جامع يُدخل غامبيا في نفق مسدود... والوساطة الأفريقية تفشل

جامع يُدخل غامبيا في نفق مسدود... والوساطة الأفريقية تفشل

16 ديسمبر 2016
تطالب المعارضة جامع بالتنحّي (ماركو لونغاري/فرانس برس)
+ الخط -
تراوح الأزمة السياسية مكانها في غامبيا وتهدد بالاستفحال، بعد فشل وفد الوساطة الأفريقية في إقناع الرئيس الغامبي المنتهية ولايته، يحيى جامع، بقبول هزيمته في الانتخابات الرئاسية وإجراء تداول سلمي للسلطة. وكانت رئيسة ليبيريا، إليت جونسون سيرليف، التي تشغل أيضاً منصب رئيسة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، قد زارت يوم الثلاثاء، العاصمة بانجول، برفقة وفد مكون من الرئيس النيجيري محمدو بخاري، والرئيس الغاني جون دراماني ماهاما، ورئيس سيراليون إرنست باي كوروما، والتقوا جامع لمدة ساعة كاملة في محاولة لنزع فتيل الأزمة، ثم التقوا أيضاً الرئيس المنتخب، أداما بارو.

لكن الوفد عاد بخفي حنين من العاصمة الغامبية، لأن جامع رفض بشكل قاطع قبول فكرة التنحّي، وأداما لا يريد أن يفاوض في نتيجة الانتخابات التي جاءت لصالحه ويطالب بانسحاب جامع من السلطة ومغادرة البلاد. وتسود بانجول حالياً أجواء توتر شديد وسط استنفار أمني كثيف وغير مسبوق في الشوارع، منذ أن تراجع جامع، الذي يحكم البلاد بيد من حديد منذ 22 عاماً، عن اعترافه بهزيمته في الانتخابات الرئاسية يوم الجمعة. واعتبر جامع أن السلطات الانتخابية ارتكبت "أخطاء غير مقبولة"، داعياً إلى تنظيم اقتراع جديد. وأحدث هذا التراجع صدمة كبيرة في البلاد وفي المحيط الإقليمي الأفريقي وفي أوساط الأسرة الدولية.

وأعلن حزب "التحالف الوطني لإعادة التوجيه والبناء" الحاكم، يوم الأحد، أنه "سيحتج على نتائج الاقتراع أمام المحكمة العليا، المخوّلة بالنظر في الطعون الانتخابية". في حين طلب بارو من جامع "الإقرار بالهزيمة والقبول بطيبة خاطر بحكم الشعب". وشدّد على أن "جامع لا يملك الصلاحية الدستورية للدعوة إلى استحقاق جديد".

دولياً، اشتدت الضغوط على جامع، الذي دعاه مجلس الأمن الدولي إلى تسليم السلطة للرئيس المنتخب، في بيان نُشر يوم الأحد. وعبّر المجلس عن "إدانته الشديدة" لقرار الرئيس المنتهية ولايته، مطالباً بـ"مواصلة عملية الانتقال سلمياً وبشكل منضبط وضمان أمن الرئيس المنتخب أداما بارو وكل المواطنين الغامبيين".

من جهته، انتقد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، رفض جامع الاعتراف بنتيجة الانتخابات، في وقت طالب فيه الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وممثل الأمم المتحدة في غرب أفريقيا، في بيان مشترك الحكومة الغامبية، بـ"احترام حكم صناديق الاقتراع وضمان أمن الرئيس المنتخب بارو". وناشدوا جميع مكونات المجتمع الامتناع عن أي عمل عنف. كما دانت واشنطن "بشدة" عودة جامع عن الاعتراف بهزيمته الانتخابية، متجاهلاً الإدانات المحلية والدولية لتبديل موقفه.



وكان الجميع، داخلياً وخارجياً، يأمل في أن يكون تنحّي جامع عن السلطة فاتحة لعهد جديد في هذا البلد الصغير، الواقع في الغرب الأفريقي، الذي يشكّل المسلمون نحو 90 في المائة من سكانه، والذي يعيش عزلة إقليمية ودولية خانقة منذ عام 1994، تاريخ الانقلاب العسكري الدموي الذي استولى من خلاله جامع على السلطة.

ومنذ ذلك التاريخ تعيش غامبيا تحت نظام ديكتاتوري إقصائي جعل من انتهاك حقوق الإنسان ومراكمة الثروات دستوره الأساسي. وتحوّل القمع الوحشي لكل أشكال المعارضة واقعاً يومياً. وتقوم قوات الأمن والمليشيات المسلحة التابعة للنظام باعتقال المعارضين بشكل تعسفي، وتخطف بعضهم وتقتل الآخرين من دون التعرّض لأية مساءلة.

وكان نظام جامع قد تعرّض لمحاولة انقلاب فاشلة عام 2006 ما جعله ينتهج منذ ذلك التاريخ سياسة قمعية لخنق أصوات المعارضين بالقوة. كما أنه عدّل القوانين الدستورية واستحوذ على كل صلاحيات الحكم وأطلق يد الأجهزة الأمنية لتقمع كل أشكال التهديد لحكمه حتى أكثرها سلمية.

وكان جامع عازماً على انتزاع ولاية رئاسية خامسة بعد 22 عاماً على رأس السلطة، ومن فرط قوته وغروره وأيضاً رغبته في الحصول على سند شعبي في مواجهة الضغوطات الدولية، سمح بتنظيم انتخابات رئاسية ديمقراطية تحت إشراف لجنة مستقلة، حرصت على درجة نسبية من الشفافية. ولم يكن يتوقع أنه سيقع في فخ نصبه لنفسه، ففاز المعارض بارو في هذه الانتخابات، وسط ذهول الغامبيين أنفسهم، الذين لم يعتادوا على هذا الكرم "الديمقراطي"، من طرف رئيس عبّر أكثر من مرة عن رغبته في البقاء على رأس الدولة إلى الأبد. ونزلت نتيجة الانتخابات الرسمية كالصاعقة، إذ لم يحصل جامع سوى على 36.6 في المائة من الأصوات في مقابل 45.5 في المائة لمنافسه بارو.

وتثير شخصية جامع الاستغراب والاستهجان بسبب تصريحاته المفاجئة وميله إلى إحاطة شخصه بهالة من التقديس. وقال أخيراً في حوار مع التلفزيون الحكومي إن "الله وحده يستطيع تحديد كم من الوقت سأبقى على رأس البلاد". وكان جامع قد فاجأ الجميع وأعلن في 15 ديسمبر/كانون الأول الحالي بالقول إن "قدر غامبيا في يد الله العظيم. وابتداء من اليوم أعلن أن غامبيا دولة إسلامية". وأعطى الأوامر لفرض ارتداء الحجاب على الموظفات العاملات في مؤسسات الدولة.

غامبيا، الصغيرة جغرافياً، تشترك مع السنغال في كامل حدودها، ما عدا الحد الغربي من ساحل المحيط الأطلسي بطول 80 كيلومتراً. وكانت غامبيا مستعمرة بريطانية حتى عام 1965 تاريخ استقلالها عنها. وعاشت البلاد في ظل نظام جمهوري يطبّق التعددية السياسية إلى انقلاب 1994. غامبيا من أفقر بلدان القارة الأفريقية، واقتصادها يعتمد على الصيد البحري وبعض الزراعات الموسمية البسيطة، فضلاً عن الإعانات الدولية ومداخيل السياحة التي تشكل واحداً من أهم مصادر الأموال في البلاد. وبسبب هذه الأزمة السياسية المفتوحة التي تزامنت مع أوج الموسم السياحي، من المتوقع أن يشهد هذا القطاع بدوره أزمة خانقة تزيد من معاناة الغامبيين.