لقاء أردوغان وبوتين: تركيا مستفيدة سوريّاً واقتصادياً بلا تحالف

لقاء أردوغان وبوتين: تركيا مستفيدة سوريّاً واقتصادياً بلا تحالف

11 اغسطس 2016
للتعاون التركي الروسي تبعات على الداخل السوري(ألكساندر نيمنوف/فرانس برس)
+ الخط -
نجحت الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم الاثنين الماضي، إلى مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، بإعادة تطبيع العلاقات بين موسكو وأنقرة، بما يتحاوز التنسيق في الشأن الاقتصادي، نحو مزيد من التفاهمات حول القضايا الإقليمية، لا سيما الأزمة السورية، مع أن الخلافات بين الجانبين لا تزال واسعة. وحقق الأتراك تقريباً جميع أهدافهم من الزيارة: فقد تم الاتفاق على تسريع خطوات إعادة تطبيع العلاقات الاقتصادية على مختلف الأصعدة، بما يعيدها إلى مستويات ما قبل اندلاع الأزمة بين البلدين إثر إسقاط سلاح الجو التركي لمقاتلة روسية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي؛ ونجح الطرفان بإحراز بعض التقدم على مستوى التعاون الاستخباراتي والعسكري في سورية؛ وشكلت الزيارة وسيلة لزيادة الضغوطات التركية على الغرب في سبيل الحصول على مزيد من التعاون على عدة مستويات، سواء في ما يخص إعفاء المواطنين الأتراك من تأشيرة الدخول إلى دول الاتحاد الأوروبي والحفاظ على اتفاقية اللاجئين، أو في ما يتعلق بتعزيز تعاون حلف شمال الأطلسي مع أنقرة في المشاريع الدفاعية، تحديداً تلك المتعلقة بسعي تركيا لامتلاك وتصنيع نظام دفاعي صاروخي.

ويبدو أن الزيارة ساهمت في إعادة ترتيب العلاقات التركية الروسية على أساس مبدأ فصل الملفات. وأجرى الرئيس التركي ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، اجتماعان منفصلان، تناول الأول العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتعاون في حل مشاكل القوقاز. أما الاجتماع الثاني المصغر، فقد تناول بشكل أساسي الملف السوري.

الملف الاقتصادي
وسادت لغة الارتياح على المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيسان في سانت بطرسبورغ. وغلبت لغة المصالح المشتركة والحرص على فتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما. وقال بوتين: "أجريت محادثة موضوعية، وأود التشديد على أنها كانت بنّاءة حول الطيف الكامل من العلاقات الثنائية، وأيضاً الأجندة الدولية (...) نحن والأصدقاء الأتراك سنتغلب على هذه الصعاب من أجل مواطنينا، فهنالك مصالح سامية تتطلب استئناف العلاقات بين الدولتين"، عبر "رفع العقوبات الروسية على تركيا بشكل تدريجي"، لافتاً إلى أن "استئناف العلاقات بشكل كامل ضروري، وسنعمل عليه".

وإضافةً إلى تعزيز التعاون في القطاع السياحي، تم اتخاذ بعض الخطوات في ما يخص المشاريع المشتركة الكبرى في مجال الطاقة. ويتعلق الأمر تحديداً بإنشاء مفاعل "أك كويو" النووي في تركيا، ومشروع السيل التركي لنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، على الرغم من العقبات التي تعترضه من قبل الاتحاد الأوروبي.

أما أردوغان فقد أكد حرص بلاده على تطوير العلاقات بين موسكو أنقرة، عبر "فتح الطريق أمام النشاط الاقتصادي"، لافتاً إلى أن محادثاته مع بوتين "كانت مثمرة، وسنعيد الخطوط الجوية بين الدولتين ونلغي العقوبات الاقتصادية"، مشيراً إلى رغبة تركيا برفع التبادل التجاري بين الجانبين من 28 مليار دولار (قائم بشكل أساسي على واردات تركيا من الطاقة) العام الماضي، إلى مئة مليار دولار، مع أن هذا الهدف يبدو صعب المنال على الأقل خلال العقد المقبل.


الملف السوري
واستحوذ الملف السوري على حيّز مهم من محادثات بوتين وأردوغان. وأتت العملية العسكرية التي نفذتها المعارضة السورية في مدينة حلب وأسفرت عن تقدم كبير في المدينة، لتعزز الموقف التركي أثناء لقاء سانت بطرسبورغ. وتوصل الجانبان إلى نتيجة مفادها "استحالة تجاوز أي منهما الآخر في سورية"، وأن الحل العسكري أمر غير ممكن، الأمر الذي بدا واضحاً في تصريحات كل من بوتين وأردوغان. لكن نقاط التقاطع هذه، لم تبدد الخلافات الواسعة بين الجانبين في هذا الشأن، سواء لناحية مصير رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أو تركيب وفد الهيئة العليا للمفاوضات، التابعة للمعارضة.

وحقّق الجانبان خرقاً مهماً على مستوى التعاون الأمني والاستخباراتي في ما يخص الأزمة السورية، وهو الأمر الذي أكده وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، في تصريحات أدلى بها لوكالة الأناضول، يوم أمس الأربعاء، قائلاً: "في الماضي كانت لدينا آلية منفصلة للتعاون مع روسيا. الآن قمنا بجمع الاستخبارات ووزارة الخارجية والآلية العسكرية معاً"، مشيراً إلى زيارة مدير جهاز الاستخبارات التركي، حاقان فيدان، وممثلين عن القوات المسلحة إلى سانت بطرسبورغ، أمس، للمشاركة في اجتماعات أمنية بحضور وزيري خارجية روسيا وتركيا.

ويبدو أن التعاون الأمني سيعزز من دور الدول الإقليمية، خصوصاً تركيا والسعودية، كشريك لروسيا في الشمال السوري على حساب الإدارة الأميركية، بعد فشل موسكو وواشنطن، في وقت سابق، في التوصل إلى اتفاق حول ضرب "جبهة فتح الشام"، الأمر الذي أشار إليه جاووش أوغلو بالقول إن "المسؤولين الروس طالبوا نظراءهم الأتراك بتحديد النقاط التي لا يتوجب ضربها".

ومع أن المفاوضات لا تزال جارية، يشير مراقبون إلى أن التعاون الأمني التركي الروسي قد تكون له تبعات كبيرة على الداخل السوري، لناحية إمكانية التوصل لوقف إطلاق النار في مدينة حلب، يتيح إطلاق مفاوضات جنيف مجدداً وبالتالي إيقاف خطط المعارضة بتوسيع هجومها للسيطرة على المدينة. وهذا ما أشار إليه جاووش أوغلو حين قال "قد نكون مختلفين في الطريقة (المتبعة) للوصول إلى وقف إطلاق النار، وبالنسبة لنا نحن لا نريد رؤية هجمات تسبب الأذى للمدنيين، وباستثناء الهجوم على التنظيمات الإرهابية، لا نرى الهجوم على قوات المعارضة المعتدلة مناسباً، وكذلك لا نرى حصار حلب أمراً مناسباً".

ومن المرجح أن يكون للتعاون بين الجانبين تأثير على نفوذ حليف واشنطن الأهم في سورية، وعدو تركيا الأول، أي حزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني). ويشير مراقبون إلى أن المسؤولين الأتراك سيطلبون من نظرائهم الروس، أثناء الاجتماعات الأمنية، السماح للطيران التركي بالتدخل لدعم قوات المعارضة المتواجدة في جيب أعزاز، في معاركها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والتي لم تتلق الدعم الكافي من الطيران الأميركي، وكذلك لاستعادة المناطق التي سيطر عليها الاتحاد الديمقراطي في ريف حلب الشمالي بدعم روسي، مثل مدينة تل رفعت ومطار منغ العسكري. في هذا الصدد، من المتوقع أن تساهم الاتفاقات بإبعاد قوات النظام السوري عن الحدود التركية في شمال محافظة اللاذقية.

رسالة إلى الغرب
مهما تعزّز التعاون التركي الروسي، يبقى التحالف بين البلدين مستحيلاً. والسبب يتمثل بتشابك المصالح التركية الغربية على المستويين الاقتصادي والعسكري. وتجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى أن المسؤولين الأتراك استفادوا من نجاح عملية إعادة تطبيع العلاقات التركية الروسية لممارسة المزيد من الضغوط على الحلفاء الغربيين، الذين خذلوا أنقرة في أكثر من ملف وقضية: ردود فعلهم الفاترة حيال محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والمقاربة الأميركية للحل في سورية والتي اعتمدت التحالف مع جناح العمال الكردستاني، شأنها شأن مماطلة الأوروبيين في عملية انضمام تركيا للاتحاد، وفي تنفيذ التزاماتهم في إطار اتفاقية اللاجئين وإلغاء تأشيرة الدخول عن المواطنين الاتراك الراغبين في دخول فضاء شينغن، وكذلك الدعم الخجول الذي قدمه حلف شمال الأطلسي إلى أنقرة خلال أزمتها مع موسكو، وعدم مساعدة دول الحلف لتركيا في بناء نظام دفاع صاروخي، والضغط عليها للتراجع عن الاتفاق الذي كانت قد وقعته مع إحدى الشركات الصينية في هذا المجال، كلها عوامل أثارت استياءً تركيّاً من الغرب.

في هذا السياق، استبق الرئيس التركي زيارته موسكو، بتوجيه رسالة إلى الاتحاد الأوروبي عبر اللقاء الذي أجراه مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، الاثنين الماضي، بالتلويح مرة أخرى بإنهاء اتفاق إعادة اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، في حال لم يلتزم الأخير بما يترتب عليه، لا سيما مسألة "تأشيرة الدخول"، قائلاً إنه إذا "لم تتم تلبية طلباتنا، عندها لن تكون هناك أي إمكانية للاستمرار باتفاقية إعادة اللاجئين".

ولوح وزير الخارجية التركي، أمس الأربعاء، بسابقة في التاريخ التركي، تتمثل في إمكانية التعاون التركي الروسي في مجال الصناعات الدفاعية، قائلاً: "هناك دول تتعاون مع دول أخرى من خارج منطقة حلف شمال الأطلسي في ما يخص التصنيع الدفاعي، بما في ذلك تصنيع الصواريخ"، مضيفاً أن تركيا "سعت حتى اليوم للتعاون في هذا المجال مع الدول المنضوية في حلف شمال الأطلسي، لكن لم تصل إلى نتائج مطمئنة، ولذلك بحثنا عن بدائل هو أمر طبيعي للغاية، ونحن لا نرى ذلك خطوة ضد حلف شمال الأطلسي". وتابع جاووش أوغلو: "علينا أن نؤسس لنظامنا الدفاعي الخاص، وعلينا تطوير ذلك عبر التكنولوجيا الخاصة بنا وبالتعاون مع باقي الدول". وتابع "إنْ كان الغرب لن يقوم بذلك معنا، وإذا كنتم لا تساندوننا كحلفاء، ستكون تركيا مضطرة للبحث عن بدائل. نحن مضطرون لتطوير هذه التكنولوجيا لضمان أمننا".