العراق بعد "داعش": كركوك ساحة صراع قومي بعشرين "لغماً"

العراق بعد "داعش": كركوك ساحة صراع قومي بعشرين "لغماً"

22 اغسطس 2016
تعاني كركوك من الإهمال (علي مكرم غريب/الأناضول)
+ الخط -
يتخوّف مراقبون عراقيون من أن تكون نهاية تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق، بداية مشاكل كبيرة في البلاد، من أبرزها المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان وبغداد، وعمليات التطهير الطائفية التي نفذتها مليشيات "الحشد الشعبي"، وملف إعادة الاستقرار لمسيحيي العراق وعودتهم لمدنهم ومنازلهم، فضلاً عن ملفات الحدود الإدارية بين المحافظات، وإعادة الإعمار، وجرائم الثأر والانتقام العشائرية وملفات أخرى، تصل إلى أكثر من 20 ملفاً ــ لغماً. ويُرجح المراقبون أن تكون قضية كركوك واحدة من أبرز الملفات العراقية التي ستطفو على السطح في مرحلة ما بعد تنظيم "داعش". ويدور جدل حالياً حول بقاء كركوك مع بغداد أو التحاقها بالمحافظات الكردية الثلاث التي تشكّل إقليم كردستان، الذي يتمتع بحكم شبه مستقل عن بغداد، أو التحوّل لإقليم مستقل بحد ذاته يُعرف باسم إقليم كركوك، وذلك عقب تقديم المكوّن التركماني المتواجد في المحافظة مع الأكراد والعرب منذ قرون طويلة، مشروعاً دعا فيه إلى إنشاء إقليم كركوك كحل للنزاع القائم، وتشكيله فريقاً للتواصل مع الأمم المتحدة ومنظمات دولية تمهيداً لاستفتاء على هذا الطرح، فضلاً عن لقاءات يعقدها مع كيانات سياسية عراقية مختلفة.

يرفض التركمان والعرب الانضمام إلى كردستان، بينما يدفع الأكراد إلى مشروع ضم المحافظة لكردستان ويطلقون على كركوك اسم "قدس الأكراد"، وهم يفرضون سيطرتهم على المدينة بشكل كامل أمنياً وسياسياً وإدارياً منذ نحو عامين عقب اجتياح "داعش" للموصل ومحاولته احتلال كركوك وانكسار الجيش العراقي أمامه، وهو ما دفع البشمركة للتحرك من أربيل إلى المدينة وتولي مهمة حمايتها. وعقب الاحتلال الأميركي للعراق، أصدر الحاكم المدني الأميركي، بول بريمر، قراراً عُرف باسم المادة 58 في الدستور الانتقالي للعراق عام 2003، نصّ على طرد العائلات العراقية التي انتقلت للسكن في كركوك خلال حقبة الثمانينات والتسعينات من وسط وجنوب وغرب العراق، بمزاعم أن المدينة تعرضت لعملية تعريب من نظام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، وكذلك إعادة الأكراد والتركمان الذين غادروها في تلك الفترة. وتم تعويض عشرات الآلاف من العائلات بعد إجبارها على الانتقال من المدينة وفقاً للقانون ذاته، الذي أقر تعويضات لتلك العائلات عن منازلها وأملاكها في كركوك.

وبعد العام 2006، تحوّلت المادة 58 إلى المادة 140 في الدستور الدائم، وشُكّلت لجنة تابعة لمجلس الوزراء تُعنى بعملية تنفيذ المادة عبر ثلاث مراحل، لإعادة الوافدين إلى مناطقهم وتعويضهم بمبلغ مالي قدره 15 مليون دينار وقطعة أرض في المحافظة التي جاؤوا منها. وتجاوز عدد المشمولين بالقرار من العراقيين العرب نحو 30 ألف شخص قدّموا طلبات لاستلام التعويضات، وأكثر من 55 ألف عائلة كردية وآلاف التركمان. ووفقاً للمادة 140 فإن المحافظة تنظم استفتاء شعبياً بعد إتمام المراحل الثلاث، حول بقائها كمحافظة عراقية مثل البصرة والأنبار، أو الالتحاق بإقليم كردستان.

أما المشروع الجديد المُقدّم من التركمان في كركوك، فيدعو إلى إقليم مستقل كإقليم كردستان تماماً يُعرف باسم إقليم كركوك، ويضم المكوّنات الحالية الثلاثة الرئيسية، العرب والأكراد والتركمان. ووفقاً للاقتراح، يكون لكل مكوّن من المكونات الثلاثة في برلمان الإقليم 32 مقعداً، إضافة إلى 4 مقاعد للمسيحيين، أما حكومة الإقليم فتتشكّل من 13 وزارة، على أن يحصل كل واحد من المكوّنات الثلاثة على 4 وزارات، بينما سيحصل المكوّن المسيحي على وزارة واحدة.


تحريك ملف الإقليم
وقال محافظ كركوك والقيادي في "الاتحاد الوطني" الكردستاني نجم الدين كريم، إن "أهالي كركوك هم من يقررون مصيرهم عبر استفتاء، سواء كان اختيارهم الانضمام إلى إقليم كردستان أو التوجه نحو إقليم في كركوك لمرحلة انتقالية لثلاث سنوات". وأضاف كريم في حديث لصحيفة كردية، أن "المحافظة تختنق بفعل السياسات المركزية في بغداد وإهمالها"، مشيراً إلى أن "الدستور العراقي يخيّر العراقيين بما فيهم أهالي كركوك لاختيار تحديد مستقبل محافظتهم الإداري". وأكد أن "إدارة كركوك مستمرة بتنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات، على الرغم من أن كركوك لم تتسلم، منذ الشهر الأول من العام الحالي، وحتى الآن، سوى 400 مليون دينار لأغراض التنظيف، في حين تسلّمت العام الماضي فقط 32 مليار دينار، وبالتالي فإن هذا الأمر لا يُمكّن إدارة المحافظة ودوائرها من الاستمرار بتقديم الخدمات"، معتبراً أن "هناك تعمداً تجاه كركوك وسنبحث هذا الوضع مع مجلس محافظة كركوك والقيادات السياسية من أجل إنقاذ المحافظة من الحكومة الاتحادية". من جهته يقول النائب العراقي عن التحالف الكردستاني، ريبوار طه، لـ"العربي الجديد"، إن مشروع تحويل محافظة كركوك إلى إقليم مستقل هو في صالح العرب والتركمان، وسيؤدي إلى منع إعادة كركوك إلى إقليم كردستان، ‎مضيفاً أن "العرب والتركمان في المحافظة يقدّمون المشاريع لمنع التحاق كركوك بكردستان من خلال إقليم مستقل يدعون إليه". ويعتبر أن "الأكراد في كركوك قدّموا تضحيات من أجل الدفاع عن كردستانية المدينة، وكان يجدر بصاحب المشروع أن يمارس الضغوط على القيادة الكردية لإعادة كركوك إلى إقليم كردستان بدلاً من طرح موضوع تحويل المحافظة إلى إقليم".


أما التركمان فيقولون إنهم قدّموا مشروع إقليم كركوك إلى الحكومة السابقة في العام 2006 وكذلك إلى رئيس برلمان إقليم كردستان، إذ إن كركوك عانت سابقاً وتعاني من قلة الصلاحيات. ويقول النائب التركماني حسن توران، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التركمان يعملون على جعل كركوك إقليماً مستقلاً"، لافتاً إلى أن "قوى وأحزاباً وشخصيات تركمانية متفقة على أن هذا الأمر بداية تحريك ملف أصابه ركود كبير منذ تقرير الأمم المتحدة عام 2009، وأن الأحزاب الكردية هي التي تهيمن على المشهد الأمني والإداري في محافظة كركوك وزادت هذه الهيمنة بعد انسحاب الجيش العراقي المتمثل بالفرقة 12، بعد دخول داعش إلى مناطق جنوب غرب كركوك".

ويشير إلى أن "مناشدات متكررة رفعناها إلى الحكومة الاتحادية طالبنا فيها بإرسال قطاعات من الجيش العراقي لتحرير المناطق التي لا تزال بيد تنظيم داعش، ثم إيجاد نوع من التوزان الأمني والإداري والسياسي في المحافظة، ولكن الحكومة في بغداد اعتذرت، كما أننا أرسلنا كتاباً رسمياً إلى غرفة العمليات المشتركة ووزارة الدفاع لكنهما اعتذرتا أيضاً". ويضيف: "كمكوّن تركماني نفكر منذ الآن في مرحلة ما بعد داعش في كل المناطق التركمانية خصوصاً في محافظة كركوك، ونحن نعيش في منطقة متداخلة بين العرب والأكراد والكلدان والآشوريين، وأي مشروع يجب أن يكون بالتوافق في هذه المنطقة"، موضحاً أن "فكرة المشروع هو إيجاد هذا التوافق وهو الإصرار على الإدارة المشتركة للإقليم بنسبة 32 في المائة بين المكوّنات بالتساوي، والحفاظ على الحدود الإدارية الحالية للمحافظة، وأن يكون للأمم المتحدة دور في بدء حوار بين الشركاء الرئيسيين في هذه المنطقة". ويشدد على أن "الأحزاب الكردية حاولت منذ العام 2003 وحتى الآن ضم كركوك لإقليم كردستان ولكنها فشلت لأن هذا المشروع لم يحظَ بموافقة التركمان والعرب حول الانضمام"، معتبراً أن "الحل الأمثل هو الجلوس والحوار والاتفاق على إقليم كركوك".

من جهته، يقول المتحدث الرسمي باسم الجبهة التركمانية وعضو مجلس محافظة كركوك علي مهدي، لـ"العربي الجديد"، إن "التركمان هم من يتبنون مشروع إقليم كركوك المستقل وطرحناه بشكل مشترك مع عرب كركوك"، لافتاً إلى أن "هدفنا من هذا المشروع إيجاد حوار جدي حتى لا يقول أحد من المكوّنات الثلاثة أن كركوك تعود لي فقط"، معتبراً أن "قلة الصلاحيات ومعاناة الحكومة المحلية ستنتهي عند إقرار وتنفيذ مشروع إقليم كركوك المستقل".

انقسام سياسي وشعبي
يقول عضو مجلس العشائر العربية في كركوك أحمد الجبوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن" تداعيات الأحداث بعد عام 2014 وسيطرة تنظيم داعش على المناطق العربية، أفقدت عرب المحافظة أي تمثيل حقيقي في العمل السياسي، والموجود في الساحة بات لا يمثّل عرب كركوك بقدر ما يمثّل مصالحه وتوجهاته الحزبية الضيقة"، معلناً أن "العرب مع جعل كركوك إقليماً مستقلاً، وإعطائه حقوقاً وصلاحيات واسعة"، لافتاً إلى أن مكوّنات كركوك هي من ستقرر تحويل المحافظة إلى اقليم مستقل أو بقائها تابعة إلى بغداد أو ضمها إلى كردستان.
وينتقد الجبوري "نواب وساسة وممثلي العرب منذ 2003 ولغاية اليوم، ونسألهم ماذا فعلتم لعرب كركوك سوى المؤتمرات والسفرات خارج البلاد"، معتبراً أنه "مع اقتراب الانتخابات يعود النواب لكي يتم انتخابهم، فيما هم لم يقدّموا أي شيء لعرب المحافظة سوى التهجير للحويجة ونواحيها جنوب غربي كركوك". ويؤكد أن "التعايش السلمي والحوار بين العرب والأكراد والتركمان بشكل جدي يحقق مصالح الجميع بعيداً عن سياسة الغالب والمغلوب".
وكما يسيطر الانقسام على الأحزاب والأطراف السياسية في كركوك حول مستقبل المحافظة، فإن مواطنيها يختلفون أيضاً في ما بينهم حول مشروع الإقليم المستقل، إذ يذهب بعضهم إلى أن كركوك يجب أن تُضم لإقليم كردستان لضمان الحد من نفوذ إيران وتطورها السريع أسوة بمحافظات الإقليم، فيما ينقسم آخرون بين تحوّل المحافظة إلى إقليم مستقل أو بقائها تحت حكم بغداد.

ويقول المواطن نوزارد غريب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مشروع إقليم كركوك غير واقعي، لأن كركوك جزء من إقليم كردستان ونحن مع إعادة كركوك وضمها إلى الإقليم وهذا ما يناضل الأكراد من أجله وحاربوا سنوات ضد الحكومات وقدّموا ضحايا وهُجّروا بسببه".
فيما يعتبر المواطن عبد الرحمن عبد العزيز لـ"العربي الجديد"، أن "أفضل حل لقضية كركوك هو الاتفاق بين مكوّناتها والحوار في اعتماد صيغة موحّدة، إن كان جعلها إقليماً مستقلاً أو ضمها إلى جهة محددة، وهذا الأمر يحتاج إلى تدخّل الأمم المتحدة لحلحلة القضية، ونحن مع جعلها إقليماً مستقلاً بصلاحيات واسعة".
بينما يعلن المواطن جنكيز تيمور في تصريح لـ"العربي الجديد"، "أننا مع جعل كركوك إقليماً مستقلاً والحفاظ على تركمانية المدينة"، مضيفاً: "حين نقول إن كركوك تركمانية هذا لا يعني أن باقي المكوّنات غير موجودة، بل هي مدينة عُرفت عبر التاريخ بأنها تركمانية، ونحن مع جعلها إقليماً مستقلاً لأن الأكراد غيّروا ديمغرافية المدينة بعد العام 2003 عبر زيادة أعدادهم على حساب التركمان والعرب".

من جهته يقول المحلل السياسي علي العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "مكوّنات كركوك هي من تقرر مصير المدينة عبر الاستفتاء على مصيرها بإشراف دولي"، لافتاً إلى أن "مشروع الإقليم المستقل يخضع لاتفاقات سياسية قد تنجح أو لا بسبب وجود خلافات بين جميع الكتل السياسية حول مشروع الإقليم المستقل". ويؤكد أن "هناك تركة ثقيلة يجب أن تُحل وفق مبدأ الحوار وتغليب مصلحة السكان الذين سيقررون مصير مدينتهم، وأي شيء خارج الحوار سيكون معناه حرب جديدة لكن بعنوان قومي هذه المرة وليس ديني".

يُذكر أن محافظة كركوك التي تقع وسط شمال العراق، ذات أهمية كبيرة اقتصادياً. إذ تشتهر بالإنتاج النفطي، وتوجد فيها ستة حقول نفطية أكبرها في مدينة كركوك العاصمة المحلية للمحافظة. ويبلغ المخزون النفطي حوالي 13 مليار برميل، ويُصدر النفط الشمالي عن طريق أنبوب نفط الشمال إلى ميناء جيهان التركي. بلغ عدد سكان المحافظة كركوك 752 ألف نسمة وفقاً لإحصاء جرى في العام 1997، وتُعتبر مدينة كركوك من المناطق المتنازع عليها بحسب المادة 140 من الدستور العراقي. تُقسم محافظة كركوك إلى أربعة أقضية إدارية، هي قضاء كركوك بعدد نفوس يُقدّر بنحو 450 ألف نسمة، وقضاء داقوق بنحو 50 ألف نسمة، وقضاء الدبس بنفوس تُقدّر بنحو 100 ألف، وقضاء قضاء الحويجة بواقع 500 ألف نسمة.

المساهمون