حشد شعبي ترامبي

حشد شعبي ترامبي

21 ابريل 2020
دعا دونالد ترامب إلى العصيان المدني (جاسون ريدموند/فرانس برس)
+ الخط -
بعدما أفتى المرجع الرئاسي المحافظ دونالد ترامب بالجهاد الكفائي، لبّى متطوعو الحشد الشعبي النداء بأسلحتهم النارية، لتحرير ولاياتٍ أميركية من براثن حكّامها، واستلام المناطق المحررة من فيروس كورونا. كان يمكن لهذا السيناريو الساخر أن يكون فاصلاً كوميدياً لو لم نكن نتحدث عن دولةٍ عظمى يُمعن ترامب في توضيع مكانتها في العالم، عبر تحويل مسألة إعادة فتح الاقتصاد خلال مرحلة الوباء إلى أزمةٍ سياسية مفتعلة في البلاد.

الانفصام السياسي الذي يعيشه ترامب، يصدر عن حاكمٍ لا تسمح له هيبته بالإقرار بالخطأ وتحمّل المسؤولية، وبالتالي يبحث يومياً عن كبش فداء في الداخل والخارج، وقد وصل به الأمر إلى حدّ معارضة نفسه. توجيهات التباعد الاجتماعي التي وضعتها الحكومة الفدرالية لا تزال قائمةً حتى نهاية الشهر الحالي، لكن يصوّر ترامب المسألة كأن هناك صراعاً بين حكّام ولايات تتعمد الإغلاق، مقابل رئيسٍ يخشى على الاقتصاد أكثر منهم. هذا التسييس لأزمةٍ صحية عامة بهذا الحجم، لا يعكس عدم نضوجٍ رئاسي فقط، بل اتجاهاً مستمراً لاستحضار الحروب الأيديولوجية والثقافية في المجتمع الأميركي لغاياتٍ انتخابية، عبر تصوير حكّام الولايات بأنهم ينتهكون الحقوق الفردية للمواطنين عبر أوامر البقاء في المنزل التي تمنعهم من اقتناء السلاح نتيجة تعطل الحركة الاقتصادية.

بعدما تجاوز عدد الوفيات في الولايات المتحدة 40 ألف حالة، يدخل ترامب التاريخ كأول رئيس أميركي يدعو إلى العصيان المدني، كما فعل صديقه الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، الذي شارك في تظاهرة غضب ضد الإغلاق تدعو إلى انقلاب عسكري. هذا الهذيان الرئاسي في واشنطن يُكرّس تحالف ترامب مع مجموعات يمينية متطرفة، بعضها مسلح، هي من الأعمدة الرئيسية لقاعدة ترامب المحافظة.

الرئيس الذي سحب إدارته من الخطوط الأمامية، وترك حكّام الولايات لوحدهم في مواجهة تفشي كورونا، يأتي اليوم ليقطف ثمار جهودهم، ويدّعي أن هذه السلطات المحلية هي التي تؤخر عودة الاقتصاد إلى طبيعته. هذا السقوط الأخلاقي لا يعكس أداء الحكومة الفدرالية التي تأخذ مسؤوليتها في هذا الوباء بجدّية، فيما يواصل الرئيس هوس البحث عن أي مديح له وحده. هذه العروض الجانبية، من التهديد بإغلاق الكونغرس، إلى دعوات تحرير ولايات أميركية، لن تصل إلى نتيجة كما يعلم ترامب جيداً، لكنها تعطي شرعيةً غير مسبوقة لمجموعات متطرفة، وتصرف الأنظار عن فشله كرئيسٍ في قيادة أميركا والعالم في هذه المحنة.