "العربي الجديد"، في تعليقه على النتائج: "رأينا كيف أن تصاعد اليمين قد يدفع الناس إلى الإحباط وعدم المشاركة بعملية الاقتراع، أو إلى البحث المتسرع عن بدائل وهمية. هذا يشمل التعبير عن ذاك بعدم التصويت أو بالتصويت لأحزاب يهودية على حساب الموقف المبدئي وموقف الضمير". واعتبر أن التحدي الماثل أمام الأحزاب اليوم هو إقناع الناس بأن الرد على تصاعد اليمين هو بتقوية الأحزاب العربية: أولاً، لأنها تمثل المصلحة الوطنية الحقيقية لجماهيرنا في كل ظرف سياسي، وثانياً لأنها قادرة على تغيير موازين القوى كلما زاد تمثيلها بالكنيست. وأضاف "علينا في قيادة الأحزاب أن نفتح حواراً مع كوادرنا وأن نبادر لحوار مجتمعي واسع حول مكانة تمثيلنا البرلماني، وذلك من أجل بناء الثقة اللازمة بين الجمهور والأحزاب، وتقوية حلقة الوصل بين العمل السياسي والحراك الشعبي". وتابع "لا شك أن بناء الثقة يتطلب أيضاً إعادة الاعتبار للعمل الوحدوي بين الأحزاب وتنقية الأجواء من ترسبات الفترة الماضية والتعالي عن المناكفات الداخلية التي تسببت بعزوف الجمهور عن قيادات الأحزاب أكثر من إشكالية انقسام المشتركة إلى قائمتين بحد ذاتها". ووفقاً لجبارين "فلو حدث الانقسام في أجواء إيجابية مغايرة، وهذا كان ممكناً، لما رأينا هذه الإسقاطات السلبية في الشارع". وأضاف "في واقع جماهيرنا الفلسطينية في البلاد، فان تقوية الأحزاب السياسية هي جزء من مسيرة الصمود والتحدي، إلى جانب تعزيز التنظيم المجتمعي الداخلي مثل لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، والمؤسسات الأهلية الحقوقية".

امطانس شحادة: النتائج مؤشر خطير للأحزاب والمجتمع

من جهته، قال امطانس شحادة، المرشح الثاني على لائحة تحالف التجمع والقائمة الموحدة والأمين العام للتجمع الوطني، إن نتائج الانتخابات تشكل مؤشراً خطيراً للأحزاب العربية والمجتمع العربي معاً. فهي توضح تراجع مكانة الأحزاب العربية والحاجة إلى مراجعة ذاتية حقيقية وطرح أدوات عمل جديدة وأساليب أنجع للتواصل مع الجمهور والعمل على تسييس المجتمع العربي. إذ بات المجتمع خارج السياسة وبعيداً عن العمل السياسي والحزبي، يتقوقع في احتياجاته الخاصة المعيشية واليومية، ونرى أن الحالة الاقتصادية الجيدة باتت عائقاً أمام العمل السياسي والحزبي.

وحول ما إذا كان طرح جسم مانع أثر على الناس للتصويت لأحزاب صهيونية، قال شحادة إنه "من السابق لأوانه الإجابة عن هذه الأسئلة، فهي تحتاج إلى دراسة معمقة. لكن من مراجعة سريعة لمواقف المجتمع والأجواء التي كانت في لقاءاتنا، أعتقد أن غالبية المجتمع العربي لم تتأثر بشكل جدي من قضية الجسم المانع، لكني أعتقد أن هناك فئة صغيرة تأثرت فعلاً واستنتجت أن إسقاط نتنياهو أو خلق جسم مانع هو أمر مفيد للمجتمع العربي، وصوتت نتيجة ذلك لأحزاب صهيونية. خطاب الخدمات والإنجازات والجسم المانع خلق بلبلة في الشارع العربي وأدى إلى تراجع السياسة وأهمية الهوية والانتماء في عملية التصويت".

وفي المجمل، يشير اعتراف نواب الأحزاب العربية بحجم الضربة التي تمثلها هذه النتائج، إلى حالة قلق شديد في كواليس السياسة العربية في الداخل الفلسطيني، خصوصاً أن النتائج لا تقف عند خسارة ثلاثة مقاعد، بل تدلل أيضاً على عودة تغلغل الأحزاب الصهيونية في المجتمع الفلسطيني وحصولها على نسبة عالية من أصوات المشاركين في الانتخابات، ما يبقي عملياً أقل من 40 في المائة من مجمل الفلسطينيين في الداخل الذين يعتبرون التصويت والمشاركة في الانتخابات للأحزاب العربية الوطنية أمراً وارداً، وهو ما يزيد من حدة التحديات التي ستواجهها هذه الأحزاب مستقبلاً في استعادة ثقة وشرعية الناخب لها والتصدي لعودة الأحزاب الصهيونية للمجتمع الفلسطيني في الداخل.