كوبا بعد آل كاسترو: الحزبي دياز-كانيل والدبلوماسي باريّا

كوبا بعد آل كاسترو: الحزبي دياز-كانيل والدبلوماسي باريّا

10 فبراير 2017
ميغيل دياز ـ كانيل وكاسترو في هافانا (سفين كروتزمان/Getty)
+ الخط -
إثر وفاة الزعيم الكوبي فيدل كاسترو في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي دخلت كوبا مرحلة جديدة، قد تكون الأكثر دقة تاريخياً، ويتوجب فيها الانتقال إلى الجيل الثاني من "الثوار" بعد أكثر من خمسة عقود من هيمنة الجيل الأول، بعد إسقاط فولخنسيو باتيستا ودخول كاسترو وشقيقه راوول وتشي غيفارا العاصمة هافانا منتصرين، عام 1959، إيذاناً ببدء عهد ثورة "على فم الولايات المتحدة".

لا تبدو آلية عملية الانتقال في السلطة سهلة في كوبا، لأسباب كثيرة، تبدأ من تبنّي البرلمان الكوبي قانوناً، بناءً على طلب فيدل كاسترو، يحظر إطلاق اسم الزعيم الراحل على أي شارع أو مؤسسة وعدم بناء تماثيل له، وذلك التزاماً بالطلب الأخير لأب الثورة الكوبية. كما لن يكون مسموحاً استخدام اسم فيدل كاسترو لأغراض تجارية أو دعائية. لا يُفهم من هذا القانون سوى أمر واحد: لا يريد فيدل كاسترو ترسيخ صورة مشابهة لصور غيفارا وتماثيله المنتشرة في الجزيرة الكوبية، والذي أشرف هو بالذات على تدشينها. كأنه يريد التواري في كتب التاريخ، من دون ترك أثر خلفه، سوى تلاصق ضريحه مع ضريح بطل استقلال كوبا، خوسيه مارتي. وصية فيدل كاسترو، تفسح المجال أمام ضبابية مستقبل السلطة والحكم في البلاد، ذلك لأن راوول ينتمي للجيل الأول من الثورة الكوبية أيضاً.

الإشارات بانتهاء زمن الجيل الأول، لم تتوقف عند فيدل كاسترو، فقد توفى أيضاً أحد رموز الثورة الكوبية، وزير الداخلية كارلوس فيرنانديز غوندين، مطلع يناير/كانون الثاني الماضي، وهو الذي شارك في محطات عدة، سواء في الثورة أو في مواجهة الأميركيين في عملية خليج الخنازير (1961)، أو في الحرب الأنغولية في ثمانينيات القرن الماضي وتسعينياته. راوول كاسترو أدرك باكراً ضرورة تأمين استمرارية السلطة، وفقاً للمسار الذي خطه هو، بدعم من فيدل، من مرحلة التشبث في كل الملفات الأساسية إلى مرحلة الانفتاح الديني والسياسي في كل الملفات. وفي لحظة مؤاتية، قام راوول بإزاحة خوسيه رامون ماتشادو فنتورا، من منصبه كنائب للرئيس الكوبي في عام 2013، لعاملين أساسيين: كبر سنّ فنتورا (87 عاماً) الذي كان من أبرز قياديي الثورة الكوبية، وثانياً بدء مرحلة الاتصال مع الأميركيين، مع ما تستلزم من تحولات هيكلية وسياسية مواكبة، فعيّن ميغيل دياز ـ كانيل (56 عاماً)، نائباً للرئيس، ليتبوأ أرفع منصب لشخصية مولودة بعد الثورة.



مهندس الإلكترونيات دياز ـ كانيل ليس شخصية هامشية في كوبا، بل يُعدّ أحد الرموز المؤثرة في الحزب الشيوعي الكوبي، منذ عام 1997، كان عسكرياً في الجيش وفي منظمة "الشباب الشيوعي"، كما عمل وزيراً للتعليم العالي بين عامي 2009 و2012. لا يرغب راوول كاسترو في الاستمرار في رئاسة البلاد، والتي تسلّمها من شقيقه فيدل، عام 2006، لا بل سبق له أن أعلن في عام 2013، نيته ترك الحكم عام 2018، تحديداً في الانتخابات التشريعية التي ستجرى في فبراير/شباط من ذلك العام، والتي بموجبها سينتخب أعضاء البرلمان الـ612 الجدد، رئيساً جديداً للبلاد.

هنا يأتي دور دياز ـ كانيل، والذي يحظى بثقة من تبقى من جيل المؤسسين، كما أنه محبوب في الأوساط الشبابية، والتي ترى فيه نموذجاً مغايراً لـ"الآباء المؤسسين". تبقى أمامه مهمة أساسية: كسب ثقة قادة الجيش الكوبي، تحديداً في شأن العلاقات مع الأميركيين وغيرهم، في زمن الانفتاح. يساند كاسترو، ومعه فنتورا، دياز ـ كانيل في مهمته، قبل عام من الاستحقاق الانتخابي. وعدا الجيش، فإن على دياز ـ كانيل، التعامل مع "الرجل القوي" دبلوماسياً في كوبا: وزير الخارجية برونو رودريغيز باريّا، والذي يعود إليه الفضل في تعبيد طريق التفاهمات الكوبية من الولايات المتحدة إلى أوروبا. يتقدم دياز ـ كانيل خطوة واحدة في هذا السياق على باريّا: الجيش لا يثق بدبلوماسي براغماتي، مهما كان "قومياً" أو "وطنياً". ومن شأن عهد دياز ـ كانيل أن يكون "انتقالياً" بين جيلين، على أنه لن يتمكن من وضع خطط جديدة، أو استيلاد شعارات جديدة، أقلّه في الولاية الرئاسية الأولى التي تدوم خمس سنوات. وفي حال قُيّض له الظفر بولاية ثانية وأخيرة، فإنه سيتمكن من تنفيذ أفكاره الخاصة. لكن شخصاً مثله، أمضى ثلاثة عقود في الظلّ، لن يأتي سوى لتأمين ديمومة الثورة الكوبية.

دلالات

المساهمون