قمة ترتيب البيت الأوروبي لا تخفي الخلافات

قمة ترتيب البيت الأوروبي لا تخفي الخلافات

24 اغسطس 2016
دلالة رمزية لانعقاد القمة الثلاثية في جزيرة فينتوتيني (الأناضول)
+ الخط -
للمرة الثانية منذ تصويت البريطانيين لصالح انسحاب بلادهم من الاتحاد الأوروبي، في استفتاء يونيو/حزيران الماضي، التقى رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، للبحث في مستقبل الاتحاد بعد انسحاب بريطانيا. لقاء الزعماء الثلاثة، أمس الأول، حمل في شكله ومضمونه وتوقيته الكثير من الرسائل التي تعكس حال أوروبا ومستقبل اتحادها بعد "البريكست" البريطاني.
أولى الرسائل تمثّلت في مكان انعقاد القمة الثلاثية في جزيرة فينتوتيني الإيطالية، حيث ضريح التييرو سبينيلي، واضع "بيان فينتوتيني" الذي قدّم في العام 1941 تصوراً لأوروبا "فيدرالية"، وهو ما يعكس تطلعات القادة الثلاثة إلى تطوير العلاقات بين دول الاتحاد إلى مستوى فيدرالي، "يحمي الأمم الأوروبية من خطر التفتت والتقسيم والأنانية والانكفاء"، على حد تعبير هولاند. أما رينزي، فعمد خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ميركل وهولاند على متن السفينة الحربية الإيطالية، "جوزيبي غاريبالدي"، قبالة جزيرة فينتوتيني، إلى طمأنة الأوروبيين بأن أوروبا "لم تنته" مع تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولا تزال "أوروبا أهم فرصة للأجيال الشابة".
من جهتها، وجّهت المستشارة الألمانية رسالة إلى "الاستعلاء" الذي أظهره بعض البريطانيين، الذي أيّدوا خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، بقولها إن الاتحاد ولد من رحم "أحلك اللحظات" في تاريخ القارة الأوروبية، وقد آن الأوان "لكتابة صفحة أفضل" في التاريخ الأوروبي، وكأنها بذلك تتعمد تذكير الأوروبيين بأن المستقبل سيكون أفضل بلا بريطانيا، التي طالما عارضت "المزيد من التقارب بين دول الاتحاد".
وجاءت قمة جزيرة فينتوتيني قبيل قمة أوروبية استثنائية مقررة في 16 سبتمبر/أيلول المقبل في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا، يسبقها في التاسع من سبتمبر/أيلول قمة لبلدان جنوب أوروبا تستضيفها العاصمة اليونانية أثينا، وتضم قادة قبرص وفرنسا ومالطا وإيطاليا والبرتغال، مع احتمال أن تحضرها إسبانيا، وتبحث في "كيفية تأثير دول البحر المتوسط الأوروبية على الأجندة الأوروبية" من الناحية الاقتصادية، إضافة إلى أزمة الهجرة. كما جاءت قمة فينتوتيني بعد قمة جمعت أواخر يوليو/تموز الماضي مجموعة "فيسيغراد"، التي تضم المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية تشيكيا، لإعداد مقترحات مشتركة لإصلاح التكتل الأوروبي، بعد قرار المملكة المتحدة الخروج من الاتحاد.


وإذا كانت الصور التذكارية والتصريحات العلنية تشير إلى رغبة الدول الأكبر في أوروبا في السير نحو "أوروبا أكثر اتحاداً"، فإن قمة أمس الأول الثلاثية كشفت عن تباين في أولويات أقطاب أوروبا بعد خروج بريطانيا، التي طالما رفضت فكرة "الفيدرالية الأوروبية". فبينما حدد الرئيس الفرنسي أولويات بلاده خلال القمة الأوروبية الاستثنائية بضمان الأمن مع حماية الحدود الخارجية للاتحاد الاوروبي، وتعزيز الدفاع "عبر مزيد من التنسيق بين دول الاتحاد"، والاهتمام بالشباب عبر تعزيز برامج التبادل بين الجامعات، دعا رئيس الحكومة الإيطالية إلى ضرورة اتخاذ "إجراءات قوية لإعادة النمو ومكافحة البطالة في صفوف الشبان والعودة إلى أوروبا القيم بدلاً من أوروبا المال". وفي مقابل الأولويات الفرنسية والتطلعات الإيطالية، ظهرت الزعيمة الألمانية حذرة جداً، وأقل اندفاعاً نحو فكرة "أوروبا أكثر" أو أي رد "فيدرالي" لمواجهة الخروج البريطاني، لا سيما قبيل استحقاقات الانتخابات التشريعية في ألمانيا والانتخابات الرئاسية في فرنسا العام المقبل، والخشية من استغلال الأحزاب الشعبوية اليمينية في أوروبا تلك التوجهات لتحريض الرأي العام ونقل عدوى "البريكست" البريطاني إلى دول أخرى في الاتحاد الأوروبي.
مقابل الاجتماعات الأوروبية المتتالية، وبينما تطالب دول الاتحاد الأوروبي بريطانيا بضرورة تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة الخاصة بترتيبات الانسحاب من الاتحاد "بأسرع ما يمكن" من أجل "تجنّب أي إرباك قد يكون مسيئاً لوحدة الاتحاد"، تبدو الحكومة البريطانية أكثر ميلاً لتأجيل تفعيل المادة 50 حتى خريف العام 2017، مما يعني تأجيل الخروج من الاتحاد حتى نهاية العام 2019. ويعلل المسؤولون البريطانيون ذلك التأخير بعدم الاستعداد والجاهزية على مستوى الجهاز الحكومي، خصوصاً "وزارة الخروج من الاتحاد الأوروبي" و"وزارة التجارة الدولية"، المُكلفتين بمفاوضات الخروج من الاتحاد. كما تبدو الحكومة البريطانية أكثر ميلاً للتفاوض أولاً مع دول الاتحاد، مجتمعة أو منفردة، لضمان علاقات تجارية واقتصادية متميزة بعد الخروج من التكتل الأوروبي. إضافة إلى أن حكومة لندن تفضل الانتظار إلى ما بعد الانتخابات العامة الفرنسية، في مايو/أيار 2017، والانتخابات العامة الألمانية في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، ذلك أن نتيجة الانتخابات في البلدين ستحدد مسار المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما إذا ما أفضت الانتخابات الألمانية إلى خروج ميركل من الحكم، وهي التي تتوعد بريطانيا بمفاوضات قاسية. أما العامل الآخر الذي يدفع حكومة لندن إلى تأخير المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، فيتمثل في جمع المزيد من أوراق القوة قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ومن ذلك التوصل إلى تفاهمات اقتصادية وتجارية مع شركاء تجاريين غير أوروبيين، مثل كندا وأستراليا ودول مجموعة "البريكس"، التي تضم البرازيل وروسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا.