استقالة ظريف بعيون غربية... صراع الداخل والاتفاق النووي

استقالة ظريف بعيون غربية... صراع الداخل والاتفاق النووي

27 فبراير 2019
تعرّض ظريف لضغوط داخلية كبيرة (عطا كيناري/ فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من أنّ كامل التفاصيل المحيطة باستقالة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، ما زالت غير واضحة على نحو حاسم، إلا أنّ الكثير من التحليلات الدولية المبنية على رصد الواقع الإيراني، الخارجي والداخلي، انطلقت أمس الثلاثاء، محاولة عرض صورة تفسّر هذه الاستقالة وما يمكن أن ينتج عنها.

وفيما أبرز البعض أسفاً لاستقالة ظريف التي أعلنها عبر حسابه على تطبيق "إنستغرام" مساء الإثنين، كان البعض يحذر من خطر ما قد يحدث بعد رحيل ظريف، لا سيما بالنسبة لسياسات طهران وتحديداً ما يتعلّق بالاتفاق النووي، الذي زاد من غضب المتشددين في طهران ضدّ وزير خارجيتهم.

في موازاة ذلك توقف آخرون عند دلالات الاستقالة، خصوصاً لجهة توقيتها وكيفية إخراجها إلى العلن من قبل ظريف، وهو ما عزز بالنسبة للبعض مؤشرات وجود صراع داخل النظام، تحديداً بين المرشد علي خامنئي والرئيس حسن روحاني، ليكون ظريف أول وأبرز ضحية علنية لهذا الصراع. وما عزز هذا الاعتقاد أن توقيت إعلان ظريف لاستقالته جاء بعد ساعات من الكشف عن زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى طهران وما أظهرته الصور من دلالات عن وجود تعمد ليس فقط لاستبعاد ظريف من الاجتماعات مع الأسد، بل تعمد كذلك لاستبعاد روحاني عن اللقاء بين المرشد ورئيس النظام السوري، فيما كان قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، حاضراً في الاجتماعين.

ويتعزّز الاعتقاد بتصاعد الخلاف داخل مؤسسة الحكم في إيران بعد الرسائل التي حرص ظريف على إيصالها من خلال تصريحاته عقب الاستقالة. وتضاف إلى ذلك الرسائل التي حملتها المقابلة التي نشرتها صحيفة "جمهوري إسلامي" لظريف، أمس الثلاثاء، علماً أنها أجرتها معه سابقاً، وركز فيها على أن الصراع بين الأحزاب والفصائل في إيران له تأثير "السم القاتل" على السياسة الخارجية.

وقال ظريف في المقابلة "يتعين علينا أولا أن نبعد سياستنا الخارجية عن قضية صراع الأحزاب والفصائل... السم القاتل بالنسبة للسياسة الخارجية هو أن تصبح قضية صراع أحزاب وفصائل". ومما قاله ظريف في المقابلة أيضاً "لماذا تنددون برئيس الشعب المنتخب وبالسياسة الخارجية بدلاً من التنديد بترامب؟‭‭ ‬‬تُرى أي نتيجة قد تنجم عن هذا؟ النتيجة هي أن الشعب سيفقد الأمل في المستقبل".

وفيما كانت الاستقالة وردود الفعل الداخلية عليها تعكس مدى حالة الإرباك داخل إيران، لم تتأخر كل من واشنطن وتل أبيب في الإعلان عن رضاهما عما آلت إليه الأوضاع السياسية والخلافات في طهران. ففيما اعتبر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، أنّ نظيره الإيراني "واجهة لمافيا دينية فاسدة"، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يعبّر عن ارتياحه لاستقالة مهندس الاتفاق النووي بين إيران والغرب عام 2015 الذي تعارضه إسرائيل بشدة.

وغداة إعلان ظريف استقالته، قال بومبيو أول من أمس الإثنين إنّه "أخذ علماً" باستقالة نظيره الإيراني. وقال بومبيو في تغريدة على حسابه في تويتر "سنرى ما إذا كانت هذه (الاستقالة) ستصمد"، مضيفاً "في كلتا الحالتين، فإنّه (ظريف) وحسن روحاني ما هما إلا واجهتان لمافيا دينية فاسدة. نحن نعرف أنّ (المرشد الأعلى علي) خامنئي هو صاحب كل القرارات النهائية". وتابع بومبيو في تغريدته الطويلة "سياستنا لم تتغير. يجب على النظام أن يتصرّف كبلد طبيعي وأن يحترم شعبه".

بدوره، عبر نتنياهو، أمس الثلاثاء، عن ارتياحه لاستقالة ظريف المفاجئة. وقال "لقد رحل ظريف، هذا مصدر ارتياح"، في إشارة إلى مهندس الاتفاق النووي. وأضاف "طالما أنا موجود، إيران لن تمتلك السلاح النووي أبداً".

وإلى جانب التصريحات الدولية، احتلّت استقالة ظريف عناوين مختلف الصحف العالمية. وقالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، إنّ ظريف كان دائماً موضع شكّ من قبل الغرب على الرغم من لباقته وبراعته الدبلوماسية، لكنّها أضافت أنّ وزير الخارجية الإيراني كان أكثر تشككاً من قبل الراديكاليين في بلده الذين ما انفكوا يهاجمونه، خصوصاً بعد انسحاب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي. واعتبرت الصحيفة أنّ لا شيء أصاب ظريف بقدر ما أصابته انتكاسة الاتفاق النووي الذي يعدّ إنجازه الأساسي.

وعلى مدى ما يقرب من عشرين عاماً، كان ظريف البالغ من العمر 59 عاماً، منذ توليه منصب نائب وزير الخارجية، ثم سفير إيران في الأمم المتحدة، وأخيراً كوزير للخارجية، يؤدي دوراً مركزياً في محاولات إيران الرامية إلى إقامة تسوية مع الغرب.

 

وقالت مجلة "فورين بوليسي" إنه بالنسبة للعديد من الدبلوماسيين الأميركيين الذين تعاملوا مع ظريف ويعرفون تاريخه، فإنّ رحليه عن المشهد هو إشارة مؤلمة إلى أنه بعد عام تقريباً من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي وما تخلله ذلك من تبادل الاتهامات والتهديدات إلى جانب العقوبات الأميركية على طهران، "فإنّ العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران على وشك أن تأخذ منعطفاً دراماتيكياً نحو الأسوأ".

ونقلت الصحيفة عن جيمس دوبينز، الدبلوماسي الأميركي السابق الذي عمل عن كثب مع ظريف في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في الأمم المتحدة، قوله إنه "إذا حدث ذلك (الاستقالة)، فسوف نواجه أزمة جديدة في المنطقة. إنه دبلوماسي ماهر ومحاور موثوق به. وللأسف ليس هذا ما كانت تبحث عنه الإدارة الأميركية الحالية. رحيله ليس إشارة جيدة".

ويوافق دبلوماسيون آخرون ممن كانوا متشككين في الاتفاق النووي الإيراني على أنّ استقالة ظريف قد تشير إلى نهاية لموقف طهران بالالتزام بالاتفاق النووي.

وفيما كان الاتفاق النووي النقطة الأهم في مهنة ظريف الدبلوماسية، فإنه ربما كان أيضاً بداية النهاية بالنسبة له، لأنه عندما انسحب ترامب العام الماضي من الاتفاق، بدا ذلك إشارة أخرى إلى المتشددين داخل إيران، المعارضين للاتفاق مع الأميركيين، بأنّ الغرب لا يمكن الوثوق به أبداً، موجهين اللوم إلى ظريف ومفرغين غضبهم اتجاهه، إلى حدّ وصف بعضهم له بـ"ظريف الأميركي".

من جهتها، كتبت صحيفة "غارديان" البريطانية أنّ استقالة ظريف تعني خسارة أحد كبار المؤيدين للمفاوضات الأميركية الإيرانية لأنه كان المفاوض الرئيسي لإيران في الاتفاق النووي، وأنه إذا قبلت استقالته فسيكون ذلك بمثابة مسمار كبير آخر في نعش الاتفاق الذي أوشك على النهاية. وقالت الصحيفة إنّ رحيل هذا الحليف الوثيق لرئيس الجمهورية حسن روحاني في وقت من الضغوط السياسية المكثفة سيكون ضربة قوية.

وقال جمال عبدي، رئيس المجلس الوطني الإيراني الأميركي، وهو مجموعة مناصرة للدبلوماسية، للصحيفة البريطانية، إنّ "استقالة ظريف هي نعمة للقوى المتشددة الراديكالية في طهران التي تعارض الاتفاق النووي والمزيد من الارتباط بالغرب. وقد تكون خطة ترامب الرامية إلى انهيار الاتفاق النووي في الواقع تهدف إلى تمكين المتطرفين في إيران".

أما "واشنطن بوست"، فقد نقلت عن مايكل سينغ، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، تعليقه على استقالة ظريف، بالقول إنها ليست مفاجئة، لأنّ السياسات التي ناصرها لم تعد مواتية منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الإيراني. وأضاف أن المرشد الأعلى الإيراني كان منتقداً للغاية للاتفاق النووي وللتواصل مع الغرب بعد الانسحاب الأميركي وكان ظريف وجهاً لهذا الاتفاق وللتواصل مع الغرب.

وأشار الباحث الأميركي إلى أن استقالة ظريف قد تكون لها علاقة بقضايا داخلية وليس خارجية، لأنه لا توجد احتمالات كبيرة للتفاوض على البرنامج النووي الإيراني أو على القضايا التي تقلق الأوروبيين والأميركيين. ولفت إلى أن روحاني كان في حالة صراع سلطة مع المتشددين في الحكومة وربما يكون ظريف الضحية.

وعلى عكس النظرة المتشائمة، فقد نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن محللين سياسيين تابعوا مسار الاتفاق النووي قولهم إنّ استقالة ظريف، إذا قبلت، لا تشير بالضرورة إلى نهاية الاتفاق النووي. وفي الإطار، قال كليف كوبشان، رئيس مجموعة أوراسيا، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر السياسية مقرها واشنطن: "لا يزال من المرجح جداً أن تنتظر إيران انتهاء فترة ولاية ترامب الأولى، مع أملها بأن يخفق في الحصول على ولاية جديدة، لتشترك لاحقاً مع خلف ديمقراطي له لاستئناف المشاركة الأميركية في الاتفاق النووي". وأضاف كوبشان "لكن إيران بدون ظريف ستواجه طريقاً صخرياً في السياسة الخارجية. فظريف وجه مبتسم للعالم، وسحر العديد من المحاورين. سيكون من الصعب للغاية على الجمهورية الإسلامية أن تجد خلفاً ماهراً له".