مارين لوبان "الجديدة" بلا تغيير... إلا بتفادي معاداة السامية

مارين لوبان "الجديدة" بلا تغيير... إلا بتفادي معاداة السامية

07 فبراير 2017
مارين لوبان خلال إلقاء خطابها في ليون (فرانسوا بوليتو/Getty)
+ الخط -

استعرضت زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، مارين لوبان، قوتها في مدينة ليون، أول من أمس، تقريباً في الوقت ذاته الذي كان فيه مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون يستعرض برنامجه مع جمهوره المتواجد في ليون وفي الضاحية الباريسية أوبيرفيليي، عبر تقنية الهولوغرام (التصوير التجسيمي). وكانت فرصة، بالنسبة إلى الفرنسيين ولأنصار لوبان، لمعرفة حقيقة ما راج قبل أسابيع عن تغيير في خط حزب "الجبهة الوطنية"، بعد ظهور بعض الاختلافات، التي روجت لها بعض المنابر الإعلامية، بين قيادييها، خصوصاً ماريون ماريشال لوبان وفلوريان فيليبو.

وجاء خطاب الحملة الانتخابية الأول لمارين لوبان في ظروف دولية وداخلية ملائمة لهذا الحزب اليميني المتطرف، فالعلاقات جيدة بينه وبين روسيا التي أقرضته الأموال اللازمة لبدء الحملة وتمويلها، كما أن انتصار دونالد ترامب في الولايات المتحدة، منحها بعض الأجنحة، بسبب برنامجه الوقائي والمُعارض للأجانب والمهاجرين، خصوصاً المسلمين. ولأنها أيدت ترامب وابتهجت علناً بفوزه، وسافرت إلى أميركا لتهنئة بعض رجالاته، ولأن الأخبار السارة لا تأتي فرادى، فقد نزلت القضية المعروفة بـ"فضيحة بينيلوبي"، التي لا تزال تفاعلاتها تحدث أضراراً بالغة بالمرشح فرانسوا فيون وحزبه، برداً وسلاما على حزبها. وليس من الغريب أن يلتحق كثر من أنصار حزب "الجمهوريون"، بحزب "الجبهة الوطنية"، مثلما لن يتردد آخرون في اللحاق بإيمانويل ماكرون.

واستبقت لوبان خطابها الأول في هذه الحملة، بتقديم برنامجها الذي يتضمن 144 تعهداً أو التزاماً أمام الناخب الفرنسي، من أجل "وضع فرنسا على السكة". لكن أين الجديد؟ وأين هو التغيير الذي تحدثت عنه وسائل الإعلام، أو أين هي مارين لوبان الجديدة، كما تحاول أن تسوّق نفسها؟ كل من استمع لخطاب لوبان، أول من أمس، لا بدّ أنه اكتشف أن العمود الفقري لبرنامج الحزب، الذي أسسه جان ماري لوبان، لم يتغير ولم يَهرم، كما يقال. فالانطواء على الذات حاضر والرهاب من الأجنبي أيضاً. ماذا قالت لوبان غير ما قالته في السابق؟ لقد ركزت على السيادة (وهو أمر ثابت في كل برامجها)، وإعادة الحرية إلى فرنسا، على افتراض أن فرنسا غير حرة. وتتجلى السيادة، بنظرها، في "العملة والقضاء والاقتصاد والدفاع"، أي العودة إلى العملة الفرنسية وسيادة القوانين الفرنسية على ما سواها، وإحداث تغييرات عبر المفاوضات في الاتحاد الأوروبي، أي أوروبا أخرى مختلفة، وفي حال فشل المفاوضات يتمّ الدعوة إلى استفتاء شعبي للخروج من الاتحاد، وأخيراً السيادة العسكرية، وإن اقتضى الأمر الخروج من حلف شمال الأطلسي، وهو ما يتطلب تقوية الجيش وبناء حاملة طائرات ثانية. ثم لم تنس أن تطالب بعودة الخدمة العسكرية الإلزامية، خلال ثلاثة أشهر على الأقل، للرجال والنساء.

ثم جاء الحديث عن الهجرة، موضوعها الأثير، أيضاً. وهنا كررت ما قالته سابقاً من استقبال رقم لا يتجاوز 10 آلاف مهاجر شرعي سنوياً، وهو ما يعني في نظرها الطرد التلقائي للمهاجرين السريين، وأيضا للمهاجرين الضالعين في جنح. كما طالبت بقوننة ازدواجية الجنسية، إلا للأوروبيين، وتضمين الأولوية للفرنسيين قبل سواهم في الدستور الفرنسي. وهذه الأولوية يجب أن تمتد في رأي لوبان، إلى العمل، بحيث أن كل من يُشغّل الأجانب عليه دفع ضرائب إضافية. أما في ما يخص حق اللجوء، فإنها ترى، في تناقض مفضوح مع القوانين الفرنسية والأوروبية، أنه لا يجب أن يقدَّم طلب اللجوء إلا في البلدان الأصلية أو البلدان الحدودية، وهو ما يعني أن المتواجدين في فرنسا لا يحق لهم ذلك، في نظرها. ثم تناولت مرشحة "الجبهة الوطنية" قضايا الأمن، وهي من المواضيع المفضلة لديها أيضاً. ولأن الأجانب هم الطرف الأضعف في برنامج لوبان، فهي تقترح طرد كل الأجانب الذين لهم روابط مع "الإسلامويين"، وأيضاً تجريد حاملي جنسية أخرى من الجنسية الفرنسية. كل هذا وأكثر باسم محاربة الإرهاب. كما تدعو لإغلاق كلّ "المساجد المتطرفة" وحظر كل تمويل أجنبي أو عمومي. وبالطبع فإن المسألة الأمنية، في نظر لوبان، مرتبطة بالعلمانية، حسب قراءتها الحزبية لها، وهو ما يدفعها إلى اقتراح يتجاوز قانون 1905، وهو "بسط العلمانية على مجموع الفضاء العمومي"، أي ما يعني حظر العلامات أو الملابس التي تكشف عن الانتماء الديني، في الشارع.

ثم تتحدث عن عدوها الثاني، وهو العولمة الاقتصادية والمالية. وهنا تستعيد أيضاً مواقفها الاقتصادية المعروفة، وتتمثل في نفورها الشديد من الليبرالية الاقتصادية. وتكشف بالتالي عن روح "الأفضلية، أو الأولوية الوطنية"، أي عن ميولها لفرض إجراءات حمائية صارمة. وهنا تشدد على "حظر استيراد وبيع المنتوجات الآتية من الخارج، التي لا تحترم المعايير المفروضة من قبل المُنتِجين الفرنسيين". وإذا استثنينا التغيير الطفيف في الموقف من إعادة عقوبة الإعدام، التي كان يطالب بها الحزب منذ عقود، والتي تقترح مارين لوبان الآن إجراء استفتاء شعبي حولها، فإنها تريد أن يكون حكم المؤبد فعلياً، وهو ما لا يُطبَّق في كثير من الأحكام. وإذا استثنينا استشارة الشعب، أيضاً، في ما يخص الإجهاض، وتغيّر موقفها الطفيف من "التجمع العائلي"، بحيث لم تعُدْ تطالب بحظره، بل "وضع حدّ لطابعه التلقائي"، فإن مارين لوبان في طبعتها الجديدة، لم تتغير عن سابقتها، رغم مرور الوقت وتطور الأحداث.

التغير الرئيس في برنامج "الجبهة الوطنية"، في طبعة 2017، يجب البحث عنه في مكان آخر. فإذا كان برنامج لوبان يستهدف، صراحة، المسلمين والمهاجرين واللاجئين، وهو ما يعتبر عنصرية ظاهرة، فإنه، هذه المرة، خلا من أي شبهة معاداة السامية، وهو ما تؤكده أستاذة الأدب في جامعة ستانفورد، سيسيل ألدوي، بقولها لمجلة "نوفل أوبسرفاتور"، "لم أعثر فيه على أي أثر لمعاداة السامية. يجب أن نكون واضحين في هذه القضية. لم أعثر على جملة واحدة ملتبسة من قبل مارين لوبان، بل كانت صريحة جداً في إدانة المحرقة. يجب أن نعترف بوجود تغير أيديولوجي هام في عقيدة الجبهة الوطنية". ولعل هذا التغيّر، الذي كان ثمرة لقاءات عديدة ومضنية بين قياديي الحزب الفرنسي اليميني المتطرف وبين سياسيين من حزب الليكود الإسرائيلي، تمخض عنها لقاء، بمباركة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بين الوزير يعقوب ليتزمان والأمين العام لحزب الجبهة الوطنية نيكولا باي، في 26 يناير/كانون الثاني الماضي، هو الذي جعل قنوات إعلامية فرنسية هامة تنتظر خطاب مارين لوبان، في مدينة ليون، بفارغ الصبر.

المساهمون