عبد الفتاح مورو... الشيخ العصري المتمرّد هاوي جمع التحف

عبد الفتاح مورو... الشيخ العصري المتمرّد هاوي جمع التحف

12 سبتمبر 2019
يُعرف مورو بقدرته على الخطابة (فرانس برس)
+ الخط -
كان أول ظهور لعبد الفتاح مورو، الذي يترشح للانتخابات الرئاسية التونسية المبكرة، عام 1967، عندما فاجأ زملاءه بكلية الحقوق، وظهر بينهم مرتدياً جبة في وقت كان ذلك الزي التقليدي مهدداً بالانقراض بعد أن تم وضع حد للتعليم الزيتوني (نظام التعليم الإسلامي الذي كان قائماً في جامع الزيتونة في تونس). وفوجئ به عميد الكلية وهو يطرق بابه ويرجو منه تخصيص قاعة لإقامة الصلاة فيها. استغرب العميد وابتسم قبل أن يستجيب للطلب.

لم يتوقع أحد أن هذا الشاب سيكون عنصراً حاسماً إلى جانب راشد الغنوشي القادم من دمشق في تأسيس حركة إسلامية على نمط "الإخوان المسلمين" (بين 1970 و1971)، وأن هذه الحركة ستصبح جزءاً من المشهد السياسي التونسي، وأن يترتب على ذلك صراع مرير مع النظام، سواء في عهد الحبيب بورقيبة أو عندما حكم زين العابدين بن علي لنحو ثلاثة وعشرين عاماً.

عبد الفتاح مورو شخصية مرحة، يتمتع بثقافة واسعة، ويتقن ثلاث لغات، من بينها الفرنسية والألمانية. يُعرف بقدرته على الخطابة، وهو من القلائل الذين يمكنهم مخاطبة جميع التونسيين بشرائحهم الاجتماعية المختلفة وبمستوياتهم المتباينة في التعليم. ساعدته مهنة المحاماة على ذلك، إلى جانب دروس الوعظ التي كان يلقيها ولا يزال.

هو من الأشخاص الذين اختلف في شأنهم التونسيون. لم يقتصر هذا الاختلاف على المنافسين والخصوم، ولكن شمل أيضاً الأسرة الدينية والسياسية التي ينتمي إليها مورو. هناك من يعتقد أنه شخصية استثنائية، تمكّن من تحقيق المصالحة بين الدين والمعاصرة، ووفّق بين الانتماء إلى الهوية وبين القدرة على الانفتاح. ولهذا يتعاطف معه المحافظون. في حين يرى فيه آخرون شخصية مناورة، وأنه يُظهر خلاف ما يبطن، ولا يختلف عن آخرين في توظيف الإسلام من أجل الوصول إلى الحكم.

بعد أربعة وسبعين عاماً، يتمتع مورو بعلاقات واسعة، خصوصاً خارج تونس، وهو ما جعله كثير السفر، ينتقل بين العواصم الشرقية والعربية. الرجل مغرم بأشياء كثيرة. لديه 35 ألف كتاب في مكتبته، ويقول إنه قرأها كلها. كما أنه جامع للتحف، ويحب القطع القديمة، ومن هواياته جمع المصاحف والمخطوطات، إلى جانب الطوابع البريدية النادرة والصور القديمة.

اختلف مورو كثيراً مع رفيق دربه، رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، وغادر الحركة أكثر من مرة، إذ قرر الاستقالة من الحركة إثر تصاعد المواجهة بين "النهضة" والسلطة، وذلك احتجاجاً على مظاهر التصعيد من قبل الحركة. أما في المرة الثانية بعد الثورة قررت الحركة إبعاده وتقدّمت بطلب ترخيص من وزارة الداخلية من دون ذكر اسمه، وهو ما جعله يترشح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي لكنه فشل. وبعدها حدثت مصالحة بين الطرفين في سنة 2014 وأصبح يحمل صفة نائب الغنوشي، وانتهى به المطاف ليكون مرشح "النهضة" لرئاسة الجمهورية بعد أن بقي خمس سنوات النائب الأول لرئيس البرلمان، وحالياً يتولى صلاحيات رئيس البرلمان بعد وفاة الباجي قائد السبسي وانتقال محمد الناصر إلى القصر الرئاسي.

التونسيون منقسمون حوله، فهناك من يعتبر أنه سيكون الرئيس الأفضل، وهناك من يرى فيه شبحاً من الماضي. وفي انتظار أن يحسم التونسيون أمرهم يوم الاقتراع، فإن بعض استطلاعات الرأي تؤهله للجولة الثانية من الانتخابات. في كل الحالات هو جزء من المشهد العام، وسيبقى كذلك، سواء فاز بالرئاسيات أم فشل في الوصول إلى قصر قرطاج.