لافتات تأييد السيسي في القاهرة... بالإكراه

لافتات تأييد السيسي في القاهرة... بالإكراه

17 مارس 2018
ألقى مواطنون "طلاء أحمر" على لافتات السيسي (العربي الجديد)
+ الخط -
أينما حل نظرك في شوارع العاصمة المصرية القاهرة، تجد نفسك محاصَراً بلافتات تأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي يميناً ويساراً، مذيّلة بتواقيع أصحاب المحال والمتاجر والشركات، وذلك مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، المقرر إجراؤها خلال أيام 26 و27 و28 مارس/ آذار الحالي، والتي تفتقر لأي منافسة حقيقية، بعدما أقصى السيسي، عبر أذرعه المتعددة، جميع المنافسين المحتملين ولم يبقِ سوى على منافس صوري هو موسى مصطفى موسى، المرشح المعروف بتأييده المطلق للسيسي.

وفي بعض المناطق، ألقى مواطنون "طلاء أحمر" على صور السيسي بلافتات الدعاية، في تعبير رمزي عما ارتكبه من جرائم في حق الشعب المصري خلال فترة ولايته الأولى، وتورُّط أجهزته الأمنية في قتل الآلاف من معارضيه بدم بارد، علاوة على اعتقال ما يزيد عن ستين ألفاً من جميع الاتجاهات السياسية، منذ انقلابه على الرئيس محمد مرسي في منتصف العام 2013.


"إحنا من طرف المقدم شادي، ومش شايفين لافتة تأييد الرئيس... شكلك غاوي مشاكل؟"، بهذه الكلمات خاطب عنصران من الشرطة صاحبَ محل بقالة متواضع، في منطقة دار السلام، غربي القاهرة، مانحين إياه مهلةً يومين فقط، للإسراع بتعليق لافتة باسمه تأييداً للسيسي، وإلا اصطحباه إلى قسم الشرطة "لعمل اللازم" من محاضر تلفيق وخلافه.

أحمد أمين، صاحب المحل الخمسيني، لم يكن وحيداً في هذا المشهد، إذ أرسل رئيس وحدة المباحث بقسم شرطة دار السلام، شادي الشاهد، موفديه إلى أصحاب جميع المحال التجارية والورش الحرفية في المنطقة الشعبية، لإلزامهم بوضع لافتات دعائية للسيسي أمام محالهم، عوضاً عن تحرير محاضر بمخالفتهم، بالتنسيق مع الأجهزة المحلية بمحافظة القاهرة.
يقول أمين، في حديث مع "العربي الجديد"، إن كلفة طباعة اللافتة الواحدة، مضافاً إليها "إيجار البوابة" (الأعمدة الخشبية التي تعلق عليها)، تصل حالياً إلى ما يربو على خمسة آلاف جنيه، بينما أغلب أصحاب المحال في المنطقة من المستأجرين، وليسوا من المالكين، وبالتالي يواجهون التزامات حياتية صعبة، ما بين الوفاء بالتزامات الإيجار والكهرباء والعمالة، واحتياجات أسرهم.

الأمر نفسه تكرر في منطقة روض الفرج بحي شبرا، شرقي القاهرة، حين أوفد رئيس مباحث قسم الشرطة، الرائد قدري الغرباوي، العديد من مخبريه لإخبار أصحاب المحال بالتعليمات، وكلما كبر حجم المحل وذاع صيته، كلما كانت الطلبات أكبر، إذ طُلب من صاحب محل "صبحي كابر" الشهير للمأكولات إغراق محيط تواجده بلافتات التأييد، وهو ما يظهر بوضوح عند زيارة المحل. أبو المجد الرفاعي، رجل سبعيني، يملك محل خردوات بسيط على ناصية جانبية من شارع شبرا الرئيسي. يقول في حديث مع "العربي الجديد"، إن كلفة اللافتة المطلوبة تصل إلى ثلاثة آلاف جنيه على أقل التقديرات، متسائلاً في لهجة استنكارية "المحل مش شغال زي زمان، وبنزل أقعد فيه بدل ما أزهق (أملّ) في البيت... وحرام أدفع مبلغ زي ده، وعندي التزامات أهم... ما الشوارع مليانة يفط تأييد، هاتيجي عليا!".
وبحسب مصدر أمني في قسم شرطة عابدين الكائن بوسط القاهرة، فإن صور السيسي "عالية الجودة" المطبوعة على لافتات الدعاية المنتشرة على كافة الطرق والمحاور، سواء في العاصمة أو في المحافظات الأخرى، وُزعت بواسطة ضباط وأفراد أقسام الشرطة على جميع مكاتب الدعاية والإعلان، بعد أن تلقتها بدورها من أجهزة سيادية محسوبة على مؤسسة الرئاسة المصرية.

في سياق ذي صلة، يضخّ أعضاء مجلس النواب، الممثلين للقاهرة، مئات الألوف من الجنيهات على الدعاية في كل الدوائر، من دون اعتبار للصعوبات المعيشية التي يعاني منها المصريون. تمتلئ الميادين والشوارع الرئيسية في العاصمة بلافتات تأييد السيسي "دعماً للاستقرار والتنمية"، وهو الأمر الذي أثار موجة من الاستهجان والسخرية لدى قطاع عريض من المواطنين، الذين لا يشعرون بالاستقرار أو التنمية. ويغلب على أعضاء البرلمان، الموالي بالكلية إلى نظام السيسي، الانتماء إلى شريحة رجال الأعمال، إذ يعمدون إلى استغلال حصانتهم النيابية، ونفوذ مناصبهم، لتسيير أعمالهم، وتقنين أوضاعهم المخالفة من خلال دوائر نفوذهم، بغرض جني مزيد من الأرباح، بشكل يجعل الأموال التي يصرفونها على تلك الدعاية "رقماً ضئيلاً" أمام مكاسبهم المنتظرة من استمرار السيسي في سدة الحكم.