ميشال عون ونبيه بري: التفاهم المستحيل في لبنان

ميشال عون ونبيه بري: التفاهم المستحيل في لبنان

19 يناير 2018
عون وبري على طرفي نقيض (حسين بيضون)
+ الخط -
تمرّ العلاقة بين رئيس الجمهورية اللبنانية الحالي ميشال عون، وصهره وزير الخارجية رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل من جهة، وبين رئيس مجلس النواب ورئيس "حركة أمل" نبيه بري، ومعه وزير المالية ومستشاره علي حسن خليل من جهة ثانية، بواحدة من أسوأ أوقاتها.

بقي الرجلان عون وبري على طرفي نقيض خلال الحرب والسلم في لبنان، رغم التحالف المُشترك الذي جمعهما مع "حزب الله" إلى جانب النظام السوري منذ 2005، تاريخ عودة عون إلى لبنان بعد أشهر من اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

أقام عون في منفاه في العاصمة الفرنسية باريس، منذ خسارة المعركة العسكرية والسياسية مع النظام السوري عام 1990، بينما تربّع برّي على رأس السلطة التشريعية في لبنان منذ عام 1992 وحتى اليوم.

 


لم تخل المحطات السياسية والاستحقاقات الدستورية منذ عام 2005 من تباين تفاوتت شدته بين بري وعون، مع محاولات دائمة من الحليف المُشترك للفريقين - "حزب الله" - لاستيعاب المشاكل والتقليص من آثارها السلبية على تحالف قوى الثامن من آذار، أو حلفاء النظام السوري في لبنان. وفي حين تفاوتت نجاحات الحزب وأمينه العام حسن نصر الله، في احتواء الخلافات المُتكررة، لم يستطع رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، أداء دور الوسيط بسبب تآكل رصيده السياسي الداخلي إثر التحديات السياسية والمالية التي فرضتها عليه التطورات المحلية والإقليمية. 

مرافئ ومراسيم

يحمل الخلاف اليوم ثلاثة عناوين مُباشرة، هي: منح أقدمية استثنائية لضباط الجيش من دورة عام 1994، وتعديل القانون الناظم لوزارة الخارجية التي يحجز بري حصة وازنة في إداراتها، وبند التعديلات على قانون الانتخابات النيابية المُقرر إجراؤها في مايو/ أيار المقبل، الذي طلب وزير الخارجية جبران باسيل إدراجه على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، أمس الخميس. 

بدأت كرة الثلج مع توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم يسمح بمنح أقدمية استثنائية لضباط إحدى الدورات العسكرية في الكلية الحربية بدون توقيع وزير المال علي حسن خليل (من حصة بري) عليه، والاكتفاء بتوقيع عون والحريري عليه. وهو ما قابله بري برفض هذه الخطوة بحجة "ضرورة توقيع وزير المال بسبب الأعباء المالية التي يرتبها المرسوم على ميزانية الدولة". وهو ما حمل ضمناً رفضاً من بري لتمرير مرسوم من دون "التوقيع الشيعي" الذي يُمثّله وزير المال علي حسن خليل، حالياً. 

وبعد أن طلب عون من "المُعترضين" التوجه إلى القضاء، ردّ بري بأن "القضاء حجّة الضعيف في لبنان"، وأنه "قد يلجأ إلى العدلية عندما لا يكون الوزير مُنتمياً سياسياً"، في هجوم مباشر على وزير العدل، عضو "التيار الوطني الحر"، سليم جريصاتي. 

تبدو حجّة بري الدستورية في الإصرار على توقيع وزير المال على المرسوم أقوى، وهو ما أكدّه خبراء دستوريون كُثر أدلوا بدلوهم في هذا الملف، وعادوا في مراجعاتهم إلى المادة 54 من الدستور. لكن بعض ناشطي مواقع التواصل لاحظوا فرقاً بين نص المادة 54 المنشور على موقع رئاسة مجلس النواب الرسمي وبين النص المنشور للمادة نفسها على موقع رئاسة الجمهورية. وهو فرق لم يتم تفسيره، مع إصرار بري على عدم اللجوء إلى القضاء في هذا الملف الخلافي. 

علماً أن صلاحية البت في دستورية المراسيم تعود حصراً إلى "مجلس شورى الدولة" الذي تم تجاوزه قبل أشهر قليلة فقط مع إصرار أحد المُتعهّدين على انتهاك الشاطئ العام في منطقة الرملة البيضاء في بيروت واستكمال بناء منتجع سياحي على الملك العام رغم قرار "مُلزم" لشورى الدولة بوقف أعمال البناء. فكيف يمكن للمجلس البتّ في خلاف على مستوى الرئاستين الأولى (الجمهورية) والثانية (البرلمان) في بلد نظام الحكم فيه طائفي كلبنان؟ 

وفي ملف تعديل القانون الناظم لوزارة الخارجية التي يتولاها صهر رئيس الجمهورية وخليفته بالتزكية على رأس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، للمرة الثانية على التوالي، يبرز الخلاف على حصة بري و"حركة أمل" بعد التعديلات التي يقترحها باسيل على هيكلية الوزارة التي قد تشهد دمجاً لبعض المديريات وتبديل الحصص بين القوى السياسية فيها. وهو ما يُعارضه بري، الذي ينظر إلى باسيل كوريث شرعي للخلاف بينه وبين عون. وهو ما عززه باسيل منذ عام 2009، عندما صرّح بأن "منطقة جزين (ذات الأغلبية المسيحية في الجنوب اللبناني) قد "تحررّت" إثر فوز لائحة "التيار الوطني الحر" فيها على لائحة مدعومة من "حركة أمل". وهو ما عزز الخلاف الطائفي والسياسي بين الفريقين. 

وفي استكمال للخلاف الانتخابي بين الطرفين، وربطاً مع الخلاف الرئيسي في مرسوم دورة الضباط، يُعارض نواب ووزراء "أمل" طرح الوزير باسيل أي محاولة لتعديل مسار العملية الانتخابية، مع طرح وزير الخارجية طلب تمديد مُهل تسجيل المُغتربين الراغبين بالتصويت في الانتخابات. وهو الخلاف الوحيد المطروح بين الطرفين على طاولة مجلس الوزراء، وسيحتاج عاجلاً أم آجلاً إلى موقف واضح من رئيس الحكومة سعد الحريري، وهو المديون سياسياً لكلا الطرفين اللذين وحّدا جهودهما خلال أزمة استقالته التي أعلنها من الرياض في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي. وشكّل الدعم المُشترك من قبل بري وعون للحريري خشبة خلاص لمصيره السياسي وليس لموقعه كرئيس للحكومة الأولى في عهد عون فقط. ​

وسبق هذه المراحل السياسية الخلافية تشكيل الحرب الأهلية اللبنانية أول منصات الخلاف بين عون الذي كان قائداً للجيش (1984 - 1989)، وبين المحامي نبيه بري، الذي تدرّج في قيادة "حركة أمل" حتى وصل إلى رئاستها خلفاً للمرجع الشيعي موسى الصدر. تخلل الحرب انشقاق أحد ألوية الجيش اللبناني (اللواء السادس - مشاة) وانضمام عساكره إلى قوات "أمل" التي قاتلت مع الجيش السوري قوات "حركة فتح" بقيادة ياسر عرفات وقوات "حركة المرابطون" اللبنانية المُتحالفة معها، في ما عرف باسم "حرب المخيمات" التي امتدت بين عامي 1985 و1988. وبعد أن قصفت قوات الجيش بقيادة عون "المرافئ غير الشرعية" عام 1989 رداً على امتناع مصرف لبنان عن تسديد مستحقات الحكومة العسكرية التي ترأسها عون، طاول القصف مرفأ الأوزاعي، جنوبي العاصمة بيروت، الذي سيطرت عليه "أمل"، كما امتد إلى مرفأ جونية، شمالي العاصمة، الذي كان خاضعاً لسيطرة "القوات اللبنانية". 
​ويبقى الخلاف العوني مع بري أحد أوجه التشابه بين مرحلتي الحرب والسلم في لبنان، رغم اختلاف أدوات الصراع باختلاف المراحل.