تحديات استرجاع سرت: خلافات على السيطرة وتسرّب "داعش" خارجها

تحديات استرجاع سرت: خلافات على السيطرة وتسرّب "داعش" خارجها

29 نوفمبر 2016
استياء بصفوف القوات المقاتلة بسبب تأخير الحسم(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تعود الأنظار إلى مدينة سرت الليبية مع توجّه قوات موالية لحكومة الوفاق الليبية، لحسم المعركة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ودحره عن المدينة بشكل كامل خلال فترة قصيرة، ليطرح ذلك تساؤلات حول مرحلة ما بعد التنظيم في ليبيا. وانطلقت معركة تحرير سرت في شهر مايو/ أيار الماضي، وحققت القوات المشاركة فيها تقدّماً سريعاً في بدايتها على حساب التنظيم، قبل أن يتوقف هذا التقدّم بشكل مفاجئ خلال الفترة الأخيرة، لتظهر خلافات وتحديات جديدة على الساحة. وفي ظل الانقسامات السياسية والعسكرية التي تشهدها الساحة الليبية، تبرز مخاوف من أن تنعكس خلافات ومواجهات في مرحلة ما بعد تحرير سرت، في ظل تنوّع انتماءات الكتائب المقاتلة في المدينة، وظهور خلافات بينها حول أحقيتها في السيطرة على المناطق المحررة، والثمن الذي ستحصل عليه في طرابلس جراء قتالها في سرت. كذلك يطرح تحرير المدينة، تساؤلات عن عناصر "داعش" الذين اختفوا منها، بعدما كان الحديث في بداية الحملة العسكرية عن وجود نحو 6 آلاف مقاتل من التنظيم، وسط تخوّف من انتقالهم لمناطق ليبية أخرى. ولا يُخفى كذلك التخوّف من اشتباكات بين بعض هذه الكتائب والقوات الموالية لـ"عملية الكرامة" التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والتي لا تبعد كثيراً عن سرت.

هذه التساؤلات طرحها إعلان قوات موالية للمجلس الرئاسي الليبي، إعدادها لمعركة نهائية لتحرير سرت خلال الساعات المقبلة. وقال المتحدث باسم عملية "البنيان المرصوص" التابعة للمجلس الرئاسي، محمد الغصري، إن "استعادة مدينة سرت ستكون قريبة جداً ولعلها خلال ساعات، ولن تتجاوز اليومين على الأكثر"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "داعش لم يعد يسيطر سوى على أربعين منزلاً على الأكثر في حي الجيزة البحرية الذي باتت أغلب أجزائه خاضعة لسيطرة قوات الرئاسي". ولفت إلى أنه "لم يتبقَ سوى بضعة مقاتلين للتنظيم يقاومون بشراسة، وهو مؤشر على نهايتهم القريبة".
لكن الغصري أوضح أن "عناصر داعش لديهم قدرات قتالية عالية، كما أن استراتيجياتهم الأخيرة في استخدام الأنفاق والدروع البشرية واستثمار المباني المنهارة جراء القصف للتنقل والاختباء، تُنبئ بعدم استسلام التنظيم"، مرجحاً أن يكون "داعش" قد جهز له مكاناً آخر في ليبيا وربما على الحدود الجنوبية التي تربط البلاد مع دول الجوار. وتساءل الغصري: "المجلس الرئاسي لم يوضح حتى الآن رؤيته بشأن سرت بعد المعركة، كما لم نره يتحدث عن الإرهاب خارج المدينة، فماذا سيفعل؟"، مضيفاً: "سنسائله عن عدم وفائه بوعوده حول جرحانا الذين يصارع بعضهم الموت".


من جهته، أوضح عيسى فتوح، أحد عناصر قوات "البنيان المرصوص"، أن "المسافة تضاءلت بيننا وبين عناصر داعش، حتى أننا نسمع بعضنا ونفاوضهم مباشرة من دون مكبرات صوت ونميز لهجاتهم التونسية والمصرية والأفريقية". لكنه عبّر عن امتعاضه قائلاً: "لم يعد هناك من مدنيين في المنطقة التي يسيطر عليها التنظيم، فلماذا تأجيل إنهاء المعركة؟"، معتبراً أن "هناك مستفيدين من استمرارها من دون سبب حقيقي، ولم تعد تقنعنا أقوال الضباط عن وجود خطط عسكرية". وأضاف فتوح: "نفاجأ ببعض الأخبار غير الصادقة، ومنها أن الطيران الدولي نفذ 25 غارة قبل أيام، فكيف يُعقل أن تنفذ الطائرات هذا العدد الكبير من الغارات في رقعة لا يتجاوز عدد المنازل فيها 40 منزلاً؟".

ونقل فتوح استياءً كبيراً بين الجنود في محاور القتال بسبب كثرة القتلى والمصابين، قائلاً: "كلما طال الأمد فقدنا زملاء لنا من دون سبب مقنع لهذا التأخير، فيمكن حسم باقي الجيزة في خلال ساعتين فقط، وزملاؤنا مستاؤون جداً، كما أن أغلب الكتائب تعالت أصواتها بالسؤال عن أسباب تأخير الحسم". وعن هذه التساؤلات، قال قيادي في إحدى الكتائب المقاتلة، فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن "هناك حسابات كثيرة يجب حسمها قبل نهاية المعركة، فلم يعد حسم وجود تنظيم داعش هاجس القادة"، لافتاً إلى أن الخلافات بدأت تدب بين قادة ومسلحي كتائب "البنيان المرصوص" حول أحقيتها في السيطرة على مواقع المدينة العسكرية، كما أن البعض الآخر يتساءل عن حصته في طرابلس مقابل خدماته التي قدّمها في سرت.

وأضاف القيادي في حديث لـ"العربي الجديد": "كتائب المدينة اصطدمت مرتين مع كتائب أخرى آتية من خارجها على خلفية مشاركتها في عضوية مجلس عسكري لقيادة المدينة بعد انتهاء المعركة"، مشيراً إلى أن "مسؤولي المجلس الرئاسي يحاولون حل الخلاف، لكن ماذا يحدث لو انتهت المعركة وهذه الخلافات قائمة والسلاح بيد الجميع؟". وتحدث عن أسباب أخرى تتعلق بخلفيات أيديولوجية لبعض الكتائب السلفية التي تطالب بقتل كل أسرى "داعش"، كما طالبت أكثر من مرة بعدم مشاركة طيران دول أجنبية تصفها بـ"الصليبية" في المعركة ورفضت الانصياع لأوامر قيادة المعركة بسبب ذلك. ولفت إلى أن "بعض الكتائب متصلبة في موقفها من الحراك العسكري لخليفة حفتر"، مشيراً إلى أن "نهاية معركة سرت تعني توجّه بعضها للصدام مع قوات حفتر في الهلال النفطي القريب جداً من سرت، ما يعني وقوع حرب أهلية"، كاشفاً أن "منع مثل هذا الصدام هو محل نقاش حتى الآن".

وعلى الرغم من أن خسارة سرت ستُشكل هزيمة كبيرة لتنظيم "داعش" الذي فقد الكثير من مواقعه في العراق وسورية، إلا أن قادة معركة "البنيان المرصوص" لم يُخفوا هواجسهم من انتقال الكثير من مقاتلي التنظيم من سرت إلى مناطق أخرى في ليبيا، إذ أكدت تصريحات قادة العملية أكثر من مرة تعرض صفوفها الخلفية لهجمات من مقاتلي "داعش" قادمين من الجنوب الليبي.

كما تُطرح تساؤلات عن مصير نحو 5 آلاف مقاتل تابعين لـ"داعش" في سرت، إذ أكد مسؤولون غربيون خلال الأشهر الماضية أن عدد عناصر التنظيم في سرت تراوح ما بين 5 إلى 6 آلاف مقاتل، بينما يؤكد قادة "البينان المرصوص" أن قتلى "داعش" والأسرى منه لم يتجاوز عددهم الألف. وفي ظل دعوات زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي لمقاتليه للتوجّه إلى ليبيا "لنصرة إخوانهم المجاهدين"، تزايدت الأسئلة حول الاتجاه الجديد للتنظيم، فهل سيكون نحو مدن ليبية أم باتجاه دول الجوار، وتحديداً تونس والجزائر؟ ونقلت مصادر مقربة من المجلس الرئاسي في وقت سابق، أن الأخير سيتقدّم بطلب للأميركيين لتوسيع ضرباتهم الجوية لملاحقة العناصر الفارة من سرت، لكن قادة عملية "البنيان المرصوص" أكدوا أكثر من مرة عدم مشاركتهم في حرب جديدة، معتبرين أن مدينة مصراته، المكوّن الأكبر لعناصر عملية "البنيان المرصوص"، لا يمكنها الزج بأبنائها في أتون حرب جديدة، بعد أن فقدت 660 مقاتلاً من أبنائها ونحو ثلاثة آلاف جريح.