حملة إسرائيلية على المنظمات الدولية لإكمال خنق قطاع غزة

حملة إسرائيلية على المنظمات الدولية لإكمال خنق قطاع غزة

11 اغسطس 2016
تضامناً مع مدير "وورلد فيجن" بغزة محمد الحلبي(مؤمن فايز/Getty)
+ الخط -
فجرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قضيتين في أسبوع واحد ضد فلسطينيين اثنين يعملان في منظمات دولية في قطاع غزة، بزعم تجييرهما أموالاً ومشاريع من منظمتيهما لصالح حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وذراعها العسكرية "كتائب القسام". بدأت الحكاية مع اتهام مدير مكتب منظمة "وورلد فيجن" في غزة، محمد الحلبي، المعتقل حالياً، بتجيير أموال طائلة من ميزانية المؤسسة لصالح "حماس". لكنّ المنظمة وعائلة الحلبي والحركة الفلسطينية نفت الاتهامات جملةً وتفصيلاً. وتؤكد "وورلد فيجن"، التي أوقفت عملها مؤقتاً في غزة على خلفية الاتهامات، أن المبالغ التي تتحدث عنها إسرائيل أكبر بكثير من ميزانية المؤسسة المخصصة للقطاع، ما يعني أنّ إسرائيل بالغت كثيراً في الاتهامات الموجهة للمهندس الفلسطيني.

وبعد أيام من إثارة قضية الحلبي، اعتقلت السلطات الإسرائيلية المهندس الفلسطيني وحيد البرش، الذي يعمل في برنامج الأمم المتحدة للتنمية (UNDP)، واتهمته باستخدام صلاحياته في عمليات الترميم والبناء لصالح حركة حماس، وهو ما نفته أيضاً عائلته والحركة.

ويشير السلوك الإسرائيلي المفاجئ إلى أنّ الاحتلال يسعى لتحريض المنظمات الدولية ضد فروعها العاملة في قطاع غزة، في خطوة تهدف إلى تفريغ القطاع منها، وخلق مزيد من الضغط الاقتصادي والإنساني في غزة المحاصرة، التي تعمل فيها عشرات المنظمات الدولية، المعنية بالإغاثة والشؤون الإنسانية، ومن بينها مؤسسات عربية وإسلامية. وهناك خشية من وجود توجه إسرائيلي يهدف إلى "فبركة" الاتهامات بحقها، وما يمثله ذلك من تهديد فعلي لبرامج الخدمات التي تقدمها فروع تلك المنظمات لما يزيد عن مليون فلسطيني في غزة، يعانون الفقر والبطالة وظروفاً اقتصادية صعبة.

ويقول الناطق باسم حركة "حماس"، حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، إنّ الرواية الإسرائيلية باطلة ولا أساس لها من الصحة، مضيفاً أن هذا السلوك هو استمرار لسياسة دولة الاحتلال الرامية إلى تشويه صورة المقاومة وقطاع غزة، ومشيراً إلى أنّ هذه الاتهامات محاولة لتبرير الحصار الظالم على قطاع غزة وزيادة خنق القطاع، لا سيما مع استمرار صمود الشعب الفلسطيني ورفضه التعاطي مع الطروحات الإسرائيلية. ويلفت قاسم إلى أنّ الحكومة والجيش في إسرائيل يواجهان ضغوطاً متواصلة جراء إخفاقاتهما في الحرب على القطاع، وعجزهما عن فرض مشاريع سياسية على القطاع بعد الحرب، وعدم قدرتهما على استعادة المفقودين الإسرائيلين في غزة. كل هذه الخيبات دفعت تل أبيب إلى البحث عن "إنجاز وهمي" لتسويقه أمام الرأي العام الإسرائيلي.

ولتوقيت الحملة على المنظمات الدولية دلالات مهمة، إذ يشير قاسم إلى أنه "منذ بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين، تواصل (إسرائيل) تزييف الروايات التاريخية وتزوير الوقائع على الأرض لإيجاد موطن قدم للمستوطنين"، مضيفاً أن هذه السياسة تواصلت طيلة الفترات السابقة، مترافقة مع "شعارات لا أساس لها، مثل أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، إذ اعتبر قاسم أن الأمر يتعلق بـ"منهجية صهيونية متأصلة". في هذا الإطار، يوضح الناطق باسم "حماس" أنّه خلال الحروب المتكررة على القطاع تم تلفيق جملة من الأكاذيب لتشويه الحقيقة في ما يتعلق بالجرائم والمجازر التي ارتكبها الاحتلال هناك، لافتاً إلى أنّ رواية "تمويل حماس" مصدرها جهاز "الشاباك" الإسرائيلي، المعروف بعدائه للشعب الفلسطيني وإجرامه بحقه، وسياساته في تزييف الروايات والوقائع، حتى تلك المتعلقة بالشأن الداخلي في دولة الاحتلال.

ويضيف قاسم أنه من الواضح أن إسرائيل تريد التضييق على المؤسسات الدولية الإغاثية العاملة في قطاع غزة، لتضييق الخناق على القطاع، كما تريد إرهاب هذه المؤسسات ودفعها لإيقاف أو تخفيف نشاطها الإغاثي، كما تسعى لاحتواء التعاطف المتزايد مع القضية الفلسطينية العادلة في المحافل الدولية. ويشدد الناطق باسم "حماس" على أنه لمواجهة هذه السياسة، لا بد من تشكيل جبهة وطنية جامعة من أجل التصدي للحصار الظالم على غزة، وأن تقف المؤسسات الحقوقية والإعلامية والدبلوماسية خلف حق الشعب في القطاع بالعيش الكريم ورفع الحصار عنه، داعياً الدبلوماسية الفلسطينية الرسمية للتحرك في هذا الإطار ومواجهة الهجمة الإعلامية الشرسة على الشعب ومقاومته. ويطالب قاسم بأن تعتبر كل القوى والفصائل أن الشعب الفلسطيني واقع تحت الاحتلال، وأن من حقه ممارسة المقاومة حتى تحرير الأرض والإنسان الفلسطيني، مؤكداً من جهة أخرى، على أن المنظمات الدولية تقوم بواجبها تجاه هذا الشعب المحاصر، وأن الأمر يتعلق بـ"مسؤولية قانونية مفروضة عليها".

في هذا السياق، يقول مدير مركز أبحاث المستقبل، إبراهيم المدهون، إن الاعتقالات الإسرائيلية الأخيرة بحق اثنين من العاملين في المؤسسات الدولية هو إجراء سياسي أكثر من كونه أمنياً، ويهدف إلى تشديد الخناق على قطاع غزة المحاصر إسرائيلياً منذ عشر سنوات. ويوضح المدهون لـ"العربي الجديد"، أنّ هذا الإجراء الأخير يهدف لتشديد الخناق على القطاع اقتصادياً وخلق فجوة بينه وبين المؤسسات الدولية العاملة فيه، لا سيما تلك التي تحمل طابعاً إنسانياً.

ويشير المدهون إلى وجود استجابة سريعة من قبل بعض المؤسسات لوقف عملها في القطاع أو حجب التمويل في ظل قدرة السلطات الإسرائيلية على اختلاق "الفبركات" الإعلامية، وحالة التعاطي السريع معها، وعدم تحرك "منظمة التحرير الفلسطينية" لتكذيب الرواية الإسرائيلية. وينبّه المدهون إلى أن التضييق الإسرائيلي على هذه المؤسسات التي تقدم المساعدات المالية وتوفر قوت الناس اليومي سيؤدي، في النهاية، إلى انفجار سيدفع الجميع ثمنه، إذا استمرت إسرائيل باستهداف العاملين في المؤسسات الدولية الإنسانية بغزة. ويرجح وجود خطة إسرائيلية تهدف للتضييق على المؤسسات الدولية الإنسانية وجعلها ورقة بيد الاحتلال من خلال اعتقال شخصين يعملان مع المؤسسات الدولية، بالإضافة إلى إمكانية أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من الاعتقالات تحت ذريعة دعم المقاومة الفلسطينية.

موقف مماثل يعبّر عنه المحامي والخبير القانوني، صلاح عبد العاطي، بقوله إن الادعاءات الإسرائيلية بتحويل المنظمات الدولية للأموال لصالح حركة "حماس"، باطلة لا أساس لها من الصحة، وتستخدم من أجل تشديد الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع منذ عشر سنوات. ويوضح عبد العاطي، لـ"العربي الجديد"، أنّ فشل سياسة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع أدى لتوجه إسرائيل نحو وقف التمويل اللازم للمشاريع الدولية الذي تنفذها المؤسسات والمنظمات الدولية من أجل تحويل غزة لسجن كبير، كجزء من فرض العقوبات على الشعب الفلسطيني. ويضيف أن المؤسسات الدولية والأممية العاملة في القطاع، تخضع لنظام رقابة دولية مفروض عليها بالإضافة إلى الرقابة الداخلية على العاملين فيها، ما يضمن الشفافية وعدم هدر الأموال. ويرجح الخبير القانوني أن تشهد الفترة المقبلة اتساعاً في حملات الاعتقالات بحق العاملين في المؤسسات الدولية، عبر الحملة الإسرائيلية المتواصلة الهادفة لتشديد الخناق على الشعب الفلسطيني وإفشال كل محاولات التضامن العالمي معه.

في السياق نفسه، يرى رئيس المرصد "الأورو - متوسطي لحقوق الإنسان"، رامي عبده، أن الخطوات الإسرائيلية الأخيرة، المتمثلة باستهداف المؤسسات الخيرية والإقليمية، تعني أنها عازمة على التضييق على سكان القطاع المحاصر، عبر استهداف مؤسسات العون الإنساني. ويقول عبده لـ"العربي الجديد"، إنّ طريقة إخراج الاحتلال لهذه الاتهامات والمبالغة الواضحة في حيثياتها يمكن أن تكون لها آثار واضحة، إذ إن إسرائيل تستهدف بشكل أساسي منظمات العمل الخيري، الأمر الذي سيمس بشكل جوهري بعصب الحياة الأخير لنحو مليوني مواطن في غزة، وفق قوله.

ويشير عبده إلى ضرورة أنّ تطلب الأمم المتحدة من دولة الاحتلال إثبات الادعاءات، وعدم الخروج بهذه الاتهامات ما لم تقدم أدلة، وأن تعرض إسرائيل تلك الاتهامات على اللجنة الأممية المعنية بعمل المؤسسات الدولية التي تنسق عملها في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يلفت عبده إلى أنّ طريقة التصريح الإسرائيلي أو ما يسربه الإعلام يمس بشكل مباشر سمعة تلك المنظمات الدولية ويعرضها وفرق عملها للخطر، ويجعل من عملها أمراً غير مرحب به، معتبراً أن سلطات الاحتلال تريد أن تحرم سكان غزة من هذه المؤسسات، وأنّ تضغط بشكل أكبر عليهم، وأن تزيد من سيطرتها عليهم، بهدف قهرهم أو إخضاعهم للرغبات الإسرائيلية.