التجويع يهدّد الهدنة السورية... والخلاف الأميركي حول الاتفاق يتّسع

التجويع يهدّد الهدنة السورية... والخلاف الأميركي حول الاتفاق يتّسع

15 سبتمبر 2016
يعرقل النظام إدخال المساعدات إلى حلب (Getty)
+ الخط -
أظهرت تطورات، أمس الأربعاء، تقاطع مصالح الإدارة الأميركية، تحديداً عبر وزارة الخارجية إلى جانب روسيا والنظام السوري، في الدفاع عن الاتفاق الأميركي الروسي الذي تم التوصل إليه قبل أيام. وتتزايد الشكوك بإمكانية استمرار تطبيق الاتفاق أو تحقيقه جميع أهدافه أخذاً بعين الاعتبار استمرار النظام في تعطيل إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، خصوصاً حلب، فضلاً عن استمرار الخروق للهدنة وإن سجل تراجعاً ملحوظاً في عدد الخروق. وسيكون اليوم الخميس، حاسماً لتحديد مصير الهدنة التي أعربت موسكو عن رغبتها بتمديدها لـ48 ساعة إضافية، إذ أعربت موسكو، على لسان متحدث باسم الجيش الروسي، عن أن القوات السورية مستعدة لبدء الانسحاب مرحلياً من منطقة الكاستلو، في حلب، بدءاً من التاسعة صباحاً بتوقيت دمشق، بالتزامن مع انسحاب مماثل لمقاتلي فصائل المعارضة، للسماح بإدخال المساعدات الانسانية التي لا تزال تنتظر الإذن للتوجه من معبر باب الهوى الحدودي، إلى حلب.


دفاع أميركي روسي عن الاتفاق
الموقف الروسي من الاتفاق تولى المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الإعلان عنه بقوله، إن وقف إطلاق النار في سورية يبعث على الأمل في التوصل لتسوية سلمية للصراع، لكنه سرعان ما ربط بين تطبيق الاتفاق وبين "فصل المعارضة المعتدلة في سورية عن الجماعات الإرهابية من أجل تعزيز الهدنة الهشة"، على حد قوله. أما النظام السوري فلم يتردد تحديداً عبر تصريحات أوردتها وكالة الأنباء التابعة للنظام "سانا"، نقلاً عن مصدر عسكري، في الربط بين التطورات في الجولان السوري المحتل بعد القصف الذي نفذته طائرات إسرائيلية وبين ما وصفه المصدر بـ"محاولة واضحة للتصعيد وعرقلة تطبيق الاتفاق الروسي الأميركي".



من جهته، أخذ وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، على عاتقه مهمة الدفاع أميركياً عن الاتفاق وما تضمنه من بنود، معتبراً أنه من دونه كان العنف سيزيد بدرجة كبيرة وكان كثير من السوريين سيذبحون أو يضطرون للفرار من بلادهم. ووفقاً لوكالة "رويترز"، قال كيري في مقابلة مع برنامج "مورنينغ إيديشن" في الإذاعة الوطنية العامة "إنها فرصة أخيرة للإبقاء على سورية موحدة". وأضاف "إذا فشلنا في الإيقاف، الآن، ولم نتمكن من الجلوس إلى الطاولة سيزيد القتال بدرجة كبيرة." وتساءل "ما هو البديل؟ هل البديل هو السماح لنا بالانتقال من 450 ألف شخص قتلوا إلى ألوف كثيرة أخرى (من القتلى)؟ أم أن يتم اكتساح حلب بالكامل؟ أم أن يوجه الروس والأسد ببساطة قصفاً عشوائياً لأيام مقبلة وأن نجلس هناك ولا نفعل شيئاً". كما أكد أن الاتفاق يحظى بتأييد أوباما. وأضاف "معادلة أن الأسد يسحقهم وأن روسيا تسحقهم كانت ستلقي بهم في أيدي (جبهة) النصرة وداعش". وأضاف "وستكون عندك درجة أكبر من التطرف بكثافة متزايدة".

هذا الدفاع العلني عن الاتفاق لا يبدو أنه يعكس قناعات كيري، بحسب ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، التي أشارت إلى أن وزير الخارجية الأميركي يقرّ في الجلسات الخاصة مع مساعديه والمقربين منه أن اتفاق وقف إطلاق النار في سورية لن ينجح، لكنه يؤكد أنه مصمم على المحاولة، لكي لا يغادر هو وأوباما منصبيهما وقد فشلا في التخفيف من حدة الحرب. كما أشارت الصحيفة إلى الخلافات داخل الإدارة الأميركية وتضارب وجهات النظر بين كيري ووزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، بشأن الاتفاق خصوصاً في الشق المتعلق بالتعاون العسكري مع روسيا. ولفتت الصحيفة إلى أن موقف أوباما حسم الخلاف بين كارتر وكيري لصالح الموافقة على الاتفاق مع الروس على الرغم من استمرار رفض العسكريين الأميركيين في مشاركة أي معلومات عسكرية مع الروس في ظل غياب الثقة بين الجانبين.

وجاءت تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأميركية، مارك تونر، لتلمح إلى أن واشنطن تتحضر لسيناريو الفشل، بعدما أكد أن "بلاده تدرس التقارير الواردة عن حدوث خروق لاتفاقية وقف إطلاق النار في سورية "لمعرفة من هو المسؤول عنها، وإذا ما كانت (الادعاءات) خرقاً مشروعاً أم لا". ولفت إلى أن الولايات المتحدة ستحتفظ "بحق الانصراف وإعلان الاتفاقية لاغٍ وباطل" إذا ما ظل العنف مستمراً في البلاد. 

واستطاعت الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ، مساء يوم الإثنين الماضي، أن تفضي إلى هدوء نسبي في مختلف الجبهات، من دون أن تضع حداً نهائياً للخروق. وبينما توقفت المواجهات العسكرية المباشرة، واصلت قوات النظام السوري، أمس الأربعاء، خرقها للهدنة. وقالت مصادر ميدانية في شمال سورية لـ"العربي الجديد"، إن "طيران النظام الحربي، شن غارة بالصواريخ على أطراف مدينة خان شيخون التي تسيطر عليها المعارضة السورية وتقع بأقصى ريف إدلب الشمالي، المتاخم لريف حماة الشمالي. كما أكدت المصادر أن "قوات النظام قصفت بالمدفعية، ظهر أمس، حي الصاخور. كما تعرضت قرية المرحمية جنوب حلب، لقصفٍ مماثل، جُرح على إثره شخص واحد على الأقل"، فيما استهدف قصفٌ جوي قرية كفرناها بريف المحافظة الغربي.



شكوك المعارضة
في موازاة الموقفين الروسي والأميركي من الاتفاق، حافظت المعارضة السورية على موقفها المتشكك من استمراره، وهو ما أشار إليه القيادي في المعارضة جورج صبرا، الذي أفاد في حديث لوكالة "رويترز" أنه لا يثق كثيراً في أن الهدنة ستصمد لفترة أطول من سابقتها.

وبرر صبرا موقفه بالإشارة إلى إصرار النظام السوري على التحكم في مسألة المساعدات وعرقلة إدخالها إلى حلب بموجب اتفاق وقف إطلاق النار. وأوضح أن "النظام لا يزال يصر على أن تدخل هذه المساعدات عن طريقه وبالتنسيق والتشاور معه. هذا أمر غير مقبول. نحن نطالب أن يكون هذا الدور للأمم المتحدة". كما لفت إلى أنه من السابق لأوانه الحديث عن أي استئناف لمحادثات السلام. وأشار إلى أن حرية تحرك وكالات الإغاثة عنصر من العناصر التي ستساعد في استئناف المحادثات السياسية، مشدداً على أن "ثبات الهدنة هو الذي يمكنه أن يفتح الباب أمام استئناف العملية السياسية أم لا". وأكد أن "كل مواعيد تعطى لاستئناف المفاوضات والعملية السياسية هي احتمالية وليست جدية أبداً".



المساعدات غائبة

من جهته، أكد المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، أمس، أنه على الرغم من استمرار تطبيق الهدنة في سورية إلا أن بند وصول المساعدات إلى مناطق سيطرة المعارضة في حلب لم يطبق بعد، بسبب عدم منح النظام السوري للأذونات الخطية التي اعتادت فرق الأمم المتحدة الحصول عليها حين إدخالها قوافل المساعدات إلى مناطق تحاصرها قوات النظام السوري، وذلك على الرغم من إبلاغ النظام في وقت سابق الأمم المتحدة موافقته على دخول المساعدات بحسب دي ميستورا. ولا تزال الشاحنات التي تحمل المساعدات من أغذية وألبسة تنتظر في الطرف السوري من معبر باب الهوى الحدودي الذي تسيطر عليه المعارضة السورية على الحدود مع تركيا.

وفي السياق ذاته، قال المسؤول الإعلامي في معبر باب الهوى الحدودي، عمار الزير، لـ"العربي الجديد" إنّ "أربع عشرة شاحنة تحمل مساعدات إنسانية مقدمة من دولة قطر، تجمّعت في ساحة معبر باب الهوى الحدودي"، مشيراً إلى أنّها "تنتظر الإذن للتوجّه نحو المناطق المحاصرة في مدينة حلب".

ويأتي تأخر دخول المساعدات إلى حلب على الرغم من أن الاتفاق الأميركي الروسي نص على دخولها بشكل فوري مع بدء تطبيق الهدنة، لكن عدم تطبيق بند انسحاب القوات العسكرية التابعة للنظام من طريق الكاستيلو الذي تسيطر عليه قوات النظام شمال المدينة سمح للنظام السوري بعرقلة دخول المساعدات إلى الآن، ذلك أن انسحاب قوات النظام من طريق الكاستيلو الذي يفترض أن يتحول إلى ممر إنساني لدخول المساعدات تأخر بانتظار حصول اتفاق أميركي روسي على آليات مراقبة للطريق.

وكانت روسيا قد أعلنت، يوم الثلاثاء، عن انشائها نقطة مراقبة متنقلة على طريق الكاستيلو لمراقبة الخروق على الطريق. وبثّ تلفزيون "روسيا اليوم" مقطعاً مصوراً يظهر جنديين روسيين موجودين على طريق الكاستيلو وهما يتعرضان لإطلاق نار من بندقية فردية في مؤتمر مصور مباشر مع عسكريين روس في موسكو، قائلة إن العسكريين الروس تعرضوا أثناء عملهم لاعتداء من "الإرهابيين"، إلا أن ناشطين محليين ومصادر متقاطعة من مدينة حلب قالوا لـ"العربي الجديد" إن هذه الرواية لا يمكن أن تكون دقيقة ذلك أن قوات النظام السوري تسيطر فعلياً على مساحات في محيط طريق الكاستيلو تجعل من الاستحالة بمكان استهداف من يتواجد على الطريق ببنادق آلية فردية كالتي ظهرت في المقطع المصور الذي بثه التلفزيون الروسي.

ومع عدم وضوح مصير طريق الكاستيلو الذي بات الطريق الوحيد المقترح استخدامه لإدخال المساعدات على مناطق سيطرة المعارضة إلى حلب، بعد انتهاء الحديث عن استخدام طريق الراموسة - خان طومان، الذي كان تحت سيطرة المعارضة السورية جنوب غرب حلب قبل أن تستعيد قوات النظام السوري السيطرة عليه، بات مصير الهدنة السارية في سورية على المحك خصوصاً مع استمرار حصول خروق لهذه الهدنة. وفي السياق، علم "العربي الجديد"، من مصادر المعارضة السورية في حلب، أن هناك مشاورات ماراثونية جرت خلال الأيام الأخيرة بين المجلس المحلي في مدينة حلب وبين مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (الاوتشا) كان محورها طبيعة المساعدات الواصلة للمناطق المحاصرة في المدينة. وقد عرضت الأمم المتحدة إرسال مواد غذائية وألبسة، فيما طالب المجلس المحلي بشمول المساعدات للأدوية والمحروقات والطحين. كما طالب المجلس بدخول المساعدات من دون مرورها على حواجز قوات النظام السوري، وهو أمر لا يمكن أن يحصل إلا في حال انسحاب قوات النظام من طريق الكاستيلو، وتطالب المعارضة السورية بفتح هذا الطريق أمام القوافل الإغاثية دون أن يكون لقوات النظام أو روسيا أي رقابة أو إشراف على الطريق بحيث تشرف عليه بعثة مراقبة دولية.