"العربي الجديد" في ميدان انتفاضة 6 أبريل

"العربي الجديد" في ميدان انتفاضة 6 أبريل

06 ابريل 2014
"مرحبا بكم في قلعة الصناعة المصرية (العربي الجديد)
+ الخط -

تحل الذكرى السنوية السادسة لأحداث السادس من أبريل/نيسان 2008، في مصر، التي شهدت انتفاضة "الخبز والحرية" في مدينة المحلة بمحافظة الغربية، هذا العام، على وقع إعلان وزير الدفاع السابق، عبد الفتاح السيسي، ترشحه في أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد بعد انقلاب الثالث من يوليو/تموز. قبل ستة سنوات، أسقط المتظاهرون صورة الرئيس حسني مبارك وداسوها بأحذيتهم، عندما انتفضوا طلباً لـ"كسرة" خبز نظيفة، فكيف تبدو الصورة اليوم في ميدان الشون، الشاهد على الانتفاضة؟

"العيشة مُرة"

لا تجد نعمات محمد، بائعة الطماطم التي تجاوزت الخمسين عاماً، سوى عبارة "العيشة بقت مُرة"، تعليقاً على ارتفاع سعر كيلوغرام الثمار بشكل مفاجئ ليصل إلى 4 جنيهات. "ليس بيدي حيلة"، تقول، إذ إن الأسعار في ارتفاع مستمر، "والتجار يبيعوننا البضاعة بأغلى الأسعار، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة نقلها بسبب أزمة البنزين والسولار".

تواصل السيدة الخمسينية، التي حفر الزمن خطوطاً عميقة على وجهها الذي لفحته الشمس، حديثها بنبرة انهزامية مشيرة إلى أن "كل شيء يتغير في البلد إلا حال الفقير الذي يزداد فقراً كل يوم، كان عندنا أمل أن تتحسن الأحوال بعد تظاهرات 30 يونيو/حزيران، لكن لم يتغير شيئ، ربنا موجود".

تبدأ السيدة الخمسينية عملها عند السادسة من صباح كل يوم بالذهاب لأحد التجار الذي يعطيها حصتها من الثمار التي تبيعها للمارة في ميدان الشون.

وعلى الرغم من ظروف عملها الصعبة التي تتطلب منها افتراش أرض الشون، وسط حركة السيارات التي تمر بعشوائية في الميدان من حولها، إلا أنها تصرّ على البقاء في المكان لأن "الناس هنا عرفوني، يصعب علي أن أغيّر مكاني، والأهم أنني أكسب رزقي بالحلال لأتمكن من إطعام أطفالي"، على حد تعبيرها أثناء مراقبتها حركة سيارات وزارة الداخلية وهي تمشّط الميدان.

جسر يغير جغرافيا "الشون" وتاريخه

في قلب ميدان "الشون"، الذي شهد انتفاضة العام 2008، بدأت منذ شهرين أعمال بناء جسر يصل شارع "البحر" بشارع "وابور النور" في الجهة الأخرى من المدينة. وتعليقاً على المشروع، يقول منسق حركة "شباب 6 إبريل"، جبهة أحمد ماهر في المحلة، محمد داوود، إن الميدان "سيتحول إلى موقف لسيارات الأجرة أسفل الكوبري، وسيتغير شكله تماماً، ولن يعود صالحاً للتظاهر"، مستبعداً، في الوقت عينه، خلال مرافقته "العربي الجديد" في الجولة على الميدان، أن تكون أعمال البناء متعمدة لإفشال أي فعاليات ينوون تنظيمها لإحياء الذكرى السنوية السادسة للانتفاضة.

وفي السياق، يذكّر داوود بأن "الحكومات المتعاقبة أجرت قبل وبعد ثورة 25 يناير 2011، تغييرات كثيرة في الميدان الذي تحول لوكر للبلطجية الذين يمنعوننا من تنظيم أي تظاهرات أو وقفات احتجاجية". ويشير الشاب العشريني بأصبعه إلى صور السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم التي انتشرت في الميدان، معتبراً إياها بمثابة "التغير الأكثر خطورة الذي طرأ، إذ حلّت صور السيسي مكان صور مبارك لتملأ الميادين العامة".

غير أنّ الناشط يعود ليعرب عن ثقته بأن "الناس سيُسقطون صورة السيسي كما مزقوا صور مبارك قبل 6 سنوات، وقد يستغرق ذلك وقتاً، لكنهم حتماً سيدركون الحقيقة وسينتفضون ثانية". ومصدر اطمئنان داوود الذي شارك في الانتفاضة عندما كان في الثامنة عشر من عمره، ليس سوى تأكّده من أن "النجاح الحقيقي الذي حققته تظاهرات 2008، التي مهدت لثورة 25 يناير، يتمثل في أنها كسرت حاجز الخوف، فأصبح وقوف أصحاب الحقوق الضائعة في مواجهة رجل الشرطة أمر طبيعي".

"شعب مصر قاهر الإرهاب"

"شعب مصر قاهر الإرهاب"، هكذا كتب أحدهم على جدران العامود الأسمنتي الضخم الذي توسط الميدان أسفل صورة لهلال يعانق صليباً. ويلفت داوود إلى أن "تلك الصورة تذكرنا بعهد ظنناه مضى"، مشدداً على أن "أحد رجال الحزب الوطني المنحل في المحلة، الذين عادوا بقوة إلى المشهد بعد انقلاب 3 يوليو الماضي، هو من كتب هذه العبارات"، ساخراً من استخدام فزّاعة "حربه المزعومة على ما يسميه إرهاباً ليجبر الناس على الخضوع له".

يتذكّر داوود هنا كيف أن رئيس الوزراء المؤقت إبراهيم محلب، عضو لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل، حرص على زيارة مدينة المحلة، في 5 مارس/آذار الماضي، وطالب عمال مصنع الغزل والنسيج، أصحاب دعوة الإضراب عام 2008، بالصبر ثلاثة أشهر على حكومته حتى تحلّ مشاكلهم.

وهنا يأسف إلى أن "المشكلة أن العمال تراجعوا عن إضرابهم الأخير، الذي كان الأقوى منذ اندلاع ثورة 25 يناير، استجابةً لدعوة محلب الذي سترحل حكومته مع انقضاء الأشهر الثلاثة"، ليخلص إلى استبعاد مشاركة عمال المصنع في أي فعاليات لإحياء الذكرى، على الرغم من أن ناشطي "شباب 6 أبريل" حاولوا "اقناعهم بالمشاركة في فعاليات إحياء الذكرى ومطالبة الحكومة بتطبيق الحد الأقصى للأجور، الذي نثق أنها سترفض تنفيذه، من دون جدوى" على حد تعبير منسق الحركة. وكان عمال الشركة قد أضربوا عن العمل أخيراً، للمطالبة بتطبيق الحد الأدنى للأجور عليهم أسوة بالعاملين في القطاع الإداري للدولة. كما طالبوا بإقالة رئيس الشركة القابضة، فؤاد عبد العليم، ورئيس مجلس إدارة الشركة، عبد الفتاح الزغبي.

قسم المحلة يتحول لثكنة

يلاحظ المارّ أمام قسم شرطة المطل على ميدان الشون أبراج مراقبة وسواتر رملية وسور يصل ارتفاعه إلى 10 أمتار تقريباً، مكتوب عليه عبارة "مصر تقاوم الإرهاب". يصف منسق حركة شباب 6 إبريل ــ الجبهة الديمقراطية، في المحلة حسام غدية، هذه الاستعدادات بـ"المبالغ فيها والتي توحي للمارة بأن هناك حرباً حقيقية على الإرهاب". ويذكّر كيف أن "الأهالي هم من حموا القسم في 2008، وأجبروا حينها حشود الأمن المركزي، التي انتشرت بكثافة في شوارع المحلة على التراجع، بعدما فشلت في احتواء غضبهم المتصاعد بسبب صفع أحد الضباط سيدة خرجت احتجاجاً على سوء الأحوال المعيشية".

ويتهم غديه وزارة الداخلية المصرية بـ"زرع الإرهاب من خلال اعتقالها آلاف النشطاء وتلفيق تهم ظالمة لهم"، مندداً باعتقال عضو الحركة بالغربية، شوقي القبطان، قبل 3 أشهر، واتهامه بالانتماء لجماعة الإخوان "المسلمين". كلام مفاده أن "شيئاً لم يتغير في الداخلية منذ اندلاع انتفاضة المحلة، فالقمع مستمر والغضب المكتوم أيضاً، ليس بسبب عدم تحقيق الثورة أي من أهدافها فحسب، بل بسبب عدم القصاص للشهداء الذين سقطوا في 2008 وانتهاء بمن يُقتلون كل يوم في الشوارع"، وفق كلام غديه.

6 سنوات من دون قصاص

يروي علي مبروك أن أكثر من ست سنوات انقضت على استشهاد ولده أحمد، بعد إصابته برصاصتين اخترقتا رأسه، في السابع من إبريل/نيسان 2008، من دون محاسبة القاتل، "على الرغم من أن القاتل معلوم، ويُدعي محمد يوسف، ولم يتم التحقيق معه أو محاسبته حتى الآن، لا بل نقلته وزارة الداخلية للعمل في مكان آخر ".

يستعيد والد الشهيد الذكريات المؤلمة لذلك اليوم، فيشير إلى أن نجله أحمد "أسرع إلى الشرفة عندما سمع صوت إطلاق أعيرة نارية في الشارع حيث طارد الأمن المتظاهرين من ميدان الشون إلى حي الجمهورية الذي نعيش فيه، وكان إطلاق النار عشوائياً، فاستقرت طلقتان في رأس أحمد رغم أننا نسكن في الطابق الثالث". أكثر من ذلك، فقد رفض السلطات صرف راتب استثنائي يعين الرجل "على الرغم من موافقة محافظ الغربية السابق، محمد عبد القادر، على ضم ابني لشهداء ثورة 25 يناير"، ووصل الأمر حدّ رفض مسؤولو الحي إطلاق اسم أحمد على الشارع الذي نسكنه" تكريماً له.

التهمة: نشر صورة
اعتقلته قوات الأمن المصرية في الثامن من 8 إبريل/نيسان 2008، بسبب نشره صورة مبارك بعدما أسقطها أهالي المحلة وداسوها بأقدامهم على مدونته الإلكترونية. هو المتحدث الإعلامي لحزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، ممدوح المُنيّر، الذي كان أول من أعلن نبأ سقوط الشهيد أحمد علي مبروك، على مدونته، ففوجئ بقدوم "زوّار الفجر" لاعتقاله. وقضى المُنيّر سبعة أشهر في السجن "لأنني نشرت حقيقة الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الأمن بحق المشاركين في انتفاضة المحلة التي حرصت وسائل الإعلام، التابعة للنظام، على التعتيم عليها والادعاء بأن الوضع مستقر في المدينة" على حد تعبيره لـ"العربي الجديد".

وتوقع المُنيّر، الذي أُصيب بطلق ناري خلال مجزرة رابعة العدوية في أغسطس/ آب الماضي، أن "تلقى صور السيسي، المنتشرة في الميدان، مصير صور مبارك نفسه". وعن رأيه في مساعي المحافظة بناء جسر في ميدان الشون، فهو يعتبر ذلك بمثابة "محاولة لمحو الدور الثوري للمحلة ولإنهاء دور الميدان كمنطقة لتجمع الثوار، وخصوصاً أن مشروع الكوبري ليس ضرورياً، ويمكن الاستعاضة عنه بتوسيع الحارات ورفع الإشغالات وتنظيم إشارات المرور بشكل أفضل".

تحول مقر حزب "الحرية والعدالة" القريب من ميدان الشون، إلى مقر "دار الحكمة" للتحاليل الطبية بعد الانقلاب، "فتركنا المقر بعد تجميد نشاط الحزب"، مثلما يوضح المُنيّر. ويتابع "على كل الحال، كانت مساحة المقر صغيرة لا تتناسب مع نشاط الحزب، ونحن نبحث حالياً عن مقر أوسع لنفتتحه عقب سقوط الانقلاب مباشرة، وهو ما نؤمن أنه سيحدث قريباً".

وعن الذكرى السنوية السادسة لانتفاضة المحلة، يتوقع الرجل أن تمر "مرور الكرام" هذا العام، بعد "تخلي حركة شباب 6 إبريل عن الكثير من مواقفها ومطالبها تحت وطأة الضغط الأمني"، بحسب رأيه.

وعن مستقبل المصالحة بين "التحالف الوطني لدعم الشرعية"، والحركة، يأسف المنيّر إلى أن الخلافات كبيرة جداً مع الحركة.

المساهمون