الاعتداءات تصل لأزقة القاهرة: ملاحظات حول الأداء الأمني

الاعتداءات تصل لأزقة القاهرة: ملاحظات حول الأداء الأمني

20 فبراير 2019
خلال تشييع أحد قتلى التفجير في القاهرة أمس(العربي الجديد)
+ الخط -

يثير وصول العمليات الإرهابية في مصر إلى حارات وأزقة العاصمة، بعدما فجر انتحاري نفسه، أول من أمس، في حارة قديمة خلف الجامع الأزهر، وسط القاهرة، ليودي بحياة ضابط وأميني شرطة معه، تخوف المصريين. وبعد أقل من نصف ساعة من وقوع التفجير، نشرت الوزارة مقاطع فيديو تؤكد أن الشاب، الذي أُعلن أن اسمه الحسن عبدالله، كان تحت مراقبة الشرطة منذ صبيحة يوم التفجير، وتم رصده في مناطق متفرقة من العاصمة، بينها منطقة باب الخلق، في مواجهة مديرية أمن القاهرة. واعتبرت وزارة الداخلية ما جرى "نجاحاً لها في تتبع الشاب"، وأنها وجهت ضربة استباقية له بحرمانه من تنفيذ عدة عمليات إرهابية تستهدف الشرطة والمدنيين في مناطق مختلفة.

غير أن الواقع يحمل قراءة أخرى للرواية الأمنية، فالشاب استطاع استدراج ثلاثة من رجال الشرطة وقتلهم معه، بالنظر لوسائل التفجير والعبوات الناسفة البدائية التي نشرت الشرطة صورها في وقت لاحق، وقالت إنها عثرت عليها في منزل آمن كان الشاب يقيم فيه، حيث يصنع عبواته الناسفة ويتنقل بدراجته الهوائية لتوزيعها على مناطق مختلفة بالقاهرة والجيزة. كما أن التعامل اليدوي الاعتيادي مع الشاب قبيل تفجير نفسه يتناقض بصورة واضحة مع التعامل الأمني الحاسم والعنيف في مناسبات أخرى، يفترض أن يكون فيها الحفاظ على أرواح المتهمين أو المشتبه بهم أولوية لدى الشرطة، نظراً لما يمثله بعضهم من أهمية معلوماتية قصوى عن كيفية تأسيس وإدارة وتمويل الجماعات الإرهابية المختلفة. وليس ببعيد عن الذاكرة إعلان الشرطة قتل العشرات في أماكن اختبائهم أو تدريبهم، بزعم انتمائهم لتنظيم "داعش" في سيناء أو الصعيد أو لجماعة الإخوان المسلمين، في الوقت الذي يكون بعض هؤلاء على رأس قوائم المطلوبين لأهميتهم التنظيمية وكثافة المعلومات المرجو معرفتها منهم.

وتطرح هذه النقطة سؤالاً حول الكفاءة الفنية لضباط وأمناء الشرطة المكلفين بمواجهة العناصر الإرهابية، خصوصاً في قلب المناطق الحضرية المأهولة، وكذلك المكلفين بتفكيك العبوات الناسفة والقنابل. وهذان الأمران ينطويان على قصور مُتكرر، ويتسببان في سقوط أرواح بريئة، وفقدان جهاز الشرطة لعناصر مهمة من المفترض أنها من بين الأعلى تدريباً على مواجهة تلك الأخطار المباشرة. لكن الحادث على صعيد آخر يكشف تغييراً في سياسة وزارة الداخلية في التعامل مع المعلومات الخاصة باستباق العمليات الإرهابية، فـ"المأمورية" المكلفة بمتابعة الشاب والبحث عنه كانت مكونة من الأمن الوطني والأمن العام، وليس الأمن الوطني فقط، كما كان الأمر في معظم الوقائع المشابهة قبل العام 2018. وعن ذلك، يقول مصدر أمني إن الوزارة تلقت تعليمات مشددة من المستشار الأمني لرئيس الجمهورية اللواء أحمد جمال الدين، بضرورة العمل كفريق من إدارتين على الأقل في كل واقعة، حتى يسهل التواصل مع أكبر عدد من المسؤولين للتدخل وإنقاذ أي موقف صعب، وذلك في أعقاب الضربة الإرهابية الموجعة التي تلقتها الشرطة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2017 بمنطقة الواحات البحرية، والتي أدت إلى تغييرات واسعة في مجموعة قيادات الأمن الوطني والأمن العام، فضلاً عن تسببها بصورة مباشرة في إقالة رئيس أركان الجيش السابق وصهر السيسي الفريق محمود حجازي.

وأوضح المصدر الأمني، الذي يعمل في الأمن العام، أن "عملية الدرب الأحمر لم تتوافر بشأنها معلومات كافية بسبب عدم قدرة الأمن الوطني على تحديد مكان إقامة الشاب، ولذلك لجأ الجهاز بمساعدة مباحث العاصمة إلى أسلوب المتابعة الميدانية، مع إخطار الشرطة العسكرية بالاستعداد لتأمين الأماكن المهمة في محيط الجمالية والغورية والدرب الأحمر"، مقراً بوجود قصور في التعامل المباشر مع مثل هذه الأخطار، وأنه كان من الممكن استدراج الشاب إلى منطقة أوسع مع استمرار مراقبته ثم مُحاصرته، لكن هذا لم يحدث، ربما بسبب رغبة الأمن الوطني في إنهاء القضية سريعاً. ورغم أن كاميرا مراقبة أحد المحال التجارية في المنطقة رصدت لحظة التفجير، بما لا يدع مجالاً للشك في الطريقة التي انتهت بها الواقعة، إلا أن المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي استقبلوا الحادث بالتشكيك في سبب ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية قبيل كل مناسبة سياسية مهمة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظامه. ففي الوقت الذي تحاول فيه أجهزة النظام، الأمنية والإعلامية، التهوين من خطورة العمليات المتعاقبة، بما فيها تلك التي تسللت إلى أماكن جديدة، كالدرب الأحمر أول من أمس، أو منطقة المريوطية بالهرم الشهر الماضي، تعمد أجهزة النظام، السياسية والدبلوماسية، إلى المتاجرة بتلك العمليات في الخارج، لتصوير وكأن النظام يحارب الإرهاب في جميع أرجاء مصر، وأن "العنف الإسلامي"، بحسب مزاعم النظام، ما زال يهدد المجتمع المصري، ويستلزم الأمر بقاء السيسي في السلطة لفترة أطول من المنصوص عليها دستورياً، ويتطلب أيضاً صمت المجتمع الدولي على انتهاك الحريات وحقوق الإنسان.

فمنذ ما قبل تولي السيسي للرئاسة، حيث كان نائباً أول لرئيس الوزراء حازم الببلاوي، تم استغلال حادث تفجير مديرية أمن الدقهلية، الذي أثبتت التحقيقات القضائية في ما بعد مسؤولية جماعة "أنصار بيت المقدس" ("ولاية سيناء" حالياً) عنها، لإصدار قرار في نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2013 باعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً إرهابياً والتحفظ على أموالها وممتلكاتها، وكذلك أموال وممتلكات أعضائها من رجال الأعمال وأصحاب المصالح الاقتصادية. وفتحت على خلفية هذا القرار القضية 653 لسنة 2014 حصر أمن دولة عليا، التي استغلت للتحفظ على أموال 1538 شخصاً بتهمة تمويل "الإخوان"، ثم إدراجهم على قائمة الإرهابيين، رغم عدم تحديد الجرائم المزعوم ارتكابها بواسطتهم. وفي 19 يوليو/ تموز 2014 تعرضت نقطة حرس حدود تابعة للجيش المصري بمنطقة الفرافرة بالوادي الجديد لضربة موجعة من العناصر الإرهابية المنتمية لجماعة "أنصار بيت المقدس"، بقيادة ضابط الجيش السابق هشام علي عشماوي، الذي انفصل لاحقاً عن التنظيم لرفضه مبايعة "داعش"، وراح ضحية الهجوم 21 ضابطاً وجندياً، فزاد السيسي من ضغوطه الإعلامية والسياسية على المحاكم لاستصدار أحكام جنائية مشددة ضد قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين، حتى صدر حكم غير مسبوق من المحكمة الإدارية العليا في 9 أغسطس/ آب، أي في فترة العطلة القضائية المعتادة، بحل "حزب الحرية والعدالة"، الذراع السياسية للجماعة، ليجهز السيسي على "الإخوان" سياسياً واقتصادياً، مع استمرار ملاحقتهم أمنياً وقضائياً.

ثم استغل السيسي حادث استهداف كمين كرم القواديس، جنوب الشيخ زويد، بشمال سيناء، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2014، والذي راح ضحيته 30 جندياً، ليصدر بعد 48 ساعة فقط قانوناً، غير مسبوق ومشبوه بعدم الدستورية، بإحالة جميع قضايا العنف والتظاهر أمام المنشآت العامة إلى القضاء العسكري بدلاً من القضاء العادي، واعتبار المنشآت الحكومية والمرافق بمثابة منشآت عسكرية، ليقرر النائب العام الراحل هشام بركات إثر ذلك إحالة جميع قضايا التظاهر والعنف والاشتباكات الأهلية بأثر رجعي منذ تاريخ فض اعتصامي رابعة والنهضة إلى القضاء العسكري، في مخالفة للدستور، ثم سارع إلى إخلاء مئات المنازل في مدينة رفح، وتجريف الأراضي والمزارع، وهدم عشرات المنشآت، ثم إغراق شريط واسع من المنطقة بالمياه بحجة هدم الأنفاق الواصلة بين غزة وسيناء، حيث كان الإعلام المصري في ذلك الوقت يروج لرواية مفادها أن "حماس" تسمح لجماعة "أنصار بيت المقدس" بنقل الأسلحة والعتاد والأغذية عبر الحدود.

وفي إبريل/ نيسان ومايو/ أيار 2017 أعلن السيسي حالة الطوارئ على مستوى الجمهورية، للمرة الأولى منذ فض اعتصامي رابعة والنهضة، بعدما كانت قاصرة على جزء من شمال سيناء فقط، استغلالاً لعمليات استهداف الكنيسة البطرسية بالعباسية ومارجرجس بطنطا. كما سارع بعد الحادثين إلى تعديل بعض قوانين تنظيم العدالة نازعاً بعض ضمانات المحاكمة بشكل عام، بحجة تسريع وتيرة الفصل في قضايا الإرهاب. وأحدث استغلال للهجمات، إعلان وزارة الداخلية، أمس الثلاثاء، قتل 16 شخصاً في العريش، شمالي سيناء بدعوى تخطيطهم لتنفيذ سلسلة من العمليات الإرهابية.