"عقبة بن نافع"... حكاية أبرز الجماعات التونسية المسلحة

"عقبة بن نافع"... حكاية أبرز الجماعات التونسية المسلحة

17 يوليو 2015
الكتيبة تبنت هجوم باردو (إيمانويل دوناند/فرانس برس)
+ الخط -
مع إعلان وزير الداخلية التونسي، محمد ناجم الغرسلي، مقتل الإرهابيين الخمسة في جبل عرباطة التابع لولاية قفصة، والذين وصفهم بـ"الحجم الثقيل"، وفي المقدّمة مراد الغرسلي، المعروف بالرجل الثاني في التنظيم بعد مقتل أبو صخر، تكون الأجهزة الأمنية قد قضت على 98 في المائة من "كتيبة عقبة بن نافع"، التي ارتكبت عديد العمليات الخطيرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.


اقرأ أيضاً الداخلية التونسية: عملية "عرباطة" تستكمل القضاء على "الإرهاب"

وبقطع النظر عن الحجم الحقيقي للظاهرة الإرهابية، وفي ظل الحديث المتواصل عن وجود خلايا نائمة، فإنه من المؤكد أن هذه الكتيبة قد شكلت ولا تزال إحدى المجموعات المسلحة التي أسسها تونسيون، ولعبت دوراً حاسماً في تجذير الظاهرة الإرهابية في البلاد.

الولادة سابقة لـ"أنصار الشريعة"

 قبل أن يُوْجد تنظيم باسم "أنصار الشريعة"، كانت هناك مجموعة مسلحة تطلق على نفسها اسم "كتيبة عقبة بن نافع ". وسمع التونسيون لأول مرة بهذه الكتيبة عندما أصدرت بياناً، خلال عام 2005، دافعت فيه عن المحجبات اللاتي تعرضن، يومها، للمضايقة من الأجهزة الأمنية في عهد الرئيس المخلوع، زيد العابدين بن علي، ووجهت تهديدات صريحة ضد السلطة. لكن الظهور الرئيسي والحاسم للكتيبة، كان عند محاصرتها، في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول 2005 والأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 2006، من قوات الأمن والجيش في منطقة تمتد بين جبل حمام الأنف ومدينة سليمان، التي تبعد عن العاصمة حوالي 30 كيلومتراً. في تلك المواجهات، قتل 16 مسلحاً بمن في ذلك قائد الكتيبة ومؤسسها. أما البقية فقد تم اعتقالهم ومحاكمتهم، وصدرت في حقهم أحكام عالية. كما مثلت تلك الحادثة منطلقاً لشن حملة اعتقالات واسعة استمرت إلى عام 2010 وتجاوزت الألف موقوف.

بعد الثورة مباشرة، تم إطلاق سراح جميع المعتقلين لأسباب سياسية فشمل العفو العام العناصر التابعة لـ"كتيبة عقبة بن نافع". وهؤلاء التفوا حول سيف الله بلحسين العائد من أفغانستان وباكستان، حاملاً معه فكرة تأسيس جماعة جديدة أطلق عليها "أنصار الشريعة"، والتي تعتبر صيغة أخرى لإعادة انتشار تنظيم "القاعدة" في كل من تونس وليبيا واليمن. وعندما وضعت الهيكلة الداخلية لهذا التيار، وهي هيكلة تعتمد على تعدد الأقسام والاختصاصات، بعضها علني وبعضها الآخر يتسم بالسرية المطلقة، جرى اختيار الإبقاء على "كتيبة عقبة بن نافع" لتشكل النواة الصلبة لجماعة "أنصار الشريعة"، والتي استعادت حيويتها تدريجياً عبر استقطاب منتمين جدد يتمتعون بالولاء والانضباط والجاهزية الجسدية والنفسية التي أكسبتهم ثقة القيادة، وحولتهم إلى عناصر ميدانية قادرة على توجيه ضربات موجعة سواء للأمنيين أو العسكريين الذين يصفونهم بـ"الطاغوت ".

انبعاث من جديد

عاد الحديث عن هذه الكتيبة على إثر اشتباكات، تخللها تبادل إطلاق نار، بين القوات الأمنية وعناصر إرهابية، أدت إلى استشهاد وكيل الحرس الوطني، أنيس الجلاصي، والتي ظن وزير الداخلية حينها، علي العريض، والطاقم الأمني في الوزارة أن تلك الحادثة ستكون "حادثة معزولة ". لكنها كشفت فيما بعد تغلغل هذه الكتيبة في منطقة جبل الشعانبي الوعرة والممتدة نحو سلسلة من الجبال الواقعة في الجنوب والجنوب الشرقي، لتُطلق منها حرب استنزاف كلفت الأمنيين والعسكريين عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى.

اغتيال بلعيد والبراهمي

وعندما حصلت القطيعة بين السلطة و"أنصار الشريعة"، على إثر اغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد، بينت حيثيات التحقيق الأمني وقوف "كتيبة عقبة بن نافع" وراء هذا الاغتيال. وفي ضوء ذلك بدأت تصفية عدد من العناصر المسلحة المرتبطة بها. وكانت أول مواجهة فعلية معها في حادثة رواد، وهي ضاحية من ضواحي العاصمة التونسية. إذ بعد التفطن لوجود مجموعة مختبئة داخل أحد المنازل، تمت محاصرتها، وعندما رفض هؤلاء الاستسلام غادروا مخبأهم في عملية انتحارية جماعية، فردت قوات الأمن بقوة وقضت عليهم جميعاً وكان عددهم ستة، وتبين أن من بين المسلحين كمال القضقاضي، وهو المنفذ الرئيسي لجريمة اغتيال شكري بلعيد. وكشفت التحقيقات، لاحقاً، مسؤولية الكتيبة عن اغتيال محمد البراهمي.

بداية النهاية

جاءت الضربة القاسمة لظهر الكتيبة عندما هاجمت قوات، بالتنسيق مع الجيش مساء يوم 28 مارس/آذار 2015، الخلية النشيطة والخطيرة التي كان يقودها خالد الشايب الحامل كنية لقمان أبو صخر، وهو جزائري الجنسية، وكان يخطط لإقامة إمارة إسلامية داخل تونس، وتمت مباغتتها في منطقة سيدي عيش، الفاصلة بين ولايتي قفصة والقصرين، وانتهت بقتل جميع عناصرها التسعة، منهم ثمانية جزائريين معروفين بخطورتهم. وقد شكّلت تلك الحادثة انتصاراً مهماً للقوات الأمنية في معركتها ضدّ الإرهاب.  

وتعدّ علاقة الكتيبة بالتنظيمات المسلّحة الجزائرية قديمة، ويعود ذلك إلى مرحلة التأسيس؛ فالمجموعة الأولى من الشبان التونسيين المؤسسين للكتيبة تدربوا على السلاح على أيدي كوادر "تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي". كما أن كلا الطرفين يستند إلى وحدة المرجعية والقيادة نفسها. وبعد الثورة في تونس، اكتسبت "كتيبة عقبة" استقلاليتها بحكم أنها أصبحت مرتبطة عضوياً وبالكامل بقيادة تنظيم" أنصار الشريعة". لكن بعد هروب قيادة التنظيم الأخير إلى ليبيا، وتصفية مختلف أجهزتها نتيجة المواجهة الأمنية، تعزز دور الجزائريين بالخصوص في إدارة الكتيبة، وهو ما أثار جدلاً في أوساطها بين من يعتبر أن قيادة الكتيبة من حق التونسيين، في حين رأى آخرون أن التنظيم ليس قطرياً، وأن الكتيبة خرجت أصلاً من صلب "القاعدة" في الجزائر.

التنظيم الأخطر

ويؤكد رئيس جمعية "آفاق" للأمن الداخلي والجمارك، سيف الله الهيشري، لـ"العربي الجديد" أنّ "كتبية عقبة بن نافع" تعتبر التنظيم المسلح الرئيسي والأخطر في تونس، إذ تعود مرجعيتها إلى تنظيم "القاعدة في  بلاد المغرب الإسلامي".

ويقول إنه "يشرف على تدريب الكتيبة ثلاثة جزائريين لهم علاقة مع أمير (القاعدة) في المغرب الإسلامي، أبو مصعب عبد الودود، واسمه الحركي عبد المالك درودكال". ويشير إلى أن غالبية التونسيين الذين ينتمون إلى المجموعة هم ناشطون في جماعة "أنصار الشريعة في تونس" التي صنفتها تونس والولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً في عام 2013.

ويضيف الهيشري أن "كتيبة عقبة بن نافع" هي التي تبنت عملية متحف باردو في 18 مارس/ آذار، والذي أسفر عن مقتل 21 سائحاً وأمنياً تونسياً، وأنها كانت وراء غالبية أحداث جبل الشعانبي من تفجير الألغام وقتل عناصر الجيش التونسي إثر كمين حصل يوم 29 يوليو/تموز 2013 وأودى بحياة 8 جنود منهم اثنان ماتا ذبحاً. 

ويؤكّد أن أبرز عملية إرهابية نفذتها هذه الكتيبة كانت في جبل الشعانبي، واستهدفت نقطتين عسكريتين، في الوقت نفسه، باستعمال القنابل اليدوية وقذائف "أر بي جي" أسفرت عن سقوط 15 عسكرياً، من بينهم 5 قتلوا بالرصاص، وآخرون تعرضوا للحرق بعد استهداف خيمتهم بالقنابل.

كما أعلن التنظيم في بيان مسؤوليته عن هجوم استهدف، في 28 مايو /أيار 2014، منزل وزير الداخلية السابق، لطفي بن جدو، في مدينة القصرين وأسفر عن مقتل 4 من عناصر الأمن وإصابة اثنين.

نهاية الأسطورة!

ويدعم العميد المتقاعد من الجيش التونسي، مختار بن نصر، في تصريح لـ"العربي الجديد" ما ذهب إليه وزير الداخلية، مؤكداً أنّ غالبية عناصر "كتيبة عقبة بن نافع" تم القضاء عليها بنسبة 90 في المائة، وأن بعضهم فرّوا . 

ويضيف أنّه بعد القضاء على عدد هام من القيادات، فإن التنظيم تلقى ضربة كبيرة وقاصمة. ويخلص إلى أن "تطوير جهاز الاستعلامات التونسية وتنويع عمليات الاستخبارات هي التي أدت الى التقصي عن المجموعات الإرهابية والقضاء عليها".  

ورغم تأكيد وزارة الداخلية أن 98 في المائة من عناصر "كتيبة عقبة بن نافع" قد تم القضاء عليهم، فإن الأيام والأسابيع القادمة هي التي ستؤكد، إن كان هذا التنظيم المسلح قد قضي عليه نهائياً، أم أنه لا يزال يتمتع بقدرة على رد الفعل. لكن ما تجدر الإشارة إليه هو صدور بيان، في وقت سابق، يحمل توقيع "كتيبة عقبة بن نافع " دعمت فيه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ودعته إلى "التقدم وتجاوز الحدود وتحطيم عروش الطغاة في كل مكان".

اقرأ أيضاً: تونس .. يريدون إجهاض الديمقراطية اليتيمة في العالم العربي 

المساهمون