فتور حزبي جزائري حيال الدعوات المغربية: الحوار عبر الرئاسة

فتور حزبي جزائري حيال الدعوات المغربية: الحوار يمر عبر قصر الرئاسة

23 نوفمبر 2018
لا يبدو أن الدعوات لحوار ستلقى تجاوباً (Getty)
+ الخط -
كما موقف المؤسسة الرسمية والحكومية في الجزائر الباهت إزاء دعوة الملك المغربي محمد السادس لحوار مباشر بين البلدين ووضع آلية للحوار السياسي لمعالجة القضايا الخلافية بين البلدين، جاءت مواقف الأحزاب السياسية الجزائرية باهتة إزاء دعوات الحوار ومبادرات أحزاب مغربية لإرسال وفود سياسية إلى الجزائر لمقابلة قيادات أحزاب هناك. وتبدو كل الملفات الخلافية بين البلدين معلّقة على حبل السلطة، فلم تسهم نقاشات سياسية سابقة بين أحزاب مغربية وجزائرية في إطار ثنائي أو إقليمي في زحزحة المواقف الرسمية وحل أزمة الصحراء التي تتراكم تداعياتها منذ عقود، ما يعني أن حلّ الأزمة موجود بين قصر الملك في الرباط وقصر المرادية في العاصمة الجزائرية.

وعقب الدعوة التي وجهها الملك محمد السادس قبل أسبوعين للجزائر لحوار ثنائي، دعا حزب "الاستقلال" المغربي، الذي كان يرتبط بعلاقات تاريخية مع "جبهة التحرير الوطني" في الجزائر، الأحزاب الجزائرية إلى إحياء مشترك لذكرى مؤتمر طنجة المغاربي التاريخي الذي عُقد في إبريل/نيسان 1958، وجمع حزب "الاستقلال" المغربي وحزب "الدستور" التونسي و"جبهة التحرير الوطني" الجزائرية. كما أعلن حزب "العدالة والتنمية"، الذي يقود الحكومة المغربية، رغبته في إرسال وفد إلى الجزائر للتشاور والتواصل مع أحزاب سياسية. من جهته، أعلن حزب "التقدم والاشتراكية" الذي يشارك في الحكومة عن مبادرة للقيام باتصالات مع الأحزاب الجزائرية.

لكن الأحزاب السياسية الجزائرية، بما فيها أحزاب المعارضة، لا تنأى عن الموقف الرسمي وعلاقته بالخلافات القائمة مع المغرب، إذ يسير تقدير الموقف السياسي لمجمل المشاكل العالقة، ومنها قضية النزاع في الصحراء، في الاتجاه نفسه. ويمثّل ذلك واحداً من الملفات القليلة، إضافة إلى القضية الفلسطينية، التي تتوافق فيها مواقف أحزاب الموالاة والمعارضة الجزائرية مع الموقف الرسمي.

أحزاب الموالاة التي تمثّل الحزام السياسي الداعم للحكومة الجزائرية في مجمل خياراتها، تحاشت التعليق على الدعوات الحزبية المغربية. ويعتقد حيدر بن دريهم، القيادي السابق في حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" الذي يقوده رئيس الحكومة أحمد أويحيى، أن موقف الحزبين الرئيسيين للسلطة، "التجمع الديمقراطي" وحزب "جبهة التحرير الوطني"، إزاء دعوة الحوار من الأحزاب المغربية، مرتبط أساساً بتلقي إشارة من السلطة، لكون "هذه الأحزاب ليست لها أي استقلالية ولا خط سياسي واضح، لأنها أحزاب تابعة للسلطة، ولن تقبل إلا إذا أرادت السلطة الجزائرية فتح حوار مع السلطة المغربية".

في الجهة المقابلة، لا تبدو أحزاب المعارضة الجزائرية مستعدة في الوقت الحالي لمناقشة الأحزاب المغربية في هذه القضية. وفي السياق، يؤكد القيادي في "جبهة العدالة والتنمية" المعارضة، لخضر بن خلاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "مبادرة حزب العدالة المغربي وأحزاب أخرى تأتي مباشرة بعد خطاب العاهل المغربي، ما يعني أنها تندرج ضمن نفس الخط بشكل مرتبك وغير متحرر، وهو أمر مرفوض بالنظر للعودة إلى ما حدث خلال أشهر وسنوات قليلة من تجاوز من قِبل السلطات المغربية تجاه الجزائر". ويلمح بن خلاف إلى أن المبادرات السياسية التي تطرحها الأحزاب المغربية، قد لا تضيف شيئاً إلى سلة الحلول للمشاكل الجزائرية-المغربية، باعتبار أنها ترتبط بقنوات رسمية، قائلاً "القنوات المخوّلة بحلحلة هكذا ملفات معروفة بشكل جيد لدى الطرف المغربي، وكان من الأحرى اللجوء إليها بدل إقحام أحزاب جزائرية تندمج أغلبها في المسار العام للدبلوماسية الجزائرية".


من جهتها، فإن حركة "مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية والتي تمثّل خط "الإخوان" في الجزائر، تعتبر المسألة قضية دولة أكبر من الأحزاب السياسية. ويرى القيادي البارز في الحركة نصر الدين حمدادوش، أن "مطالب الملك هي قضية دولة، والموقف منها يتجاوز الأحزاب السياسية"، مضيفاً "ليست لدينا مشكلة في اللقاء مع الأحزاب المغاربية، ولدينا علاقات تعاون وتواصل قديمة مع مختلف الأحزاب في العديد من الدول، (تتبادل الحركة مع العدالة والتنمية المغربي الزيارات والمشاركات في المؤتمرات بشكل دوري) وتبقى هذه الدعوة لها خصوصية، وأخذت أبعاداً متعلقة بخطاب الملك وانفتاحه على الجزائر".

واللافت أن توافق المرجعية (الإخوان) بين حركة "مجتمع السلم" في الجزائر وحزب "العدالة والتنمية" في المغرب، لم يقدّم أي إضافة للدفع بحلحلة القضايا الخلافية، لكن "إخوان" الجزائر يعتبرون أنه بإمكان "العدالة والتنمية" باعتباره الحزب الحاكم، تعديل الكثير من المواقف المغربية لتذليل الصعاب على طريق حل الخلافات بين البلدين. ويؤكد حمدادوش أن الحركة "مع أي حوار صادق وجاد يصب في مصلحة البلدين والشعبين، لكن نحن نعترف بأن حساسية الملفات المطروحة والخلافية تتجاوز قدرة الأحزاب، خصوصاً المعارضة منها، ولذلك فإن الواجب على الأحزاب إقناع حكوماتها بتجاوز الخلافات والسياسات التقليدية التي تضر بنا جميعاً".

أما حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، أبرز أحزاب المعارضة في الجزائر، والذي تعتبر قياداته أن قضية فتح الحدود بين الجزائر والمغرب مسألة أكبر من الأحزاب السياسية في الجزائر ومرتبطة بشكل كبير بالحكومة الجزائرية، ولديه علاقات وحوار متواصلة مع الأحزاب التقدمية المغربية كـ"الأصالة والمعاصرة"، كان قد احتضن في شهر سبتمبر/أيلول الماضي مؤتمراً للأحزاب التقدمية في شمال أفريقيا، شاركت فيه من المغرب أحزاب "الأصالة والمعاصرة" و"الاتحاد الاشتراكي" و"جبهة القوى الديمقراطية". واقترح الحزب الجزائري خلال المؤتمر إنشاء "منتدى المبادرة الديمقراطية لشمال أفريقيا" كإطار للحوار السياسي بين الأحزاب المغاربية.

لكن بعض الأحزاب الفتية في الجزائر لا ترى مانعاً في أن يكون الحوار بين الأحزاب السياسية الجزائرية والمغربية مقدّمة لتفاهمات سياسية. رئيس حزب "التجديد والتنمية" أسير طيبي، يعتبر أن الجزائر والمغرب يتقاسمان المشاكل والطموحات نفسها، لافتاً إلى أن "المغرب خطا خطوة تتطلب التعامل معها برزانة وحكمة ومصلحة مشتركة، ونحن في التجديد والتنمية نتوافق مع الأحزاب المغربية في فتح حوار مسؤول في إطار المصلحة العليا للبلدين بعد تحييد قضية النزاع في الصحراء، والسعي إلى الاتفاق على ثلاثة مواضيع ذات أهمية، وهي الأمن والمخدرات والتنمية".

أما الباحث والكاتب المتخصص في التاريخ السياسي، رابح لونيسي، فيرى أن ما تطرحه الأحزاب المغربية على نظيرتها الجزائرية يدخل في نفس إطار مبادرة الملك محمد السادس التي وردت في خطابه الأخير، مشيراً في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن "الأحزاب المغربية كلها وبكل أطيافها تؤيد النظام الملكي في سياساته الخارجية، ومنها قضية الصحراء، وتعتبر ذلك استعادة للحدود التاريخية للمغرب التي طرحها علال الفاسي في 1956، وهذه الأحزاب لا تنفذ إلا سياسة النظام الملكي". ويضيف: "إذا كانت دعوة الأحزاب المغربية تدخل في إطار إحياء مشروع اتحاد مغاربي، فمن المهم الترحيب بها كونه حلما مشتركا، لكن إذا كانت تتعلق بمحاولة دفع الجزائر إلى تقديم تنازلات في قضية الصحراء، فهو في الحقيقة يستهدف تحقيق مشروع توسعي مغربي من شأنه تهديد الأمن والسلم في منطقة شمال أفريقيا"، متابعاً: "أعتقد أن كل حزب في الجزائر سيتصرف حسب قدرات قيادته على القراءة الصحيحة لمصالح الجزائر الاستراتيجية التي يحددها التاريخ والجغرافيا، ويتعين على الأحزاب الجزائرية أن تعي الكثير من الأمور المتعلقة بالأمن الاستراتيجي للجزائر".