إدلب: مباحثات سياسية تسابق التحشيد العسكري

إدلب: مباحثات سياسية تسابق التحشيد العسكري

10 مارس 2020
تُستبعد عودة النازحين إلى إدلب راهناً (عارف وتد/فرانس برس)
+ الخط -
في ظل مسعى جديد لردم هوّة الخلاف حول مصير شمال غربي سورية بين الروس والأتراك عبر مفاوضات جديدة تشهدها أنقرة اليوم، الثلاثاء، يتواصل التحشيد العسكري في محافظة إدلب، ما يشي بأن الطرفين يتحسبان للأسوأ على الرغم من أن الاتفاق الذي توصل إليه الرئيسان، التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين، يوم الخميس الماضي، في موسكو لوقف إطلاق النار في إدلب، لا يزال صامداً مع تسجيل بعض الخروقات من قِبل النظام السوري ومليشيات موالية له. وأعلنت وزارة الدفاع التركية، أمس، استضافة أنقرة، اليوم الثلاثاء، اجتماعات بين وفدين عسكريين من تركيا وروسيا، لبحث خطوات تطبيق اتفاق موسكو الأخير بين رئيسي البلدين بشأن الشمال السوري. وأوضحت الوزارة عبر حسابها الرسمي على "تويتر"، أن وفداً عسكرياً روسياً يبدأ، الثلاثاء، اجتماعاً مع نظيره التركي، تطبيقاً لاتفاق موسكو المعروف بملحق اتفاق سوتشي، والموقّع بين تركيا وروسيا، الخميس الماضي. ولم تحدد الوزارة مدة زمنية للاجتماعات، ومن المنتظر أن تتواصل ليومين على التوالي كما جرت في الاجتماعات المماثلة، إذ إن هناك عدة بنود على أجندة الاجتماع وفق اتفاق موسكو الأخير.
وأسفرت قمة أردوغان وبوتين، الخميس الماضي، إلى اتفاق جديد، تضمّن وقفاً لإطلاق النار في إدلب عند حدود التماس التي فرضها احتلال النظام وحلفائه عشرات البلدات والقرى، مع إنشاء ممر عازل على طول طريق "ام 4" (حلب ـ اللاذقية)، بعرض 6 كيلومترات من الجانبين، اعتباراً من نقطتي ترمبة، غرب سراقب، إلى عين الحور، غرب مدينة جسر الشغور.

وبقي الهدوء الحذر مسيطراً، أمس، على خطوط التماس في "منطقة خفض التصعيد" (إدلب وما حولها)، في اليوم الرابع لسريان اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين روسيا وتركيا، مع غياب كامل لسلاح الجو عن الأجواء في الشمال الغربي، سواء التابع للنظام أو روسيا أو الطيران المسيّر للجيش التركي.

ولكن على الرغم من اتفاق موسكو، الخميس، والذي يُعد ملحقاً باتفاق سوتشي المبرم في سبتمبر/ أيلول 2018، إلا أنه بدا أن الطرفين الروسي والتركي يتحسبان للأسوأ في الأيام المقبلة، إذ لم تنتهِ التحضيرات لجولة قتال جديدة، تؤكدها معطيات ميدانية، مع مواصلة الجيش التركي تعزيز نقاطه في محافظة إدلب، في وقت تحشد فيه قوات النظام في ريف إدلب الجنوبي، والمليشيات الإيرانية في ريف إدلب الشرقي.

وواصل الجيش التركي استقدام تعزيزات إضافية إلى نقاطه المنتشرة في "منطقة خفض التصعيد"، منذ اليوم الأول لسريان الهدنة، بما يدل على أن أنقرة متيقنة من أن الاتفاق قابل للانهيار في ظل سعي روسي لإخضاع الشمال الغربي من سورية كله للنظام. وشهد مساء الأحد دخول رتل عسكري كبير إلى الأراضي السورية، من نقطة كفرلوسين العسكرية، ضم حوالي 300 آلية عسكرية، من بينها دبابات وناقلات جند وعربات مصفحة. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فإن عدد الآليات التركية التي دخلت الأراضي السورية منذ بدء وقف إطلاق النار الجديد، بلغ 600 آلية، بالإضافة إلى مئات الجنود، وبذلك يرتفع عدد الشاحنات والآليات العسكرية التي وصلت إلى "منطقة خفض التصعيد" خلال الفترة الممتدة من الثاني من شهر فبراير/ شباط الماضي وحتى الآن، إلى أكثر من 4 آلاف شاحنة وآلية عسكرية تركية دخلت الأراضي السورية، تحمل دبابات وناقلات جند ومدرعات وكبائن حراسة متنقلة مضادة للرصاص ورادارات عسكرية، فيما بلغ عدد الجنود الأتراك الذين انتشروا في إدلب وحلب خلال تلك الفترة أكثر 9100 جندي تركي، وفق المرصد.
في السياق، ذكرت مصادر محلية أن الجيش التركي أنشأ، يوم الأحد، قاعدة عسكرية جديدة في منطقة تل صندل الواقعة بين بلدة زردنا في ريف إدلب الشمالي وبلدة إبين في ريف حلب الغربي، تضم مدرعات هجومية وقتالية ومدافع ودبابات. وكان الجيش التركي قد أنشأ أكثر من 20 نقطة مراقبة في ريفي إدلب وحلب خلال الحملة العسكرية الأخيرة لقوات النظام، إضافة إلى 12 نقطة مراقبة رئيسية أقامها وفق تفاهمات أستانة، بعضها محاصر من قوات النظام في أرياف إدلب وحلب وحماة.

في المقابل، عززت قوات النظام ومليشيات تساندها، وجودها في جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، بحسب مصادر في فصائل المعارضة السورية، أشارت لـ"العربي الجديد"، إلى أن النظام استقدم تعزيزات من قواته في ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي إلى محيط مدينة كفرنبل، التي تُعدّ نقاط تماس بين قوات النظام والمليشيات التي تساندها من جهة، وقوات المعارضة المدعومة من الجيش التركي، من جهة أخرى.

وعلمت "العربي الجديد" كذلك أن تعزيزات جديدة للمليشيات المدعومة من إيران وصلت إلى مدينة سراقب في الريف الأوسط من إدلب، إلى الشرق من مركز مدينة إدلب، حيث انتشر حوالي 300 عنصر من مليشيا تُدعى بـ"الرضوان" في قريتي الطلحية وكراتين، شمالي المدينة، مع دبابات وعتاد من السلاح المتوسط والثقيل.

وكان أردوغان قد أكد، الأحد، أن أنقرة تحتفظ بحقها في تطهير محيط منطقة عملية "درع الربيع" التركية في إدلب السورية، بطريقتها الخاصة، في حال عدم الالتزام بالوعود المقدمة لها، معتبراً توجيه النظام قواته نحو إدلب في وقت يخضع ثلث أراضيه لـ"الاحتلال" من قبل المليشيات الكردية، أمر له "غايات ومآرب أخرى". أما بثينة شعبان، مستشارة رئيس النظام السوري بشار الأسد، فقالت في تصريحات، الأحد، لصحيفة "الوطن" الموالية للنظام، حول الاتفاق الروسي - التركي في إدلب، إن "اتفاق وقف إطلاق النار الذي جاء برعاية من الحليف الروسي، تم على خطوط التماس التي وصل إليها الجيش السوري، ما يعني أن المناطق والمساحات الكبيرة التي تحررت بقيت بيد الجيش، وهذا لمصلحة سورية طبعاً، لأن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان كان يريد إعادة الجيش إلى منطقة معرة النعمان".

ويبدو ان اتفاق الخميس بين أنقرة وموسكو لم يحدد آليات تطبيق واضحة في بقعة جغرافية ضيقة ومعقّدة باتت غابة من الأسلحة والمقاتلين من كل اتجاه، يمكن أن تتحوّل مرة أخرى إلى ميدان صراع مفتوح على كل الاحتمالات في حال انهيار الاتفاق الروسي التركي الذي سبقته عدة اتفاقات، سواء في سوتشي أو في أستانة، تجاوزها الجانب الروسي في جنوب سورية وفي ريف دمشق وفي ريف حمص الشمالي وفي إدلب ومحيطها. ولا شك أن الجانب الروسي سيصر على تثبيت خريطة السيطرة الجديدة بعيداً عن حدود اتفاق سوتشي، أي بقاء مدينتي معرة النعمان وسراقب وأغلب ريفهما بيد قوات النظام والمليشيات، إضافة إلى جزء من ريف حماة الشمالي الغربي، والسيطرة الكاملة على الطريق الدولي "ام 5" الذي يربط بين مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري، ومدينة حماة، ومنها إلى حمص فالعاصمة دمشق وجنوب سورية. بينما يدفع الجانب التركي باتجاه خروج قوات النظام من المدينتين ومن قرى وبلدات أخرى في ريف إدلب الجنوبي لإرجاع أكثر من مليون مدني إلى بيوتهم كي لا يتحوّل هؤلاء النازحون إلى قنبلة بشرية جاهزة للانفجار على مقربة من الحدود الجنوبية التركية.

ويبدو أن الجانب التركي يخشى من موجات لجوء إلى تركيا في حال وجد النازحون أن عودتهم إلى منازلهم غير ممكنة أو غير آمنة، إذ يرفض معظم النازحين العودة إلى مناطق تحت سيطرة النظام وقواته وأجهزته الأمنية حيث تنتظرهم عمليات انتقام واسعة ربما تفوق ما جرى في المناطق التي سيطر عليها النظام في جنوب سورية وفي وسطها. ويريد الروس سيطرة مشتركة على الطريق الدولي "ام 4"، ما يعني إنهاء الوجود المسلح لـ"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، وفصائل المعارضة السورية في الممر الآمن المتفق عليه. وكان الخبراء الروس والأتراك قد فشلوا خلال جولات تفاوض عقدت الشهر الماضي في موسكو وأنقرة، في الاتفاق على التفاصيل المتعلقة بالشمال الغربي من سورية.