تنصّل سعودي من الوعود للعراق: تداعيات للصراع الأميركي-الإيراني؟

تنصّل سعودي من الوعود للعراق: تداعيات للصراع الأميركي-الإيراني؟

28 يناير 2020
افتتحت السعودية قنصلية جديدة ببغداد في إبريل(أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
كشف مسؤول عراقي رفيع في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لـ"العربي الجديد"، عن وجود مؤشرات على أن الرياض تنصّلت من مشاريع وهبات كانت قد وعدت العراق بها عام 2018، في ذروة انفتاحها عليه، مرجحاً أن يكون الموضوع له علاقة بالتصعيد الأميركي - الإيراني الأخير. يأتي ذلك مع استمرار عمليات تأجيل فتح المنفذ البري الحدودي بين العراق والسعودية في محافظة الأنبار غربي البلاد والرابط بين بلدة النخيب العراقية وعرعر السعودية، إذ كان مقرراً أن يُفتتح مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لكن تم تأجيله مرات عدة من دون إيضاح سبب ذلك.

وفي مارس/آذار 2018، أعلن رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي أن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، قرر "إهداء" العراق ملعباً دولياً لكرة القدم، وذلك بعد أيام على خوض منتخبي البلدين مباراة ودية في مدينة البصرة العراقية، سبقتها وعود سعودية خلال مؤتمر المانحين الذي أقيم في الكويت في الرابع عشر من فبراير/شباط 2018 يتضمّن منح العراق مليار دولار لمشاريع استثمارية في العراق و500 مليون دولار إضافية لدعم الصادرات العراقية، في إشارة إلى قطاعي الصناعة والزراعة.
وتوسعت العروض والهبات على العراق من الجانب السعودي؛ فقد تعهّدت المملكة أيضاً باستثمار "كبير" على المستوى الزراعي في بلاد الرافدين، كما قدّمت سلسلة وعود لمساعدة المدن المحررة والتي دُمرت بسبب العمليات العسكرية. واشتركت الإمارات مع المملكة بهذا الخصوص، إذ تعهّدت أبوظبي بإعادة بناء جامع النوري ومنارته الحدباء في الموصل. وعلى الرغم من حسم المسؤولين السعوديين لكل هذه المشاريع وغيرها، وبلوغ بعضها مرحلة التوقيع النهائي، مثل ما جرى بشأن بناء ملعب في بغداد بقيمة تصل إلى مليار دولار، لكن لم يتحقق شيء على أرض الواقع.

وكانت السعودية قد أرسلت منتصف العام 2019، وفداً رفيع المستوى إلى العراق يرأسه وزير التجارة والاستثمار السعودي ماجد القصبي، ويضم سبعة وزراء بالإضافة إلى العشرات من ممثلي الوزارات والفعاليات الحكومية والشركات الخاصة ضمن اجتماعات الدورة الثانية لمجلس التنسيق العراقي - السعودي، وتمت مناقشة الخطوات الأولى للهبات السعودية للعراق، واستعراض الكثير من التفاصيل، فيما قال وزير الشباب والرياضة العراقي أحمد العبيدي، آنذاك، إن عدة جلسات تم تنسيقها، و"ستقام أكثر من جلسة لوضع الخطوات الزمنية حتى يتم الإعلان عن التفاصيل".

لكن مسؤولاً عراقياً رفيعاً في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، قال لـ"العربي الجديد" إن بلاده تعتقد أن المملكة تنصلت من وعود قدّمتها وربما تكون قد تراجعت عنها أو قررت تجميدها إلى حين استقرار الأوضاع في العراق، مضيفاً أن "العراق لم يتلقَ أي اتصالٍ من الجانب السعودي منذ الاجتماع الأخير، ولم تُنفذ المملكة أياً من وعودها". ولفت إلى أن "السعودية تعذّرت أكثر من مرة عن البدء بمشروع الملعب والمدينة الرياضية، بحجة عدم اختيار المكان المناسب لها في بغداد، كما تأثرت بالهجوم السياسي من قبل مسؤولين مقربين من إيران، لا سيما أنهم هددوا الرياض وقالوا إن البلاد ترفض هدايا من الخارج، ولكن مع مرور الوقت تبيَّن أن السعودية تنصّلت من تعهداتها السابقة، وزاد الجفاء خلال الأشهر الستة الماضية".


مسؤول آخر في حكومة حيدر العبادي، التي تمت عبرها أغلبية تلك الاتفاقيات والوعود السعودية، قال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "السعودية عملت ضمن خطة أميركية لمنافسة إيران داخل العراق، إلا أن المسؤولين العراقيين وتحديداً تحالف البناء الذي يمثل التوجّه الإيراني داخل البلاد، كانوا من أبرز المتصدين للتوجّهات السعودية - الأميركية"، مشيراً أيضاً إلى أن "زيادة الاضطراب بين طهران وواشنطن عمّقت تراجع العلاقة بين الرياض وبغداد، خصوصاً أن الأخيرة لم تكن محايدة في علاقتها مع الولايات المتحدة وإيران، وكانت ميّالة إلى الجانب الإيراني، وتحديداً في ما يتعلق بتمادي المليشيات التي تتبع الحشد الشعبي، وأزمة انفلات السلاح".

وواجه التوجّه والانفتاح السعوديان على بغداد، رفضاً من قادة فصائل مسلحة وقوى سياسية عراقية معروفة بقربها من طهران، لا سيما ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي و"الفتح" بزعامة هادي العامري، عدا عن فصائل مثل "كتائب حزب الله" و"العصائب" و"الخراساني" و"النجباء" وغيرها، وهي أجنحة مسلحة، بعضها هدد الحكومة العراقية باتهامها بالعمالة في حال وافقت على النفوذ الخليجي في البلاد. وقالت كتلة "صادقون" التي يتزعمها قيس الخزعلي، في تعليق على "هدية" الملعب، إن "هذا الملعب جاء من يد متورطة بالإرهاب، وملطخة بدماء الأبرياء، وآخرهم جمال خاشقجي". لكن سياسيين عراقيين رحبوا بفكرة التعاون بين الرياض وبغداد، ومنهم رئيس حزب "الحل" جمال الكربولي، الذي أشار في بيان سابق، إلى أن "جهات متعددة ترفض إنشاء المدينة الرياضية في بغداد، وتصر على حرمان الشباب من المنشآت الرياضية الحديثة، ومن هنا نرحب بإنشاء هذه المدينة في الأنبار".

عضو البرلمان العراقي السابق، محمد الصيهود، كشف أسباب عدم استكمال السعودية لمشاريعها في العراق، مثل الملعب وغيره، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن "السعودية أرادت تسمية المدينة الرياضية على اسم الملك السعودي، وهذا ما لم يقبله العراقيون وقادة الأحزاب، كما أن المملكة أرادت أن تتم تسمية كل مشاريعها على أسماء ملوك ورموز سعوديين، وهنا كان أول موضع خلاف مع المملكة"، مشيراً إلى أن "السعودية لم تلقَ الترحيب المأمول من العراق وقادة الأحزاب والفصائل، فقد كان العراق خارجاً للتو من معركة طاحنة مع تنظيم داعش، وكانت السعودية أبرز المتهمين بتمويل هذا الإرهاب".

من جهته، قال عضو تحالف "الفتح" عامر الفايز، لـ"العربي الجديد"، إن "العراق ليس بحاجة إلى هبات من الدولة الخليجية، لأننا قادرون على بناء بلدنا. ما نريده هو عدم تدخّلهم في شؤوننا الخاصة، وألا يستمروا بدعم الأزمات السياسية والأمنية في البلاد". وأضاف أن "الشعب العراقي يحترم المملكة العربية السعودية، وليست لدينا أي مشاكل اجتماعية معها، لكن المشاكل مع النظام الذي يحكمها والذي أضرّ العراق كثيراً على مدى التاريخ". وأكمل أن "السعودية تنصّلت من وعودها، ربما لأن مشروعها فشل في العراق، من خلال جعل البلاد تابعة للمملكة".

أما الباحث في الشأن السياسي العراقي عبدالله الركابي، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "إيران دفعت رموز السياسة في العراق إلى طرد المشاريع السعودية والإماراتية، وبالتالي إيران لم تخسر شيئاً، ولا السعودية خسرت شيئاً، إنما العراق وحده الذي يخسر بسبب الخلافات والتوترات الإقليمية"، لافتاً إلى أن "العراق حالياً لا يملك أي حليف لا في المنطقة ولا في العالم، فإيران تتعامل معه كتابع لها، كما أن واشنطن غاضبة منه بسبب العلاقة مع طهران، أما الخليج العربي فيريد للعراق أن يبقى عربياً، إلا أن الأحزاب تمنع تحقّق ذلك".

المساهمون