الترهيب المتنقل بين المناطق اللبنانية: "حزب الله" المحرك والمستفيد

الترهيب المتنقل بين المناطق اللبنانية: "حزب الله" المحرك والمستفيد

27 نوفمبر 2019
انتقلت الطبقة السياسية خلال الأيام الماضية لـ"الخطة ب"(حسين بيضون)
+ الخط -
عندما رفع المحتجون في لبنان شعار: "نحن الثورة الشعبية وأنتم الحرب الأهلية"، لم يكن من المتوقع فعلياً أن يكون انعكاساً واضحاً للأيام التالية، ولاستعداد مَنْ في السلطة وراعيها الأبرز، أي "حزب الله"، لاستخدام كل الوسائل غير المشروعة لضرب حراك الشارع وثورته، التي أثبتت تنوعها وسلميّتها، وقدّمت صورة جديدة عن لبنان، وقلبت المعادلات الداخلية.

صدق الشعار عملياً. خلال الأيام الماضية انتقلت الطبقة السياسية إلى "الخطة ب" بعد أيام من شيطنة الشارع، واتهامه بأنه يتلقى أوامره من السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان، وأن الشارع تحركه بعض الأحزاب التي كانت منضوية في تحالف "14 آذار" سابقاً، على الرغم من أن شعار الشارع كان واضحاً "كلن يعني كلن".

في مشهد الأيام الماضية العديد من الرسائل، بعضها للثورة وللناس، وبعضها في سياق لعبة داخلية بين الأحزاب، عادة ما تُستعمل للضغط، خصوصاً بعد أن سقطت التسوية الرئاسية التي أنتجت الحكومة الحالية، وفق شراكة بين أحزاب 14 و8 آذار برعاية "حزب الله". فحاول "حزب الله" ترويض هذه القوى وإعادتها إلى بيت الطاعة، عبر إشكالات متنقلة مع المناطق، على مسافة أيام من استشارات نيابية ملزمة، لا يريدها الحزب انعكاساً مباشراً لقوته، أو بمعنى آخر لا يريد تأليف حكومة من لون واحد تؤدي إلى محاصرته دولياً ومحاصرة البلاد.

في المقلب الآخر، أراد "حزب الله" ومن معه إسكات الشارع الثائر. بدأ من مناطق بيئته الحاضنة، وخصوصاً صور (جنوب لبنان) وبعلبك (شرقاً)، بعد أن حاول التشكيك بوطنية المعتصمين، وصولاً إلى شيطنتهم واعتبار تحركهم طعنة للمقاومة، وخروجاً عن إجماع الطائفة، فوجه مسيرات شعبية صوبهم، حرقت خيم المعتصمين في صور، وحاصرت المعتصمين في بعلبك، مرددة هتافات "شيعة شيعة شيعة" في مواجهة "شيعة".

استخدمت أحزاب السلطة ورقة الطوائف والمناطق، وحتى الحرب الأهلية، التي في الأصل خرج المحتجون في كل لبنان وأسقطوها. استخدمت كلّ ما من شأنه التذكير بالحرب الأهلية، ومحاورها، وخطوطها، من مشهد عين الرمانة في بيروت، حيث وقعت حادثة البوسطة الشهيرة في العام 1975، الى قصقص والكولا، حيث خطوط الصدامات المتكررة بين أنصار "تيار المستقبل" وأنصار "8 آذار" منذ العام 2005، وصولاً إلى برجا، عبر الضخ الإعلامي والحزبي الذي حاول تحميل الثوار مسؤولية مقتل آل شلهوب، على الرغم من بيانات الجيش و"اليازا"، إضافة إلى الفتنة التي عمل على الترويج لها بوصف الضحايا من الجنوب، والمنطقة أغلبية سكانها من السنة.

اللافت في كل مشهد التخويف في أحياء بيروت وضواحيها، أن أحداً لم يعرف بالأصل سببها. لا قطع الطرقات كخطوة اعتراض سلمية استمرّ، على الرغم من اتهام "حزب الله" لأحزاب فريق "14 آذار" بالوقوف خلف بعضها في بعض المناطق، ولا الهتافات التي تضمنت شتائم سُمعت مجدداً، وكان البحث عن أسباب المشاهد الليلية أشبه باللغز، فكان مشهد عين الرمانة، خلفيته تتضمن ما قيل إنه فيديو قديم جداً لأحد أبناء المنطقة تم تناقله عبر تطبيق "واتساب"، وأدى الى ما حصل! ثمة إذاً من أراد تجيشاً غير مبرّر.

حاول لاحقاً "التيار الوطني الحر" تقليد عراضات الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل). بدا التقليد ركيكاً في إخراجه، خصوصاً على طريق بعبدا، حيث نزل بعض المناصرين للاعتداء على المتظاهرين، بحجة رفض شتم رئيس الجمهورية. سئلوا: من شتم رئيس الجمهورية؟ لم يجدوا جواباً، فقالوا إن دعوته إلى المغادرة "فل" هي شتيمة، لكنهم في المقابل، قالوا ما يمكن اعتباره معبّراً: قدم رئيس الجمهورية ما يلزم من وعود، فلماذا التظاهر؟

امتد المشهد إلى الساحة المسيحية، ضد الأحزاب التي تتهمها قوى "8 آذار" بأنها مشاركة في ثورة الشارع، فانتقل إلى بكفيا، حيث معقل حزب "الكتائب"، عبر مسيرة سيّارة لأنصار "التيار الوطني الحر"، قوبلت من أنصار "الكتائب" باشتباك محدود، وإغلاق طريق البلدة.

تعاملت أحزاب السلطة مع كلّ شارع على حدة، وبطريقة مختلفة. إشكالات بين أركان من حكم البلاد على مدار عقود، في لعبة شدّ حبال حكومي، ومحاولات أخرى لترهيب الشارع المنتفض والثائر، في بيروت وصور وبعلبك، لكن اللعبة الأخطر كانت في برجا، حيث محاولة إعادة الفرز السني – الشيعي، وفي طرابلس، حيث لا شارع في مواجهة الشارع، فكانت قصّة توجه مجموعة من الشباب لإنزال علم لـ"التيار الوطني الحر" عن شقة مهجورة. شباب لم يعرف لهم نشاط في ساحة النور حيث الاعتصام، وبدوا مستورَدين لافتعال إشكال راح ضحيته جريح، وكاد أن يفضّ ساحة الاعتصام.

قدّمت السلطة على مدار الأيام الماضية كل ما لديها أمنياً، حرقاً وتخويفاً وترهيباً ونكئاً للجراح الأهلية، وبحثاً عن صدامات، كغول توحش بحثاً عن دماء لعلها تعيد البلاد إلى ما قبل الـ17 من تشرين الأول، وفُتح طريق التكليف وتالياً التأليف، على محورين: محور خلافات أحزاب السلطة على اسم الرئيس المكلف على الرغم من ابتعاد سعد الحريري، وعلى شكل ودور الحكومة؛ ومحور إسكات الناس الخارجين من مناطقهم وطوائفهم، والباحثين عن بناء دولة تحت شعار آخر، باتوا اليوم يردّدونه أكثر من أي يوم مضى: "يسقط حكم الأزعر".