المصالحة المجتمعية... "تيرمومتر" إنهاء الانقسام الفلسطيني

المصالحة المجتمعية... "تيرمومتر" إنهاء الانقسام الفلسطيني

20 يونيو 2014
الفسلطينيون بانتظار مصالحة مجتمعية (محمد الحجار)
+ الخط -
لم يكن الرابع عشر من يونيو/حزيران من العام 2007، سوى تدشين رسمي مغمّس بالدم للانقسام الفلسطيني، الذي استمر سبع سنوات كاملة، قُسّم خلاله النظام والشعب الفلسطيني إلى نصفين، إضافةً إلى أنها كانت المرة الأولى التي يجري فيها تجاوز حرمة الدم الفلسطيني. 

سبع سنواتٍ عِجاف من الدم والانقسام جاءت بعد اقتتال متفرّق وإرهاصات حرب أهلية إثر فوز حركة "حماس"، بغالبيةٍ في الانتخابات التشريعية منتصف العام 2006، واستلامها دفّة الحُكم، خلّفت المئات من القتلى والآلاف من الجرحى، إضافةً إلى هدم وتدمير العديد من البيوت.

وعلى الرغم من انتهاء الانقسام الفلسطيني سياسياً ظاهرياً، وتشكيل حكومة وفاق وطني لا تزال تعاني قبل أن تكتمل ولادتها حتى، فإن الجراحات الغائرة فلسطينياً، ما زالت مفتوحة بانتظار البدء في المصالحة المجتمعية، التي شُكّلت من أجلها لجنة خاصة كان مُناطاً بها العمل بعد تشكيل الحكومة.

دور الفصائل 

يقول القيادي في حركة "حماس"، عضو لجنة المصالحة المجتمعية، إسماعيل رضوان، لـ"العربي الجديد"، إن الأرضية التي ستسير عليها اللجنة هي الشريعة الإسلامية وصفات الشعب الفلسطيني الأصيلة، مضيفاً "ننطلق في القضية من المنطلقات الدينية والشرعية، إذ إن امتداد شعبنا الفلسطيني إسلامي، وبالتالي لديه الأصالة الدينية والوطنية والكرامة والعفو عند المقدرة والتسامح، وهذه قيم نؤكد ونعتمد عليها".

ويشير رضوان إلى أنّ الأرضية الأخرى التي ينطلق عمل اللجنة على أساسها، هي التنظيمات السياسية، حيث إن الأطر التنظيمية قادرة على إحداث المصالحة المجتمعية بالتعاون مع مَنْ تضرّر من المواطنين.

ويشدد على أن دور الفصائل أساسي في تحقيق الشق الاجتماعي من المصالحة، "لأن المجتمع الفلسطيني بطبعه مسيّس، والفصائل هي التي تؤدي هذه الرسالة، لأجل ذلك لا بد أن تتصل الفصائل بمؤسسات المجتمع المدني ورجال الاصلاح والقضاء الشرعي والمدني والعرفي، لتحقيق المصالحة المجتمعية".

التعويضات

يؤكد رضوان أنه بعد إنهاء الانقسام وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، إثر توفّر الارادة السياسية التي كانت تعتبر عائقاً، باتت العوائق تتمثل بالأمور الادارية إلى جانب المالية، وقال "نحن بحاجة إلى التأكيد على الاجراءات الادارية والفنية لإتمام أعمال اللجنة الإدارية، وهذا لا بد أن ترعاه الحكومة وتوفره".

أما عن الجانب المالي، فيشير المسؤول في الحركة الاسلامية إلى الحاجة إلى 60 مليون دولار، "واتفاق القاهرة نص على ضرورة وجود صندوق لجبر الأضرار، فيما أعربت قطر عن استعدادها لتمويل الصندوق بخمسة ملايين دولار".

ويبدو أن غياب احصائية دقيقة للأضرار المادية، أدى إلى وجود تضارب في حجم المبالغ التي ستخصص للتعويضات، إذ أشار النائب في المجلس التشريعي عن حركة "فتح"، عضو لجنة المصالحة المجتمعية، أشرف جمعة، إلى أن الصندوق يحتاج إلى مبلغ 150 مليون دولار، وقد يصل فيما بعد إلى 300 مليون دولار.

"تيرمومتر" المصالحة

تُعتبر المصالحة المجتمعية المعيار الحقيقي لإنهاء الانقسام بكافة ملفاته، غير أنها تحتاج إلى الكثير من الجهود لوضعها بمنطقة الأمان، إذ يقول جمعة لـ"العربي الجديد" إنها الأهم لأنها ترسخ مفهوم المصالحة بمعناه الحقيقي وليس الزائف. 

ويضيف جمعة "إذا نجحت اللجنة في عملها، بالتأكيد نكون قد نجحنا في عملية المصالحة، فهي تنصّ على الالتزام والتضحية، ولا تدعو إلى النسيان والتكتم الذي يحوّلها إلى تزييف". ويشدد على أن المصالحة الحقيقية تتطلب الاعتراف بالمسؤولية والاعتذار، وتعويض ضحايا الانتهاكات والاستماع إليهم من دون خوف، ومحاسبة المتورطين والبحث عن الحقيقة بشفافية والاعتراف بضرورة جبر الضرر وانتقال كل ذلك إلى حيز التنفيذ، "عندما يشعر المواطنون أنه توجد مصالحة حقيقية". ويلفت جمعة إلى أن لجنة المصالحة المجتمعية هي "اللجنة الوحيدة التي لا يوجد لها سقف زمني محدد، فيما قد تحتاج إلى عام أو أكثر لإنجاز مهمتها".

بنك معلومات

يكشف أمين سر لجنة المصالحة المجتمعية، عضو المكتب السياسي لـ"حزب الشعب الفلسطيني"، نافذ غنيم، أن الخطوة المقبلة لعمل اللجنة، ستتركز حول التجهيزات اللوجستية، مُضافاً إليها البدء بإنشاء بنك معلومات لحصر عدد وطبيعة الأضرار التي لحقت بالمواطنين، والتحقّق منها ودراستها وتصنيفها وعرضها على لجان الاختصاص المركزية.

ويوضح غنيم لـ"العربي الجديد"، أن الكثير من التفاصيل اُتفق عليها في حوارات القاهرة حول ما يتعلق بتحديد الجرائم وتصنيفها، مشيراً إلى الاتفاق على تصنيف حالات القتل، وربطها بزمن وقوع الحادث الذي يعتبر خلفية للجريمة، وتحديد منفذي القتل، سواء الأشخاص أو التنظيمات، وهذا يعني تحديد قيمة وطبيعة التعويض.

وبحسب غنيم، "حددت اللجنة ثلاثة مداخل لهذه العلاجات والتي ترتبط بإرادة المتضرّر، وهي إما اللجوء للشرع، أو للعرف العشائري، أو للقانون أي المحاكم، والمدخل المناسب يحدده ولي الدم أو المتضرر". ويشير غنيم إلى أنه حتى الآن، لا يوجد حصر دقيق للأضرار، سوى المعلومات العامة والمتداولة التي تشير إلى أن أعداد الشهداء الذين سقطوا تُقدّر بالمئات، فيما يصل عدد الجرحى إلى نحو عشرة آلاف جريح ومعوَّق، إضافة إلى الأضرار المادية.

تعاون

عضو اللجنة نفسها، القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي"، القذافي القططي، يقول إن عمل لجنته سيعتمد، بالإضافة إلى بنك المعلومات، علی كشوفات وزارة الصحة والدفاع المدني ووكالة الغوث ووزارة الشؤون، ناهيك عن استقبال شكاوى المواطنين التي شُكّلت من أجلها لجنة خاصة. ويوضح القططي لـ"العربي الجديد"، أن التعويضات التي ستُمنح لأهالي الشهداء ستكون وفق الشريعة الاسلامية، غير أنها لم تُحدد حتى الآن. ويعترف أنه "لم يتم تحديد المبالغ المالية للمتضررين بعد، ولكن الديّات الشرعية لأسر الضحايا هي المِعيار في التعويض، وسيُترك تحديد قيمة التعويض المناسب للجنة القضاء الشرعي التي تعمل داخل لجنة المصالحة المجتمعية".

تمهيد الطريق

يقول البعض إنه من الصعب تطبيق المصالحة المجتمعية في قطاع غزة من منطلق مصطلح تم ترداده على طول فترة الانقسام، وهو أن "لا تصالح على الدم"، غير أن المحلل السياسي، أكرم عطالله، يرى أن الظروف مهيّأة الآن أكثر من أي وقتٍ مضى للتصالح مجتمعياً.

ويشير عطا لله، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن المصالحة المجتمعية ستكون سهلة في الوقت الراهن، معتبراً أن عاملي الزمن وازدياد المشاكل أدّيا دورهما في تذليل العقبات، وسيكون لهما دور أيضاً في إنجاح المصالحة.

ويضيف عطا الله أنه "في سنوات الانقسام الأولى، كان سقف المواطنين المتضررين مرتفعاً، ولكن بعد مرور سبع سنوات، هبط السقف، إذ إن المواطنين كانوا في البداية يتحدثون عن الثأر والقتل. ثم بعد تراكم المشاكل والقضايا التي حوّلت حياتهم إلى جحيم، كالإغلاق والحصار وانقطاع الكهرباء المستمر، أصبحوا يتوقون لإنهاء ملف التعويضات والبدء بالمصالحة المجتمعية".

يخلص عطا لله إلى أن أهم العقبات التي قد تكون حاضرة في طريق المصالحة المجتمعية، هي "ذمة الدم" لسقوط قتلى من الجانبين (فتح وحماس) وتضرر عائلاتهم، ناهيك عن عدم قبول بعض أهالي الشهداء الذين سقطوا في أحداث الانقسام بالتعويض، وبإنهاء الملف والتنازل سريعاً وبسهولة، غير أنه يقدّر أن أعداد من سيرفضون لن تكون كثيرة.

المساهمون