الفساد يضرب قطاع الدفاع الجزائري

الفساد يضرب قطاع الدفاع الجزائري

01 نوفمبر 2015
موازنات الدفاع والجيش لا تخضع لأية شفافية(فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -
عاد القطاع العسكري ليسيطر على المشهد في الجزائر، مع تصدّر موازنة وزارة الدفاع الجزائرية موازنات القطاعات الحكومية للعام الثالث على التوالي، على الرغم من الخسائر التي تكبّدتها البلاد بسبب تراجع أسعار النفط عالمياً. ويأتي ذلك بعد الصراعات التي شهدها الجيش، وخصوصاً جهاز الاستخبارات مع إقالة قائده محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق، والاتهامات التي وُجّهت بتدخّل العسكر في الحياة السياسية في البلاد.

وعلى الرغم من تخصيص الموازنة الأكبر لوزارة الدفاع، لكن تراجع عائدات البلاد من النفط، والتي أدت إلى خسارة الجزائر 50 مليار دولار أميركي من عائداتها منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، وإعلان سياسة التقشّف من الحكومة، أديا إلى تخفيض الإنفاق العسكري، إذ قررت الحكومة جعل هذا الإنفاق تسعة مليارات دولار أميركي في موازنة 2016، بعدما كان 12 مليار دولار في موازنة 2015. ولا يشمل هذا الخفض الصفقات العسكرية التي سبق أن وقّعتها الجزائر مع إيطاليا وألمانيا وروسيا وفرنسا لشراء أسلحة وعتاد عسكري ومنظومات دفاعية، تسعى الجزائر من خلالها إلى تجديد منظومتها العسكرية بعد عقد التسعينات الذي عاشت فيه الجزائر حظراً عسكرياً دولياً على الأسلحة بسبب الأزمة الأمنية التي كانت تمر بها في تلك الفترة.

لكن انتقادات داخلية وخارجية غالباً ما تثار، ليس ضد توجّه الجزائر نحو الزيادة المستمرة في الإنفاق العسكري فقط، لكن ضد استثناء موازنات الجيش والدفاع من الرقابة البرلمانية والتدقيق المالي. وفي وقت سابق وُجهت انتقادات من قبل نواب المعارضة والمنظمات المدنية المهتمة بالرقابة على المال العام، للحكومة بسبب عدم مثول الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع (باعتبار الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة هو وزير الدفاع) أمام البرلمان، سواء أمام لجنة المالية أو في الجلسة العامة لمناقشة الموازنة السنوية، أو الرد على أسئلة النواب ذات الصلة بالدفاع والجيش. كما تستفرد موازنة الجيش وحدها بامتياز عدم مناقشتها في البرلمان.

آخر تقرير أصدرته منظمة الشفافية الدولية يخص مؤشرات الفساد في قطاع الدفاع والجيش، صنّف الجزائر في قائمة الدول الأكثر عرضة للفساد في قطاع الأمن والدفاع، ضمن مجموعة من الدول العربية. واعتبر تقرير المنظمة حول مؤشر الفساد وتسيير موازنات الدفاع والجيش، أن الجزائر بحاجة إلى إجراء إصلاحات جدية تخص القطاع الأمني بشكل عاجل، وزيادة أدوات الرقابة على تسيير هذه القطاعات، وتفعيل أدوات الرقابة المؤسسية والمساءلة. كما أشار التقرير إلى أنه "ليس هناك أرقام دقيقة معروفة تخص الدفاع والأمن بسبب سياسات السرية والتكتم التي تنتهجها الجزائر في كل ما يخص قضايا الأمن والدفاع وتسيير هذه المجالات الحيوية".

اقرأ أيضاً: بوتفليقة:التغييرات بجهاز المخابرات تأتي ضمن هيكل تنظيمي تمّ وضعه

واعتبر التقرير أن أصل الفساد في المؤسسة العسكرية في الجزائر بدأ مع "تحرير الاقتصاد في العام 1994، النخب الجزائرية، بما في ذلك أجزاء كبيرة من القيادات العسكرية العليا، وكانت قادرة على احتكار قطاعات الاقتصاد الجزائري بما في ذلك الأدوية والغذاء ومواد البناء، في غياب أية رقابة من منظمات المجتمع المدني أو التدقيق البرلماني حول هذه الأنشطة التي كانت تعود بدخل كبير، من دون أن تخضع مصادر الدخل والأرباح هذه لأية مراجعة".

وأكد التقرير أن "قانون مكافحة الفساد في العام 2006، الذي يحظر تلقي الرشوة والهدايا، وتضارب المصالح، والإثراء غير المشروع، وينطبق على جميع الموظفين المدنيين والعسكريين، ولكن لا يوجد دليل على أنه قد سبق تطبيقها على مسؤولي وزارة الدفاع". ووضع التقرير الجزائر ضمن الدول التي لا تخضع موازنات الدفاع والجيش فيها لأية شفافية أو رقابة برلمانية تسمح بالتدقيق في الإنفاق على الدفاع الذي بلغت موازنته، حسب التقرير، 20 مليار دولار في العام 2014.

وسلّط التقرير الضوء على ما يعتبره انعدام الشفافية وقلّة الانفتاح على المجتمع المدني، لافتاً إلى أنه "منذ العام 1998، واصلت الحكومة الجزائرية سياسة الاتصال وغلق منافذ الوصول إلى المعلومة، والتي تشكّل الهاجس الأكبر لدى وسائل الإعلام الجزائرية، ما جعل الموقف السائد، هو السرية في السياسة وغياب التواصل والشفافية من جانب السلطات".

واعتبر تقرير المنظمة أن طريقة الترقيات في المؤسسة الأمنية والعسكرية، تُعدّ من أبرز مظاهر الفساد، مشيراً إلى أنه "وجد دليلاً على أن اختيار وترقية الأفراد في كثير من الأحيان على أساس ولائهم وطاعة من هم في السلطة وليس لجدارتهم المهنية، ونظام التعيين في المستويات المتوسطة والعليا في كثير من الأحيان انحرف إلى طريق المحسوبية والولاء". وأوصى التقرير الحكومة الجزائرية "بإنشاء هيئة أو وكالة مستقلة تتولى مراقبة مؤسسات الدفاع والأمن وموظفيها، ووضع نظام تعيين مستقل وشفاف وموضوعي لاختيار الأفراد العسكريين في المستوى المتوسط وكبار القيادات"، مشيراً إلى حاجة الجزائر لاتخاذ خطوات جدية للحد من مخاطر الفساد وبناء النزاهة والشفافية في تسيير موازنات الجيش والأمن.

ويعتقد مراقبون أن تداعيات إقالة بوتفليقة لقائد جهاز الاستخبارات الجنرال توفيق، وتقلّص نفوذ الجهاز الأمني، وانكسار عقدة الخوف الإعلامية والسياسية إزاء مناقشة قضايا تخص الأمن والاستخبارات والجيش، قد تفتح الباب هذه المرة أمام طرح مسألة التدقيق في موازنة الجيش والإنفاق العسكري العام.

اقرأ أيضاً: جنرالات الجزائر في مهبّ الملاحقة والاعتقال