سورية: مناورة جديدة للنظام هرباً من الاستحقاقات الدولية

سورية: مناورة جديدة للنظام هرباً من الاستحقاقات الدولية

08 ديسمبر 2018
فشل اجتماع أستانة الأخير بالتوصل لاتفاق حول اللجنة الدستورية(الأناضول)
+ الخط -
بالتوازي مع فشل مسار أستانة في تحريك العملية السياسية السورية، والدعوة الأميركية لوقف هذا المسار، يحاول النظام السوري طرح "مسارات بديلة" تجنّبه الاستحقاقات المقلقة له والمترتبة عليه بموجب ذلك المسار، خصوصاً المتعلقة بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، ورفع يده عن الجيش والأجهزة الأمنية فضلاً عن القضاء والمحكمة الدستورية العليا. يأتي ذلك مع معاودة المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، مناشدته الأطراف السورية لتشكيل اللجنة الدستورية، قائلاً في تصريحات للصحافيين أمس إن ثمة خلافات حول "أسماء قليلة" لأولئك الذين سيكونون في تلك اللجنة. وأضاف أن "الاتفاق بالأساس" مطلوب من جانب النظام، مشيراً إلى أنه يسعى للحصول على مساعدة الصينيين لإقناع النظام "بأن الأمر يستحق بذل جهد".

وروّجت وسائل إعلام النظام، وشخصيات مقربة منه، أنباء عن أن النظام وجّه دعوات لعدد من الشخصيات في مجمل المحافظات لحضور "مؤتمر حوار وطني" يُعقد في العاصمة دمشق، من دون اتضاح موعده بدقة حتى الآن، أو جدول أعماله. ونقلت وسائل إعلام محلية عن أحد المدعوين إلى هذا الحوار، قوله إن المؤتمر المزمع عقده في "قصر المؤتمرات" في دمشق يضم مؤيدين ومعارضين للنظام ممن أجروا تسويات مع قوات النظام وقرروا البقاء في مناطقهم، مشيراً على وجه الخصوص إلى توجيه دعوات لبعض الشخصيات في محافظة درعا الجنوبية، إضافة إلى أشخاص آخرين من بينهم وزير الإدارة المحلية المستقيل من الحكومة السورية المؤقتة محمد المذيب، لكن أغلبهم رفضوا الحضور بسبب "عدم وجود جدول أعمال واضح ومعلن".

وعن هذا الأمر، أكد عضو القيادة الجنوبية في محافظة درعا، أبو توفيق الديري، تلقي العديد من شخصيات المعارضة في الأردن وفي درعا، بينهم ضباط، دعوات لحضور هذا المؤتمر، مشيراً إلى أن الموقف العام كان رفض هذه الدعوات. وأوضح الديري في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن النائب السابق لرئيس الهيئة العليا للتفاوض المعارضة، خالد المحاميد، يتولى تنسيق جهود النظام لاستقطاب بعض شخصيات المعارضة في محافظة درعا، معتبراً أن جهود النظام في هذا الإطار تستهدف الهروب من الاستحقاقات السياسية المقبلة المتعلقة باللجنة الدستورية والانتخابات وعملية الانتقال السياسي. وأضاف أنه بعد تصفية المعارضة عسكرياً في محافظة درعا والكثير من المناطق السورية الأخرى، "ينتقلون الآن إلى محاولة التصفية السياسية، عبر تصدير بعض المرتبطين بالنظام على أنهم المعارضة الحقيقية التي سيتم التفاوض معها لإنجاز الحل السياسي".

أما "هيئة التنسيق الوطنية" المعارضة، فلم تتلقَ أي دعوات لحضور مثل هذا المؤتمر، كما يؤكد عضوان فيها لـ"العربي الجديد". وأوضحت عضو الهيئة أليس مفرج، أن الهيئة تؤيد فقط العملية السياسية القائمة على أسس جنيف، فيما قال عضو "التنسيق الوطنية" أحمد العسراوي إنه لا يملك معلومات دقيقة عن هذا المؤتمر الذي وصفه بأنه "لعب على الحبال". ولم يستبعد عسراوي أن يكون هدف مثل هذه الخطوات محاولة إيجاد مسار بديل للمسار الدولي المتعلق باللجنة الدستورية قائلاً: "عندهم كل الاحتمالات ممكنة". وأشار عسراوي إلى العقدة التي وصل إليها المسار السياسي، إذ تعلن واشنطن انتهاء مسار أستانة، بينما يضع النظام العقبات أمام اللجنة الدستورية، في حين يتفرغ الروس لانتقاد الأميركيين. وختم بالقول إن ذلك قاد إلى حلقة مفرغة، لافتاً إلى تجاهل هذه الوقائع من جانب العديد من قوى المعارضة السورية.

وفي ما يبدو أنه تلاقٍ بين جهود النظام وبعض القوى المحسوبة عليه في صفوف المعارضة، أصدرت "منصة موسكو" بياناً الخميس، أعلنت فيه عدم اعترافها بالهيئة العليا للتفاوض، التابعة للمعارضة، "لأنها باتت تتماهى تماماً مع المشاريع الغربية في سورية"، بحسب البيان، الذي كان يشير إلى تحركات وتصريحات وفد الهيئة العليا خلال اجتماعه مع المجموعة المصغرة في واشنطن قبل أيام. وانتقدت "منصة موسكو" ما اعتبرته "تبنياً حرفياً" من قيادة الهيئة للطرح الغربي بما يخص مسائل العقوبات وإعادة الإعمار وعودة اللاجئين. واعتبرت أن قيادة الهيئة تغض الطرف عن السلوك الأميركي وسلوك قوات التحالف الدولي في سورية، ولا "تقلق" من عمليات قصف المدنيين شبه اليومية التي يقوم بها التحالف. وختم بيان المنصة بالقول: "إننا في منصة موسكو للمعارضة السورية، لا نعترف بالسياسة التي تتبعها رئاسة هيئة التفاوض، والتي تقوم على العمل الاستفزازي الممنهج لعرقلة أي جهود حميدة لبدء الحوار لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، الأمر الذي أفقدها شرعيتها السياسية".

في المقابل، اعتبر المتحدث باسم الهيئة العليا للتفاوض، يحيي العريضي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الاستعصاء الحالي في العملية السياسية ناتج أساساً عن إحساس النظام بالخطر من نتائج هذه العملية، لافتاً إلى أن "النظام اختار أساساً الحل العسكري بغية تجنّب التغيير عبر العملية السياسية". ورأى العريضي أن السبب الآخر للاستعصاء هو أن روسيا لم تحدد حتى الآن مصالحها بشكل نهائي وسط مزاحمة دولية لها، خصوصاً من الولايات المتحدة، و"روسيا عملياً لم تستطع حتى الآن تثبيت مقاربة حقيقية للوضع إلا عبر تكتيكات قصيرة النفس لا تسمن ولا تغني". واعتبر أن الاستعصاء شكّل مفاجأة للجميع خلال الأشهر الثلاثة الماضية "بعد تبلور استراتيجية أميركية جديدة باتت ملامحها واضحة عكّرت على روسيا خططها في المنطقة".

وحول اجتماع وفد هيئة التفاوض مع المجموعة المصغرة لدعم سورية، قال العريضي إن وفد الهيئة طرح رؤيته في مختلف النواحي من المعتقلين والمهجرين وإعادة الإعمار. واعتبر أن دعوات النظام لحوار وطني، والتي تشمل جهات مفترضة في المعارضة، تهدف إلى إفراغ مؤسسات المعارضة الحقيقية من مضمونها، خصوصاً هيئة التفاوض التي اتقنت اللعبة السياسية وتشكل نداً مزعجاً للنظام، حسب تعبيره.

هذه المواقف تأتي بعد تصريحات للمبعوث الأميركي إلى سورية جيمس جيفري، الذي بدأ جولة في المنطقة تشمل تركيا والأردن لبحث الملف السوري. وحسب بيان للخارجية الأميركية، فإن جيفري سوف يبحث "سبل الضغط بأعلى مستوى على النظام السوري، والخطوات تجاه الحل السياسي الذي ينص عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254". واستبق جيفري جولته بالدعوة لإنهاء مسار أستانة الذي لم ينجح حتى الآن في إنشاء لجنة دستورية سورية. وقال "إذا لم يتسن لهم بحلول 14 ديسمبر/كانون الأول إنجاز هذا الأمر، فيجب إنهاء مسار أستانة"، على أن تعود المفاوضات إلى جنيف، على الرغم من أن لقاءات جنيف لم تنجح أيضاً في النقاط الرئيسية التي طرحت خلالها والمتعلقة بإيقاف إطلاق النار أو الانتقال السياسي أو الإفراج عن المعتقلين.


ولاقت تصريحات المبعوث الأميركي رفضاً من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الذي اعتبرها "غير موفقة"، معتبراً أنها لا تعبّر عن رأي شخصي لدى جيفري. وسبق أن قالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر ناورت، إن محادثات أستانة تسبّبت في "مأزق" في ما يتعلق باللجنة الدستورية، معتبرة أن روسيا وإيران تستغلان أستانة للتغطية على رفض النظام السوري المشاركة في العملية السياسية.

ويبدو أن واشنطن تعمل هي الأخرى على مسار مختلف تحاول رسمه على الأرض. وكشف عن هذا المسار جيفري نفسه، الذي قال قبل أيام إن لدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خيارات مختلفة للانخراط عسكرياً في سورية، بما فيها استراتيجية سبق أن طبقت في العراق، مشيراً بعد اجتماع للمجموعة المصغرة بشأن سورية في واشنطن، إلى إمكانية فرض حظر جوي في شرق سورية كما كان الأمر في شمال العراق خلال التسعينيات. وأوضح أن بلاده سوف تتبنى مع حلفائها استراتيجية عزلة تشمل العقوبات، في حال عرقل نظام بشار الأسد العملية السياسية الرامية لإنهاء الحرب في البلاد. ورفض جيفري الاتهامات الموجهة إلى الولايات المتحدة من قبل روسيا بالسعي إلى تقسيم سورية عن طريق دعم الحركات الكردية، قائلاً إن واشنطن متمسكة بوحدة الأراضي السورية ضمن حدودها الحالية.

وكان رئيس هيئة الأركان الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، اتهم الولايات المتحدة بمحاولة إنشاء كيان كردي مستقل شمالي سورية وتشكيل حكومة ما يسمى بـ"فدرالية شمال سورية الديمقراطية"، مشيراً إلى أن روسيا عرضت على الولايات المتحدة إزالة قاعدة التنف وفرض سيطرة أميركية-روسية مشتركة هناك، لكنها لم تستجب.
وبغض النظر عن المناكفات الروسية-الأميركية حول سورية، لكن ثمة مؤشرات ومعطيات عدة بأن الولايات المتحدة تعمل فعلاً على مشاريع شرقي نهر الفرات في سورية، تتمثل في إقامة "كيان" أو إدارة كردية في تلك المنطقة تضم قوات كبيرة وتستغل الموارد النفطية الموجودة هناك، والتي تشكل معظم وارادت البلاد من النفط والغاز.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأميركية، الجنرال جوزيف دانفور، إن الولايات المتحدة بحاجة إلى تدريب 35 إلى 40 ألف مقاتل محلي في سورية في منطقة شرق الفرات. وقال دانفورد في مؤتمر نظمته صحيفة "واشنطن بوست" يوم الخميس إنه تم إنجاز هذا العمل بنسبة 20 في المائة فقط حتى الآن. وكانت مصادر كردية قالت في وقت سابق إن الخطط الأميركية تستهدف في النهاية تأهيل "قوات محلية" في شرق الفرات بقوام 120 ألف مقاتل، من ضمنهم عناصر الشرطة المحلية.

وفي سياق متصل، طلب ممثل "مجلس سورية الديمقراطية" (مسد) في أميركا، بسام إسحاق، من الولايات المتحدة استثناء مناطق شرق الفرات من العقوبات الاقتصادية الأميركية على سورية. وقال إسحاق في تصريح الخميس، إنه في حال وافقت واشنطن على ذلك فإن الباب سيكون مفتوحاً للحصول على اعتراف من المؤسسات الدولية بالعملية التعليمية والشهادات التي تمنحها، لكنه نفى ما ذكرته مصادر إعلامية بأنه طلب من الولايات المتحدة الاعتراف بمناطق شرق الفرات بشكل منفصل عن سورية.