ثبات روسي في دعم الأسد: أوان التغيير لم يحن

ثبات روسي في دعم الأسد: أوان التغيير لم يحن

21 مايو 2020
روسيا لن تجد "أفضل" من الأسد في سورية(فرانس برس)
+ الخط -

ترافق تفاقم الخلاف بين عائلة الأسد وآل مخلوف وظهور مقالات في مواقع إخبارية روسية غير بعيدة عن سياسة موسكو تنتقد الفساد في النظام السوري، مع تكاثر الأحاديث عن توجه أو رغبة روسية في إبعاد رئيس النظام بشار الأسد. وبدا في الآونة الأخيرة أن عدداً من المعارضين السوريين كانوا من بين أبرز الذين ذهبوا بعيداً في البناء على ما ينشر من مقالات في بعض المواقع الروسية، متوهمين أن الأسد قد انتهى سياسياً. ووجدت هذه القراءات من يسخر منها في موسكو، لأن الجو السياسي مناقض لما يشيعه معارضو النظام، خصوصاً أن لروسيا حساباتها الخاصة في الملف السوري، بالتالي فإن استعجال المعارضة في البناء على خلافات النظام وبعض المقالات لاستخلاص أن نهاية الأسد في الحكم قد اقتربت، عكس ليس فقط حالة الضعف التي تعاني منها بل أيضاً عدم قدرتها على قراءة السياسة بشكل صحيح.

في السياق، شدّدت مصادر روسية على ثبات موقف الكرملين بشأن القضية السورية عبر التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية إضافة إلى "الحكومة الشرعية" في دمشق. وفي حين سخر مصدر مقرّب من وزارة الخارجية الروسية من تحديد مصادر في المعارضة السورية تواريخ لموعد الإطاحة بالأسد وإبعاد إيران من سورية بناء على تقارير صحافية "ملفقة" وأخرى لا تعبر عن الموقف الرسمي الروسي، نفى مصدر آخر وجود أي علاقة لروسيا بالأزمة المتصاعدة بين النظام ورجل الأعمال السوري رامي مخلوف، وأشار إلى أن "مشروع روسيا في الشرق الأوسط وتدخلها في سورية أكبر بكثير من مجرد ربح بضعة مليارات من الدولارات، فهذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية للأمن القومي الروسي ودور موسكو العالمي".

وفي مقابل من يقلّل من أهمية تمسك موسكو بشخص الأسد تحديداً، هناك رأي في موسكو يفيد بأن روسيا لن تجد أفضل من رئيس النظام السوري في الظروف الحالية ليكون أداة طيعة لتحكّمها بسورية ولتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط، نظراً لضعف سلطة الأسد حالياً وإدراكه أنه يدين في بقائه في الحكم للتدخل الخارجي، الروسي والإيراني خصوصاً. وتعترف أوساط روسية مقرّبة من السلطة في موسكو، بأن تركيبة النظام السوري وطريقة عمله تجعلان من الصعب جداً إيجاد بديل عن رأسه (بشار الأسد) تكون له قدرة معقولة على إمساك الحكم والمؤسسات الرسمية الرئيسية.

وأوضح خبير روسي مقرّب من دوائر صنع القرار في موسكو لكنه طلب عدم ذكر اسمه، أن "الموقف الروسي ثابت بشأن ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية عبر التنسيق مع الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع"، مشدّداً في اتصال مع "العربي الجديد"، على أن "اهتمام روسيا لا ينصبّ أساساً على مصير الرئيس بشار الأسد بل على إنقاذ بنيان مؤسسات الدولة السورية". وأشار الخبير إلى أن "بعض التقارير الإعلامية تم فهمها بشكل خاطئ، بعد المبالغة في التركيز على جزء منها وبناء تحليلات تحدد مواعيد وهمية للإطاحة بالأسد وإخراج إيران من سورية". ولفت إلى أن "جزءاً من الحملات على فساد النظام بما فيه الأسد محق وذو مصداقية، لكن بعضها لا يمكن التعويل عليه، خصوصاً أنها بدأت من مواقع مدعومة من أطراف متورطة اقتصادياً وعسكرياً في الصراع السوري، ولا تعبّر بالضرورة عن موقف الخارجية أو الكرملين (في إشارة إلى التقارير التي نشرتها وكالة الأنباء الفدرالية الروسية التابعة لطباخ الكرملين وممول مجموعات فاغنر للمرتزقة يفغيني بريغوجين، وتناقلتها الوكالات الأخرى". وخلص الخبير إلى القول إن "موسكو مصرّة على أن أي تغيير في السلطة في دمشق، يجب أن يتم بإرادة السوريين وضمن انتخابات وليس عبر عمليات عسكرية"، لافتاً إلى أن "الاستحقاق المقبل هو رئاسيات عام 2021، ويمكن للجميع التنافس، بمن فيهم الأسد، لتحديد اسم الرئيس المقبل لسورية".

في السياق، برز ما كتبه رئيس معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، فيتالي ناعومكين، نافياً وجود تغيير في سياسة روسيا بشأن سورية. ناعومكين، الذي ساهم بشكل كبير في الإعداد لمؤتمر سوتشي في يناير/ كانون الثاني 2018، أكد في مقال أنه "لا يمكن الوثوق بأخبار وسائل الإعلام التي تفيد بأن روسيا متورطة في نوع من النزاعات بين مجموعات داخل الطبقة السياسية السورية أو أنها تضغط على شخص ما فيها، من أجل الحصول على منافع اقتصادية"، إلا أنه أكد أن محاربة الفساد والفقر من بين الأولويات الروسية في سورية.



وأشار ناعومكين، الذي يساعد الكرملين والخارجية عبر دعوة الشخصيات السياسية المعارضة من فلسطين وسورية وغيرها إلى موسكو وينظم جولات حوارية ومنتديات للعلاقات مع الشرق الأوسط (من أدوات روسيا الناعمة للتعامل مع المنطقة)، إلى أن موسكو "تواظب في مسيرتها على مساعدة دمشق في محاربتها للإرهاب، ودعم مبادئ سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، والتسوية السياسية للأزمة، وإعادة التأكيد على الالتزام بالأهداف المحددة في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254 وبذل الجهود لاستئناف عمل اللجنة الدستورية في جنيف". لكن اللافت كان تجنبه الإشارة بشكل واضح إلى دعم الأسد، وهو جوهر التحليلات الحالية، واكتفى بالتأكيد على أن أولويات روسيا في سورية لم تتغير على عكس الولايات المتحدة.

ومع استشهاد الخبير البارز بآراء مشاركين في "منتدى سورية" الذي عقد أخيراً برعاية معهد الاستشراق، فقد أوضح أنه "ليست لدى روسيا حتى الآن استراتيجية موحدة لإعادة بناء سورية بفرص مالية واقتصادية واستثمارية محدودة، وقد باءت بالفشل حتى الآن محاولات اجتذاب شركاء أوروبيين للتعاون في هذا المجال"، لكنه أشار إلى بروز تطورات إيجابية لمستها موسكو في مقاربة الأوروبيين للحل في سورية.

وفي اتصال مع "العربي الجديد"، أقرّ مصدر مطلع في موسكو بأن "روسيا لا تملك استراتيجية واضحة بشأن عملية إعادة إعمار سورية وكيفية تحقيق الانتقال السياسي"، وكشف أن "صنّاع القرار في روسيا وصلوا إلى نتيجة مفادها أن عمل اللجنة الدستورية تم إفشاله على يد المتشددين من الطرفين (النظام والمعارضة)، لذلك فإن موسكو تبحث في العودة إلى تطبيق كامل بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2254، بما في ذلك الانتقال السياسي عبر تشكيل هيئة انتقالية حاكمة ذات صلاحيات تنفيذية كاملة وتفعيل موضوع الانتخابات". لكن المصدر أوضح أن "التفسير الروسي للهيئة الانتقالية يختلف كثيراً عن تفسير المعارضة والأطراف الداعمة لها، وينطلق من أن الجسم الانتقالي يجب أن يضم ممثلين عن جميع السوريين، بمن فيهم الأسد كرئيس لسورية، بينما لا تزال المعارضة ترفض أي دور للأسد في الفترة الانتقالية".

ودعا المصدر المعارضة السورية إلى "عدم المبالغة في الحكم على مقالات منشورة وبناء أوهام عليها بشأن حصول تغيير كبير في الموقف الروسي، خصوصاً أن بعضها تمّت المبالغة فيه وإخراج بعض الفقرات من سياقها العام". وعلى الرغم من إقرار مصدر ثان مقرّب من الخارجية الروسية بأن "روسيا أخفقت حتى الآن في صياغة استراتيجية واضحة لإعادة إعمار سورية والانتقال السياسي بالتوافق مع الأطراف الفاعلة"، إلا أنه شدّد على أن "الدبلوماسيين الروس يواصلون العمل مع جميع الأطراف بغية الوصول لهذا الهدف". ولفت إلى أن "التوصل إلى اتفاق يضمن المرحلة الانتقالية يتضمن سيناريوهات عدة، منها: الحفاظ على مناطق النفوذ الحالية لمدة زمنية معينة يتم التوافق عليها، مع وقف إطلاق النار وإتاحة المجال للتركيز على إصلاح الأوضاع المعيشية المتردية للسوريين في هذه الأماكن، فيما يكمن الحل الأمثل بانسحاب جميع الأطراف الخارجية"، مستدركاً أنه "خيار لم ينضج بعد".



المساهمون