ما أهداف الروس من مناورة الهدنة شمال غربي سورية؟

ما أهداف الروس من من مناورة هدنة في شمال غربي سورية؟

14 يونيو 2019
يسعى النظام لتجميع قواته من جبهات أخرى(جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
لم تتأخر قوات النظام السوري في خرق هدنة أعلنها الجانب الروسي، أول من أمس الأربعاء، في شمال غربي سورية، في محاولة لوأد أي مسعى لتبريد الجبهات، فيما تؤكد فصائل المعارضة السورية أن هذه الهدنة، المعلنة من طرف واحد، "حيلة" روسية جديدة تهدف إلى شق صفوف مقاتلي هذه الفصائل، وكسب الوقت لاستقدام تعزيزات إلى جبهة ريف حماة الشمالي، التي تعرضت فيها قوات النظام لهزائم متلاحقة في الأيام القليلة الماضية.

وشنّ الطيران الحربي التابع للنظام غارات، أمس الخميس، على خان شيخون، وكفرسجنة، وإحسم، في ريف إدلب الجنوبي، وقرية تل ملح غرب حماة. وقال ناشطون محليون إن مدنيين اثنين قتلا، أمس الخميس، وأصيبت امرأة في بلدة موقا القريبة من خان شيخون، من جراء قصف مدفعي استهدف المنطقة من جانب قوات النظام، المتمركزة في معسكر بريديج في ريف حماة الشمالي المتاخم لريف إدلب الجنوبي. وكانت موسكو أعلنت التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في ريفي إدلب وحماة، برعاية روسية وتركية، وهو ما سارعت أنقرة إلى نفيه. وقال رئيس مركز المصالحة الروسي في سورية الجنرال فيكتور كوبتشيشين، إنه تم التوصل إلى "اتفاق ينص على الوقف التام لإطلاق النار في كامل أراضي منطقة إدلب ابتداءً من منتصف ليلة 12 يونيو/ حزيران"، مشيراً إلى "تسجيل انخفاض كبير في القصف من قبل الفصائل في المنطقة بفعل الهدنة".

ونفى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان في أنقرة، التقارير التي تقول إن تركيا وروسيا توصلتا لاتفاق لوقف إطلاق النار في إدلب، لكنه قال إن البلدين شاركا في جهود "جادّة ومخلصة" لوقف العنف. وأكد لودريان من جهته، أن "الأولوية هي عودة الهدوء والاستقرار إلى إدلب". ودعا "النظام السوري والجهات الداعمة له إلى وقف الهجمات العشوائية على المدنيين في إدلب". وأضاف أن "إدلب منطقة في غاية الخطورة والوضع فيها متفجر، لذا من الضروري احترام وقف إطلاق النار بصرامة". وكان جاويش أوغلو بحث مع المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، أول من أمس، تطورات الوضع في سورية. وذكر جاويش أوغلو، في تغريدة نشرها أمس الخميس، أنه أبلغ بيدرسون "ضرورة حماية منطقة خفض التصعيد في إدلب وأهمية دفع العملية السياسية في سورية".



وكانت مصادر عدة في المعارضة العسكرية نفت علمها بوجود هدنة، وأكدت استمرار القتال، محذرة من "الحيل التي يتبعها النظام وروسيا لتعزيز صفوفهما، في ضوء التقدم الذي أحرزته الفصائل على حساب قوات النظام خلال الأيام الأخيرة"، معتبرة أن إعلان الهدنة من جانب واحد "خديعة روسية لتجميع القوات والاستعداد لشن هجمات جديدة" وفق المصادر. من جانبها، زعمت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام، أن فصائل المعارضة السورية "ترفض هدنة الأيام الثلاثة"، متهمة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) بخرقها من خلال قصف مناطق تحت سيطرة النظام. من جهته، أكد العقيد مصطفى البكور، قائد العمليات في جيش "العزة" أبرز فصائل "الجيش السوري الحر" في ريف حماة الشمالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يوجد أي هدنة"، موضحاً أن "القصف الجوي والمدفعي والصاروخي من جانب النظام لم يتوقف حتى الآن. تشتد وتيرته وتخف بين الفينة والأخرى". وأكد أن الطيران الروسي لم يوقف غاراته، موضحاً "الليلة الماضية (الأربعاء – الخميس) كان هناك 7 طائرات روسية دفعة واحدة فوق ريف حماة الشمالي".

وعن أسباب سعي الروس الواضح لإقرار هدنة في شمال غربي سورية، رأى البكور أن "العمليات خلف الخطوط والاستهداف اليومي لتجمعاتهم أنهكهم وأحبط معنويات عناصرهم، لذلك هم يسعون إلى هدنة لتحقيق أكثر من هدف". وعن أهداف روسيا من وراء الهدنة، أشار البكور إلى أن الروس والنظام يسعيان إلى "كسب الوقت لتجميع العناصر وسحبهم من جبهات أخرى، وتأمين وصولهم إلى جبهة ريف حماة الشمالي من دون أن يتعرضوا للاستهداف"، معرباً عن قناعته بأن روسيا، من خلال إعلان الهدنة، تهدف إلى "إحراج تركيا والغرب، بعد رفض الولايات المتحدة الأميركية عقد جلسة لمجلس الأمن، منذ أيام، لفرض هدنة". وتابع: "من الواضح أن روسيا تحاول شق صفوف الفصائل بعد توحّدها في غرفة العمليات المشتركة من خلال تأييد بعضها للهدنة ورفض بعضها الآخر لها، وهو أمر نجحت روسيا فيه سابقاً في العديد من المناطق". وقال إن "هناك هدفاً آخر للروس من وراء الهدنة، وهو الحصول على فرصة للتحصين وتجديد بنك الأهداف"، مشيراً إلى وجود "معلومات مؤكدة عن قيام الروس باستقدام وتجميع الآلاف من الحرس الثوري الإيراني وقوات النخبة في حزب الله وشركة المرتزقة الروسية فاغنر، إضافة إلى القوات الخاصة الروسية ومليشيات سهيل الحسن إلى ريف حماة الشمالي".

بموازاة كل ذلك، حاولت قوات النظام إفشال اتفاق الهدنة الذي أعلنته روسيا، بقصفها فجر أمس الخميس نقطة المراقبة التركية في قرية شير مغار غرب حماة، بقذائف مدفعية من مواقع هذه القوات في بلدة الشريعة. وحمّلت وزارة الدفاع التركية قوات النظام المسؤولية عن قصف النقطة، مشيرة في بيان، إلى أن هذه القوات أطلقت عمداً 35 قذيفة على النقطة، ما أدى إلى إصابة ثلاثة جنود أتراك بجروح طفيفة وإلحاق أضرار مادية. وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت في بيان، أن طائرات روسية قصفت "مواقع للمسلحين في محافظة إدلب، بطلب من تركيا وذلك بعد أن استهدفوا نقاط مراقبة للجيش التركي". وزعم بيان للوزارة أن "التنظيمات المسلحة شنت مساء أمس (الأول) هجوماً على نقطة مراقبة للجيش التركي، في جبل الزاوية بمحافظة إدلب السورية، وأن الجانب التركي طلب من الجانب الروسي، المساعدة في ضمان أمن الجنود الأتراك ومهاجمة مواقع المسلحين". وأضاف البيان: "وفقاً للإحداثيات التي أشار إليها الجانب التركي، نفذ سلاح الجوّ الروسي 4 غارات استهدف من خلالها مواقع تابعة للمسلحين".

غير أن وزارة الدفاع التركية قدمت رواية مخالفة لنظيرتها الروسية. وأوضحت في بيان أن قوات النظام في منطقة الشريعة بسهل الغاب قصفت بـ35 قذيفة هاون نقطة المراقبة رقم 10 في ريف حماة، ما أسفر عن إصابة ثلاثة جنود أتراك، إضافة إلى تعرض بعض المنشآت والمعدات والموادّ إلى أضرار جزئية. وأكدت أنه تم "اتخاذ إجراءات ضرورية مع روسيا في ما يتعلق بالهجوم"، مشيرة إلى مراقبة الوضع عن كثب في المنطقة. من جهته، اعتبر جاويش أوغلو أن الهجوم على النقطة التركية كان مقصوداً، مضيفاً أنه تواصل مع الروس وأخبرهم أنه "إذا كان مطلوباً منا الردّ فسنردّ"، مؤكداً أنه "إذا استمرت هذه الهجمات على قواتنا فسنقوم باللازم". ودعا روسيا للضغط على النظام السوري من أجل وقف الهجمات العسكرية في إدلب، معتبراً أن هذه التوترات إذا استمرت فستمنع حدوث أي حل سياسي في سورية.

وكانت النقطة المستهدفة نشرت في وقت سابق رادارات محملة على مدرعات، من مهامّها رصد وتتبع حركة صواريخ قصيرة المدى وتحديد نقطة إطلاقها. ودأبت قوات النظام، خلال الأسابيع الماضية، على استهداف نقطة المراقبة التركية في شير مغار وخيم النازحين في محيطها، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين وجنود الجيش التركي. إلى ذلك، أكدت مصادر محلية، أمس الخميس، وصول رتل عسكري تركي يضم ست سيارات مدرعة إلى نقطة المراقبة التركية في قرية شير مغار، قادم من نقطة المراقبة في قرية اشتبرق غرب إدلب.

وتتوزع نقاط المراقبة التركية، المقامة وفق تفاهمات أستانة، في 12 موقعاً في أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية. وتقع النقطة الأولى في قرية صلوة بريف إدلب الشمالي، والثانية في قلعة سمعان بريف حلب الغربي، والثالثة في جبل الشيخ عقيل بريف حلب الغربي. أمّا النقطة الرابعة ففي تلة العيس بريف حلب الجنوبي، والخامسة في تل الطوقان بريف إدلب الشرقي، والسادسة قرب بلدة الصرمان بريف إدلب الجنوبي. وتأتي النقطة السابعة في جبل عندان بريف حلب الشمالي، والثامنة في الزيتونة في جبل التركمان، والتاسعة في مورك بريف حماة الشمالي. وتقع النقطة العاشرة في الراشدين الجنوبية بريف حلب الغربي، والحادية عشرة في شير مغار بريف حماة الغربي، والأخيرة في جبل اشتبرق بريف إدلب الغربي. ومنذ تدخلها العسكري المباشر في سورية، أواخر عام 2015، أعلنت روسيا العديد من الهدن في مختلف المناطق السورية، كان الهدف منها مساعدة قوات النظام على التقاط الأنفاس واستقدام تعزيزات، والاستعداد لجولات جديدة من القتال. لذا ليس من المتوقع صمود هذه الهدنة، وخصوصاً أن موسكو وأنقرة لم تتوصلا بعد، كما يبدو، إلى تفاهمات يمكن أن تؤدي إلى وقف إطلاق دائم للنار، حيث لا تزال أنقرة تصرّ على عودة قوات النظام إلى نقاط تمركزها السابقة، قبل أن تتحرك وتسيطر على نحو 18 بلدة وقرية وموقعاً في ريف حماة الشمالي.

إلى ذلك، أكد مركز "نورس" للدراسات، التابع للمعارضة، مقتل 541 من قوات النظام، بينهم 111 ضابطاً، في معارك شمال غربي سورية، وفي ريف حمص الشرقي من 28 إبريل/نيسان الماضي وحتى 12 يونيو/ حزيران الحالي، مشيراً إلى أن "عدد القتلى الحقيقي أعلى من عدد القتلى الموثق"، لافتاً إلى أن "التوثيق يتضمن فقط القتلى الموثقين بالاسم"، ومرجحاً أن يكون عدد القتلى وصل إلى 700 على الأقل خلال الـ 44 يوماً الماضية.

المساهمون