مصر: تطمينات الحكومة والحملات الأمنية تفشل باحتواء هلع كورونا

مصر: تطمينات الحكومة والحملات الأمنية تفشل باحتواء هلع كورونا

16 مارس 2020
توقعات حكومية بتراجع السياحة (فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من التدابير التي اتخذتها الحكومة المصرية والأجهزة السيادية والأمنية لمنع إصابة المواطنين بحالةٍ من الذعر بسبب قرار تعطيل الدراسة لمدة أسبوعين لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد، إلا أن الهلع سيطر على الشارع المصري بعد دقائق من إصدار القرار، مساء أول من أمس السبت. واكتظت المجمّعات التجارية ومحال السلع الغذائية في المدن المصرية بالزبائن الراغبين في تخزينها تحسباً لتعطل الإنتاج أو تقليله، وباءت بالفشل محاولات الحكومة للتطمين وتأكيد تحكّمها الكامل وفرض رقابتها في الأسواق.

وجاءت قرارات الحكومة المصرية بعد اكتشاف سبع حالات إصابة مؤكدة في خمس مدارس في القاهرة والجيزة والإسكندرية والدقهلية، والاشتباه في نحو 20 حالة أخرى بين الطلاب في محافظات مصرية مختلفة. وساهم في حالة الذعر خروج حملة أمنية مبكرة بعد ساعات من إصدار القرار، استهدفت مراكز الدروس الخصوصية في مختلف مناطق القاهرة الكبرى ومحافظات الدلتا، ما أعطى للرأي العام انطباعاً بأن هناك وضعاً غير معهود من الارتباك في التعامل مع الموقف، حاولت الشرطة تلافيه، أمس الأحد، من خلال تكثيف وجودها في الشوارع والطرق الرئيسية وتسيير دوريات في المناطق الفقيرة والشعبية، للتأكيد على بسط السيطرة.

وقالت مصادر حكومية في مجلس الوزراء لـ"العربي الجديد"، إن وزير المالية محمد معيط عرض على الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي مؤشرات "سلبية للغاية" لوضع الخزانة والمصارف والأسواق حالياً، في ظل توقعات بتراجع السياحة ووقف رحلات الطيران مع العديد من الدول الرئيسية المصدرة للسياحة، وفي الوقت نفسه توقف استيراد السلع الأساسية والكماليات من الصين وبعض دول أوروبا لأسابيع.

وأضافت المصادر أن التقديرات العامة للوزارات المعنية بتوفير السلع الأساسية والرقابة على الأسواق، هي أن الأزمة الحالية ستتسبب في زيادة الأسعار بنسبة قد تصل إلى 30 في المائة خلال شهرين، إذا لم تستطع الدولة توفير مصادر جديدة ومستدامة لبعض السلع، كالقمح والأرز والذرة والفول والبصل والثوم.

وأوضحت المصادر أن السيسي أمر جهاز الاستخبارات العامة بفرض تعتيمٍ إعلامي كامل على مناقشة مثل هذه المواضيع، تلافياً لزيادة التوتر في الشارع، وأن توجيهاته، الصادرة السبت، بزيادة العلاوة الدورية ورفع حد الإعفاء الضريبي كانت تستهدف بالأساس تخفيف هذه الحالة وإشعار المواطنين بأن الدولة تساندهم. لكن هذا الهدف لم يتحقق نتيجة الاهتمام الزائد بتبعات قرار تعطيل الدراسة، خصوصاً أنه اتضح عدم دراسة القرار من كل جوانبه قبل إعلانه، لا سيما في ما يخص المعلمين والإداريين بالمدارس، والموظفين والأكاديميين في الجامعات.

وذكرت المصادر أن مسألة الاكتفاء بتعطيل الجامعات والمدارس أسبوعين فقط، بدأت تشكل منذ الآن مشكلة في مجلس الوزراء بين وزير التعليم طارق شوقي ووزيرة الصحة هالة زايد. وتدفع الأخيرة بمساندة بعض الشخصيات القريبة من مدير الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، في اتجاه استمرار تعطيل الدراسة وإلغاء ما تبقّى من العام الدراسي، الأمر الذي يرفضه شوقي، الذي يقع في الوقت نفسه تحت ضغوط مستمرة من أصحاب المدارس الخاصة لإلغاء العام الدراسي، أو تحديد بدائل طويلة الأجل تضمن عدم حضور الطلاب إلى المدارس. وهنا يجد وزير التعليم نفسه في مأزق حقيقي، لأن البيئة الإلكترونية التي كان قد أعلن إعدادها منذ العام الدراسي الماضي لتجريبها في إجراء الامتحانات، لن تستطيع تحمل التشغيل بشكل كامل على مستوى كل الصفوف الدراسية، ما يعني أنه لا يمكن الرهان بالكامل على مقترح استئناف الدراسة عبر الإنترنت "أونلاين".


وفي سياق التدابير الحكومية أيضاً، صدر، أمس الأحد، قراران بتعطيل العمل في مجلس الدولة كلياً، ومحكمة النقض جزئياً، لمدة أسبوعين، لتخفيف الوجود في المحاكم المختلفة. من جهته، عقد وزير العدل عمر مروان اجتماعات مكثفة مع مساعديه لشؤون المحاكم والشهر العقاري لبحث إمكانية تعليق العمل في المحاكم الجزئية والأسرية والاقتصادية أيضاً، على ضوء صعوبة تعطيل المرفق القضائي بالكامل، ووجود مطالبات في أوساط النيابة العامة والمحاكم الابتدائية بتأجيل جلسات التحقيق وغرف المشورة وتقسيم العمل لتقليل عدد الموجودين في مكان واحد لفترات طويلة.

وداخل القوات المسلحة، علمت "العربي الجديد" أن بعض القطاعات تلقت تعليمات بمنع العطل لوقف الاحتكاك بين المجندين والضباط وأسرهم تحسباً لنقل العدوى، مع الاستعانة بفرق الحرب الكيميائية لتطهير كل المنشآت العسكرية على مدار الأسبوع ووفق جدول صارم تمّ وضعه لهذا الغرض، بالتنسيق مع الحكومة التي ستستعين أيضاً بالفرق ذاتها لتطهير المدارس والمحاكم خلال فترة التعليق.

وكانت "العربي الجديد" قد كشفت، السبت، أن الرئاسة المصرية طلبت من الاستخبارات العامة والأمن الوطني والوزارات المختلفة تقارير عن رؤيتها وتقييمها للأوضاع الحالية في البلاد، في ظل اتساع رقعة الاشتباه في الإصابات بفيروس كورونا المستجد بعدما تم الإعلان رسمياً عن عزل مدرسة في حي الزمالك الراقي، وسط القاهرة، بجميع طلابها والعاملين فيها، ذاتياً، بعد إصابة أحد الطلاب وولي أمره نتيجة مخالطة الأخير لأحد السائحين الأجانب المصابين بالفيروس، ثم إصابة ستة طلاب آخرين.

وقال مصدر في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد"، إن الوزارة أوصت في تقرير رفعته للرئاسة والاستخبارات العامة، أول من أمس، بضرورة تعليق الدراسة في المدارس والجامعات على مستوى الجمهورية، أياً كان الثمن وأياً كانت اعتبارات الجهات السيادية والأمنية. ويأتي ذلك نظراً لوجود مؤشرات عدة على ارتفاع نسبة المصابين، سواء الذين ستظهر عليهم أعراض المرض أو من يحملونه من دون دراية وبلا ظهور أعراض، بسبب اختراق الفيروس لمجتمعات جديدة ومختلطة ويصعب حصرها بطرق التقصي الوبائي التقليدية وحتى المعمقة التي تنفذها الوزارة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية.

وحذرت الوزارة في التقرير من تسجيل حالات إصابة قد تصل إلى ألف شخص على مستوى الجمهورية خلال الشهر الحالي، إذا لم يتم وقف الدراسة بالتوازي مع تشديد إجراءات الحجر الصحي على جميع القادمين من خارج البلاد، خصوصاً العابرين بمطارات أوروبية وآسيوية.

وبحسب المصدر، فإن الوزارة أيضاً أبدت قلقها الشديد من انتشار الفيروس في قرى الدلتا، وتحديداً في محافظات الدقهلية والقليوبية ودمياط وكفر الشيخ، نتيجة انتشار ظاهرة الهجرة للعمل في أوروبا في تلك المحافظات، خصوصاً في إيطاليا واليونان. وفي هذا الخصوص، تبيّن عودة أكثر من 400 مصري في تلك المحافظات إلى وطنهم خلال الشهر الماضي، خوفاً من انتشار الوباء في أوروبا، الأمر الذي يعزز فرص حملهم للفيروس حتى من دون ظهور أعراض عليهم، لا سيما بعد حالة الوفاة التي راحت ضحيتها سيدة في الـ60 من عمرها بإحدى قرى مركز بلقاس بالدقهلية، السبت، حيث تبين أنها خالطت زوجة مصري كان يعمل في إيطاليا وتوفي هناك وجيء بجثمانه ليدفن في مصر.

وسبق أن قالت مصادر حكومية إن العطلة التي منحتها الدولة للقطاعين العام والخاص، الخميس الماضي، بحجة الأحوال الجوية السيئة، جاءت على سبيل تجريب الوضع الاجتماعي والإعلامي تمهيداً لاتخاذ قرار بتعطيل الدراسة وبعض الأعمال والمرافق بسبب كورونا.