توني بلير...اعتذار بكلفة مئات آلاف الضحايا واعتراف بحجم الكارثة

توني بلير...اعتذار بكلفة مئات آلاف الضحايا واعتراف بحجم الكارثة

26 أكتوبر 2015
اعترف بلير بجزء من مسؤولية ظهور "داعش" (Getty)
+ الخط -
تطلّب الأمر من رئيس الحكومة البريطانية الأسبق، توني بلير، 12 سنة من العناد والعنجهية قبل أن يعترف بمسؤوليته عن إحدى أكبر كوارث العالم منذ الحرب العالمية الثانية، أي كارثة غزو العراق وما تلاها ولا يزال حتى اليوم. تطلب الأمر 12 عاماً من الرجل، الذي يُجمع بريطانيون كثر على أنه كان أسوأ رئيس حكومة مرّ على مملكتهم، قبل أن يذرف دمع التماسيح على الجحيم الذي تسبب به قراره وصديقه جورج بوش الابن في غزو العراق وإطاحة صدام حسين بما أن "المعلومات الاستخبارية التي حصلنا عليها وخضنا الحرب بناءً عليها كانت خاطئة" على حد تعبيره. الرجل الذي يواجه دعاوى قضائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في العراق، اكتفى بالردّ على سؤال في حوار مع قناة "سي أن أن" الأميركية، بثّته ليل الأحد، حول تقييمه عما إذا كانت حرب العراق خطأً، بالقول "أعتذر عن كون المعلومات التي حصلنا عليها كانت خاطئة. أعتذر أيضاً عن بعض الأخطاء في التخطيط (للحرب)، وعن خطئنا في تقدير ما قد يحصل بعد إطاحتنا النظام (صدام حسين)"، من دون أن يعرب عن ندمه "لإطاحة الديكتاتور صدام الذي استخدم السلاح النووي بحق شعبه" على حد تعبيره. وعندما واجهه المحاوِر فريد زكريا بأن حرب العراق "كانت السبب الرئيسي في بروز تنظيم داعش"، أجاب بلير "أعتقد أن هناك عناصر حقيقية في هذا الكلام".

اقرأ أيضاً: حياة بلير: رفاهية الملوك وتجميل صورةِ الديكتاتوريات

لكن حتى في هذه النقطة، حاول بلير التقليل من فداحة الجريمة، بما أن "القاعدة الأساسية اليوم لداعش هي سورية لا العراق". أكثر من ذلك، "لا يمكن القول إن الذين أطاحوا صدام في العام 2003 لا يتحملون مسؤولية في وصول الأوضاع إلى ما هي عليه في 2015" على حد تعبير صاحب الاعتذار المتأخر عن الخراب الكبير. اعتذار اعتاد مسؤولون غربيون، لاسيما أميركيون، على تقديمه بعد خروجهم من السلطة، وبعد أن يكونوا قد تسببوا بقراراتهم في كوارث عالمية من حروب وهدم دول بكاملها واستخدام السلاح الكيماوي واحتضان انقلابات على أنظمة ديمقراطية ودعم إبادات، مباشرة أو غير مباشرة.

اقرأ أيضاً: مسلسل كذب بلير في العراق ينعكس على قتال "داعش"

اعتراف بلير في البرنامج الخاص "الطريق الطويل نحو الجحيم ــ أميركا في العراق"، ربما سرّعه نشر صحيفة "دايلي مايل" البريطانية، قبل حوالي أسبوع، رسائل سرية مبنية على مذكرات وزير الخارجية الأميركية الأسبق، كولن باول، تفيد بأن "الاتفاق الدموي" بين بوش وبلير على إطاحة صدام وغزو العراق حصل قبل عام كامل من الاحتلال، أي في العام 2002.

أغلب الظنّ أن طلب المسامحة من قبل بلير لن يلقى آذاناً صاغية، بما أن حجم الكارثة ومئات آلاف القتلى الذين سقطوا ضحية "القرار الخاطئ" وفق مصطلحات الرجل، يصعب أن يتم تعويضهم بمجرد اعتذار واعتراف بالمسؤولية عن الجريمة.

وكانت مسيرة الأعوام الـ12 التي تفصل بين اعتذار بلير واعترافه من جهة، والغزو من جهة ثانية، مليئة بالعناد من قبل من سماه فريد زكريا "كلب بوش" ومشبعة بالمواقف المتمسكة بصحة قرار الغزو. فقد سبق لبلير أن قال أمام مجلس العموم في العام 2004 "لن أعتذر عن الصراع. أؤمن أن قرار الحرب كان سليماً". ثم عاد وكرر في مقابلة تلفزيونية عام 2007: "لا أعتقد أن علينا أن نعتذر عن كل ما نفعله في العراق. على العكس من ذلك، علينا أن تكون فخورين تماماً به". وفي العام نفسه، في خطاب استقالته من منصب رئاسة الحكومة، ردد ما حرفيته "قد أكون أخطأتُ، لكنني فعلت ما اعتقدتُ أنه ضروري لبلدي". وفي مذكراته عام 2010، علّق على الموضوع بالقول: "إنه سؤال قطعي، يحتاج لإجابة قطعية (السؤال عن صوابية أو خطأ قرار غزو العراق وإسقاط صدام حسين). لا أستطيع أن أعتذر بالكلمات. يمكنني فقط أن آمل بأن ننقذ شيئاً من مأساة الموت...". ثم عاد منسوب الإنكار في مقابلة عام 2013، عندما اختصر عنجهيته بـ"عندما يسألني الناس هل أندم (على إطاحته صدام)؟ أجيبهم كلا، كيف يمكنني أن أندم على إطاحة شخص كان وحشاً"؟

اقرأ أيضاً: لجنة تحقيق: بلير يتحمل المسؤولية الأكبر عن غزو العراق
اقرأ أيضاً: توني بلير ... جرو إسرائيل

المساهمون