الجزائر والنهج القذافي

الجزائر والنهج القذافي

06 فبراير 2019
ترويج واسع لمنجزات بوتفليقة يسبق الانتخابات الرئاسية(إريك فيفربيرغ/فرانس برس)
+ الخط -
يحدث في الجزائر مع قرب محطات سياسية أو استحقاقات انتخابية، أن تحاول السلطة بكل الطرق والوسائل "أسطرة" عهد ما بعد عام 1999، تاريخ تسلم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الحكم، والتركيز الشديد من قبل الحكومة والأحزاب والمنظمات ووسائل الدعاية الموالية على منجزات العهد الجديد وفق نهج من "البروباغندا" السياسية التي تشبه بروباغندا معمر القذافي لثورة الفاتح (سبتمبر)، والذي حاول الأخير من خلالها محو تاريخ ليبيا قبله من ذاكرة الليبيين.

صحيح أن الجزائر استعادت عافيتها وحققت بعض التقدم في بعض القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لكن ثمة خطأ سياسيا وتاريخيا جسيما يرتكب في حق الأجيال الأولى التي بنت الدولة الجزائرية منذ الاستقلال في الستينيات، وتجاهلا مقيتا لما تحقق خلال السبعينيات والثمانينيات على يد الرؤساء السابقين للجزائر، خصوصاً هواري بومدين والشاذلي بن جديد، من منجزات في قطاعات الصحة والتعليم والجامعات والسكن والطرق والنقل والزراعة والصناعة وغيرها، وفي الدبلوماسية والتعددية السياسية والإعلامية والنقابية، وعلى ما في هذه المراحل أيضاً من أخطاء وإخفاقات، بفعل ضعف البصيرة حيناً أو قلة الحيلة حينها أحياناً أخرى.

لا يبدأ تاريخ الجزائر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي في عام 1999، ولا يمكن بأي حال من الأحوال "التأريخ" للجزائر بدءاً من هذا العام ارتباطاً بتسلم بوتفليقة للحكم، لأن في ذلك محاولة لإلغاء مسار وتراكم لمنجزات الدولة الجزائرية، وتنكرا لجهود الأجيال الأولى التي ركزت الدولة ومؤسساتها وبذلت ما أمكن لنقل الجزائر المستقلة المتخمة في سنواتها الأولى بالأمية والأمراض والفقر والمصاعب الاجتماعية، إلى وضع دولة نامية تتقدم شيئاً فشيئاً نحو الأفضل، مع ما رافق ذلك من أخطاء في التوجه والخيارات وطريقة الحكم.

قبل عام 1999 حاز آلاف الجزائريين على شقق سكنية في المدن والريف وفي القرى الاشتراكية، وتعلموا في المدارس مجاناً وعولجوا في المستشفيات وأنشأوا مصانع الحافلات والحديد والبتروكيمياء والجامعات، وفرحوا لتأهل المنتخب الى كأس العالم. قبل عام 1999 أيضاً حققت الدبلوماسية الجزائرية أبهر انتصاراتها في السبعينيات والثمانينيات، وشهدت الثقافة والسينما أزهى فتراتها في تلك الفترة، برغم التوجه الأيديولوجي الذي كان متحكماً في الخيار الوطني.

ليس سليماً من الناحية العلمية والمنهجية، وإن كانت السياسة لا تعترف بمنهج، إجراء المقارنات بين عدد الشقق السكنية والجامعات والمدارس مثلاً قبل عام 1999 وما بعده. لكل مرحلة ظروفها ومعطياتها ومرتكزاتها، بل إنه يمكن في حال فحص كل مرحلة بظروفها المالية والمادية ومناخها العام، أن تصبح منجزات ما بعد 1999 أقل بكثير مما توفر لها من إمكانات وأرصدة مالية.

لم يكتشف الجزائريون العالم عام 1999، ولم يكتشف العالم الجزائر في ذلك العام أيضاً، وليس من الحكمة تكريس القطيعة مع الماضي كمنجز وإنكار استمرارية الدولة والتنكر لتجربة الإعمار الوطني وتمزيق صور خالدة من المنجزات ومحو مراحل مهمة من تاريخ الجزائر، لأن التاريخ لن يتوقف عند محطة واحدة، بل إنه يمكن في لحظة انكشاف الحقائق في مراحل مقبلة، أن تنقلب الصورة أيضاً، ويعاد النظر في تقييم الحصيلة والمنجز بعيداً عن البروباغندا.