الغارات الإسرائيلية على سورية: توسيع استراتيجية محاصرة النفوذ الإيراني

الغارات الإسرائيلية على سورية: توسيع استراتيجية محاصرة النفوذ الإيراني

24 يونيو 2020
دمار جراء قصف إسرائيلي بنوفمبر الماضي لجنوب دمشق (Getty)
+ الخط -

يبرز القصف الذي نفذته، ليل الثلاثاء - الأربعاء، طائرات إسرائيلية على مواقع عدة في ثلاث محافظات سورية هي حماة والسويداء ودير الزور، حجم الانتشار العسكري الكبير لمليشيات الحرس الثوري الإيراني في الجغرافيا السورية، وخصوصاً في جنوب البلاد ووسطها وشرقها، كما يؤكد مضي إسرائيل في استراتيجيتها القائمة على منع الإيرانيين من تحويل وجودهم في سورية إلى واقع لا يمكن تجاوزه. وكان الطيران الإسرائيلي يقصف هدفاً معيناً خلال الهجمات التي دأب على شنها خلال السنوات الفائتة ضدّ مواقع عسكرية تابعة لقوات النظام والمليشيات الإيرانية، إلا أنه هذه المرة شنّ هجمات عدة على مواقع متعددة منها ما طاولته الصواريخ الإسرائيلية للمرة الأولى.

وتحدثت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، عن وقوع انفجارات عنيفة، ليل الثلاثاء - الأربعاء، في مواقع عدة بمدينة سلمية في ريف حماة الشرقي، ناتجة عن استهداف جوي من طيران يُعتقد أنه إسرائيلي للمركز الثقافي في قرية الصبورة ومعملي الأعلاف والبصل في قرية عقارب. ويُعتقد أنّ المواقع المستهدفة في محيط سلمية هي مستودعات أسلحة وذخائر كبيرة للمليشيات الإيرانية المساندة للنظام السوري.

وأكدت المصادر وقوع قتلى وجرحى بصفوف قوات النظام والمليشيات الإيرانية، إذ شوهدت سيارات إسعاف تنقل المصابين والقتلى باتجاه مدينتي حماة وحمص، اللتين تبعدان عن مدينة سلمية أكثر من 50 كيلومتراً. وتحدثت المصادر عن أنّ من بين المواقع المستهدفة بالصواريخ هي اللواء 47 وجبل البحوث الواقعين جنوب شرق مدينة حماة، ومواقع عسكرية أخرى على طريق إثريا سلمية (شرق)، مشيرةً إلى أن اللواء 47 من أكبر المعسكرات الإيرانية بحماة، فيما يعدّ جبل البحوث من أبرز المستودعات للصواريخ قصيرة المدى ذات المنشأ الإيراني.

كما أشارت المصادر إلى أنّ المليشيات الإيرانية وعناصر من "حزب الله" مع مليشيا الدفاع الوطني (الشبيحة) تتمركز في معمل الأعلاف في قرية عقارب والمركز الثقافي في ناحية الصبورة، فيما تنتشر مليشيات إيرانية وعراقية على طريق إثريا – سلمية.

وهذه هي المرة الأولى التي يستهدف فيها الطيران الإسرائيلي مواقع في محيط مدينة سلمية، التي تقع إلى الشمال الشرقي من العاصمة دمشق بنحو 200 كيلومتر على الطريق الدولي الذي يربط جنوب سورية بشرقها.

وقبيل استهداف منطقة سلمية بساعات، كانت طائرات إسرائيلية تضرب مواقع عسكرية من المرجح أنها باتت مقرات لمليشيات الحرس الثوري الإيراني في منطقة تل الصحن، قرب مدينة صلخد في ريف السويداء، ومنطقة كباجب في ريف دير الزور، ومنطقة السخنة في قلب البادية السورية.

وفي السياق، أفادت وكالة الأنباء التابعة للنظام (سانا)، بأنّ عنصرين من قوات النظام السوري قتلا وأصيب أربعة آخرون بجروح إثر قصف جوي إسرائيلي تعرضت له مواقع عسكرية للنظام في كل من محافظتي دير الزور، شرقي البلاد، والسويداء جنوبها. وأوضحت أنه، مساء الثلاثاء "ظهرت أهداف جوية معادية آتية من شرق وشمال شرقي تدمر، وأطلقت صواريخ عدة باتجاه بعض مواقعنا العسكرية في كباجب، غرب دير الزور، وفي منطقة السخنة. وبالتزامن مع ذلك، تم استهداف أحد مواقعنا العسكرية بالقرب من مدينة صلخد، جنوب السويداء"، وفق الوكالة.

وأكدت مصادر محلية أنّ الموقع الذي استهدف في منطقة تل الصحن بريف السويداء كان مستودع أسلحة وذخائر للمليشيات الإيرانية و"حزب الله" اللبناني، والذي ينشط إلى جانب هذه المليشيات في الجنوب السوري بمحافظاته الثلاث (السويداء، درعا، القنيطرة)، غير بعيد عن الحدود السورية مع الأراضي المحتلة.

وشهد العام الحالي العديد من عمليات القصف الجوي الإسرائيلي على مواقع وأهداف عسكرية في عموم سورية باتت مقرات ونقاط تمركز للحرس الثوري الإيراني و"حزب الله" منذ سنوات عدة. ففي الرابع من الشهر الحالي، ضرب طيران إسرائيلي من الأجواء اللبنانية ما يُعتقد أنه مصنع أسلحة إيراني في منطقة مصياف في ريف حماة الغربي، والتي تعرضت خلال السنوات الفائتة لغارات عدة كانت تستهدف عادة مركزاً للبحوث العلمية العسكرية يشرف عليه خبراء إيرانيون ومن المرجح أنه ينتج غازات سامة استخدمت في قصف السوريين.

وفي مايو/ أيار الفائت، أعلن النظام السوري أنّ الطيران الإسرائيلي استهدف مركز البحوث العلمية وبعض المستودعات العسكرية في منطقة السفيرة في ريف حلب الجنوبي الشرقي. وفي مطلع الشهر ذاته، استهدف طيران إسرائيلي مواقع لقوات النظام السوري في ريف درعا الغربي، يُعتقد أن مليشيات إيرانية تتخذها مقرات لها للتمويه على وجودها في جنوب سورية. وفي مارس/ آذار الفائت، ضرب الطيران الإسرائيلي مواقع عدة تابعة لقوات النظام والمليشيات الإيرانية في ريف حمص الشرقي في البادية السورية. كما شنّ الطيران الإسرائيلي خلال العام الحالي هجمات عدة على مواقع ومقرات عسكرية إيرانية في ريف دير الزور الشرقي، في أقصى الشرق السوري، الذي بات منطقة نفوذ إيراني بلا منازع في جنوب نهر الفرات.

من جانبه، قال المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، إنّ "الطيران الإسرائيلي يستهدف عادة مواقع إيرانية ولحزب الله في سورية"، معرباً عن اعتقاده، في حديث مع "العربي الجديد"، بأنّ "هناك رضى روسياً عن العمليات التي يقوم بها الإسرائيليون". وكانت وزارة الدفاع الروسية قد زودت قوات النظام السوري، في سبتمبر/ أيلول من عام 2018، بمنظومة صواريخ "إس-300" الحديثة للدفاع الجوي قادرة على اعتراض وسائل الهجوم الجوي على مسافة تزيد عن 250 كيلومتراً، وإصابة بضعة أهداف جوية في آن معاً. وجاء هذا الإجراء الروسي رداً على حادثة إسقاط قوات الدفاع الجوي التابعة للنظام السوري لطائرة روسية على متنها 15 شخصاً أثناء استهداف هذه القوات طائرات إسرائيلية. إذ حمّلت وزارة الدفاع الروسية في حينه تل أبيب المسؤولية عن الواقعة، لمخالفتها الاتفاقات المؤرخة بعام 2015 بشأن تبادل المعلومات قبل الطلعات بوقت مبكر. وكان الطيران الإسرائيلي يستخدم الأجواء اللبنانية للقيام بهجمات ضدّ مواقع إيرانية في سورية، إلا أنه هذه المرة نفّذ هجماته من داخل الأراضي السورية، ما يشير إلى أنه لا توجد موانع روسية لتقليص النفوذ العسكري المتصاعد للإيرانيين في سورية.

وفي هذا الصدد، رأى القيادي في المعارضة السورية، العقيد الطيار مصطفى البكور، أنّ "ما يحدث في الأجواء السورية يأتي وفق اتفاق بين دول عدة منها إسرائيل"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "روسيا غير مستعدة لمواجهة أي تحرك إسرائيلي في سورية، وخصوصاً قصف الطيران لمواقع النظام أو الإيرانيين، فهناك توافق روسي إسرائيلي على استهداف المليشيات الإيرانية، يدفع موسكو إلى عدم تفعيل أي منظومة دفاع جوي في سورية". وأعرب البكور عن اعتقاده بأنّ الروس "يمنعون منظومات الدفاع التابعة لقوات النظام من استهداف الطيران الإسرائيلي بفعالية من أجل إرضاء إسرائيل، وذلك على حساب إيران والنظام السوري".

المساهمون