مواجهات السلفيين و"الإخوان" بتعز: خلفيات عدة وعراقيل تواجه الوساطات

مواجهات السلفيين و"الإخوان" بتعز: خلفيات عدة وعراقيل تواجه الوساطات

27 ابريل 2018
مختلف الأسلحة استُخدمت في المواجهات (أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -
تشهد مدينة تعز توتراً غير مسبوق مع تفجّر المواجهات بين فصائل مسلحة تابعة للحكومة الشرعية بمختلف الأسلحة الثقيلة والخفيفة، تخللها انتشار للمسلحين في شوارع المدينة والمرتفعات المحيطة بها، وإغلاق الشوارع ونشر نقاط تفتيش تطلب من المواطنين المتنقلين بين مناطق سيطرة الأطراف بطاقات إثبات الهوية.

وتفجّر الوضع الأمني بعد أن تحوّلت حملة أمنية مفترضة لإلقاء القبض على عناصر متورطة في قتل الموظف في الصليب الأحمر الدولي في المدينة، اللبناني حنا لحود، إلى معركة اشتركت فيها أطراف عدة، أولها قوات تابعة للجنة الأمنية، والسلفيون، وقوات تابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" تتضمن "لواء الصعاليك" و"كتائب حسم" و"لواء الطلاب"، فضلاً عن عناصر محسوبة على تنظيم "القاعدة". لكن المعارك تركزت بين السلفيين وجماعة "الإخوان"، وهو ما استدعى وساطات لاحتواء الموقف، أبرزها تلك التي يقودها حالياً وكيل محافظة تعز، الشيخ القبلي البارز عارف جامل، بناء على طلب من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، بعد تجاهل الأطراف المنخرطة في المعركة مطالب محافظ تعز أمين أحمد محمود، بوقف إطلاق النار، وحصار مقره لساعات، يوم الثلاثاء الماضي.

واندلعت المعارك عقب انتقال قوات تابعة للجنة الأمنية إلى المقرات العسكرية الخاصة بقيادة المحور والشرطة العسكرية والأمن العام، الواقعة في الجبهة الشرقية التي تسيطر عليها قوات تابعة للسلفيين، وتدخّلت أثناء عملية انتقال قوات اللجنة الأمنية، قوات تابعة لجماعة "الإخوان" التي باشرت بمهاجمة قوات السلفيين التي كانت تتمركز في مواقع الأجهزة الأمنية، قبل أن تشترك في الاشتباكات جماعات مطلوبة للجنة الأمنية، بينها حارث العزي، القيادي السابق في "القاعدة". كما هاجم "الإخوان" مواقع قوات السلفيين في الجبهة الشرقية، فتحركت جماعات السلفيين وفرضت حصاراً على قوات الشرطة العسكرية في موقعها شرقي المدينة، فيما عززت جماعة "الإخوان" صفوفها بقوات تابعة لها من "لواء الصعاليك" و"كتائب حسم" و"لواء الطلاب"، وسيطرت على مواقع السلفيين في ثعبات، واستولت على مدافع وأسلحة وأسرت عدداً من الجماعة السلفية، قبل أن يُصدر المحافظ توجيهات بإيقاف إطلاق النار. لكن القيادات العسكرية لم تنصع لتوجّهات المحافظ، بعد أن تولى قيادة المعركة العميد عبده فرحان سالم، مستشار قائد محور تعز، بسبب غياب الأخير عن تعز، فتحوّلت المعركة بين السلفيين وجماعة "الإخوان" وامتدت إلى شوارع وأحياء وسط المدينة، وانتشرت قوات الطرفين في مواقع ومرتفعات محيطة بمناطق وسط المدينة، وجرى تبادل للقصف المدفعي بين موقع قلعة القاهرة وموقع الأمن السياسي التابع للسلفيين، وبين مواقع تل الإخوة ومكتب التربية والتعليم وجبل الجهوري التابعة لـ"الإخوان".

وكشف مسؤول أمني، طلب عدم كشف هويته، لـ"العربي الجديد"، تفاصيل ما يجري في تعز، قائلاً "إنه لا توجد حملة أمنية مكلفة بملاحقة العناصر الإرهابية، وهذه المهمة تم تأجيلها بعد تسرّب خطة كانت معدّة لمداهمة أوكار العناصر الإرهابية التي نفذت عملية اغتيال حنا لحود". وأضح المصدر أنه عقب مقتل لحود، عُقد اجتماع يوم السبت الماضي، جمع محافظ تعز مع قيادات عسكرية، وناقش حادثة اغتيال لحود، وتم الاتفاق على اقتحام أوكار المتطرفين في سوق الصميل، وحي الهندي شرقي المدينة، والقبض على 6 أفراد متهمين بقتل لحود، وبعد ساعتين تسرّبت مخرجات الاجتماع، ووصلت معلومات للقيادي السابق في "القاعدة" حارث العزي بأن هناك حملة أمنية مزمع تنفيذها من قبل اللجنة الأمنية لملاحقة الجماعات المتطرفة.


ووصل بلاغ عملياتي لإدارة الأمن في تلك الليلة بأن المناطق المقرر مداهمتها فارغة بعدما انسحبت الجماعات المتطرفة من أوكارها المرصودة ونفذت عملية انتشار واسعة للقناصة والمسلحين التابعين لـ"القاعدة" في أزقة ومباني الجهة الشرقية للمدينة، وتمركزوا في ثمانية أبنية في حي الجمهوري، وتم تفريغ معمل المتفجرات التابع لـ"القاعدة" في حوض الإشراف شرقي المدينة. فأصدر المحافظ قراراً بوقف تنفيذ الحملة، والاكتفاء بانتقال قوات الشرطة وقوات الأمن وقيادة المحور إلى مقراتهم السابقة بعد إفراغها من قبل جماعة أبو العباس السلفية.

وحصلت "العربي الجديد" على نسخة من تقرير اللجنة المكلفة بالنزول الميداني إلى المنطقة الشرقية لزيارة المباني الحكومية هناك. وتضمّن التقرير إلى جانب تقييم وضع المقرات الحكومية في الجبهة الشرقية، تقسيم المباني الحكومية إلى قطاعات ومربعات أمنية، والطلب من كل جهة التواجد في مربعها وتحمّل المسؤولية الأمنية فيه. كما نصّ التقرير على ضرورة تسليم الحواجز الأمنية الموجودة حالياً في الطرق المؤدية إلى المنشآت الحكومية في الجبهة الشرقية والمناطق المحيطة، إلى الجهات المختصة وإخلاء المباني أمامها. وطلب التقرير أن تقوم الجهات المختصة بسرعة التحرك واستلام المباني التابعة لها بعد إخلائها من كتائب أبي العباس السلفية لإعادة تجهيزها وفق جدول زمني برعاية المحافظ، وقيام السلطة المحلية بسرعة إعادة المباني وتجهيزاتها حتى تتمكّن القوات الأمنية من مزاولة أعمالها. كما اقترح التقرير تشكيل كتيبة من قيادة المحور، وكتيبة من القوات الخاصة، وسرية من الأمن العام وسرية من قوات الشرطة العسكرية، لتثبيت المباني الحكومية والسيطرة على الخط المؤدي إليها.

وقال مسؤول في إدارة أمن محافظة تعز، إنه تقدّم بخطة للمحافظ تضمّنت انتقال قوات من الشرطة العسكرية والقوات الخاصة إلى مؤسسات الدولة شرقي المدينة. كما تضمّنت الخطة تسليم قائمة للقيادي السلفي عادل عبده فارع (الشيخ أبو العباس) وقائد "لواء العصبة" العقيد رضوان العديني، تشمل 40 اسماً من المطلوبين أمنياً بتهمة تنفيذ اغتيالات، 20 من هذه العناصر تتواجد في الجمهوري وسوق الصميل وحي الهندي وحوض الاشراف (شرق المدينة). بعض هؤلاء الأشخاص تم القبض عليهم في وقت سابق ثم جرى إطلاق سراحهم بعد تدخّلات من قبل شخصيات عسكرية وقيادية في فصائل "المقاومة"، ولدى الأجهزة الأمنية ملفات دقيقة عن هذه العناصر التي يصعب على قوات الأمن الوصول إليها وتوقيفها في تلك المناطق، بينها ثمانية أشخاص من المحافظات الجنوبية، وثلاثة من المطلوبين نفذ كل واحد منهم أكثر من 24 عملية اغتيال في صفوف الجيش الوطني. كما كشف أن قائد اللواء 35 مدرع، سبّق أن قدّم 22 اسماً للشيخ السلفي أبو العباس لتسليمهم كونهم مطلوبين أمنياً. وأشار المسؤول إلى أنه لا يمكن الوصول إلى هذه العناصر من دون تعاون من قيادة السلفيين، أو السماح لقوات الأمن بالوصول إلى هذه العناصر.

وفي سياق التوتر القائم في تعز، قال مصدر لـ"العربي الجديد"، إن مقر محافظ تعز تعرض لحصار من قبل جماعة "الإخوان" التي انتشر مسلحون تابعون لها في محيط سكن المحافظ الواقع في شركة النفط في شارع جمال، وسط المدينة، واستمر الحصار لثماني ساعات، من ظهر يوم الثلاثاء الماضي إلى عصره، قبل أن يُرفع الحصار بعد تواصل المحافظ مع الرئيس اليمني. وبحسب المصدر، فإن هادي أجرى اتصالات هاتفية مع قيادات في حزب "التجمّع اليمني للإصلاح" للتراجع عن هذه الخطوة، وكان قد كلف وكيل محافظة تعز عارف جامل بالانتقال الفوري من القاهرة التي كان يتواجد فيها، إلى تعز وتدارك الوضع المنفلت.

وبالفعل عاد جامل، القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي العام"، من القاهرة على متن طائرة خاصة إلى العاصمة المؤقتة عدن ومنها إلى مدينة تعز، من أجل نزع فتيل المعركة التي اندلعت أولى شراراتها بين قوات تابعة للقيادي السلفي أبو العباس، وقوات تابعة لجماعة "الإخوان" ممثلة بحزب "الإصلاح". وقال المصدر لـ"العربي الجديد"، إن الوساطة التي يقودها عارف جامل، تواجه عراقيل عديدة، وهناك مقترح قُدّم للسلفيين يتضمّن أن تعيد القوات التابع لحزب "الإصلاح" المواقع التابعة للقيادي السلفي أبو العباس في ثعبات والتي سيطر عليها "الإصلاح" قبل يومين. كما تضمّن المقترح إعادة الأسلحة التابعة للسلفيين والتي تم الاستيلاء عليها من قبل "الإصلاح"، والإفراج عن الأسرى من السلفيين، في المقابل تسليم المقرات المدنية التي أخذت من السلفيين لقوات الأمن، فيما تُسلم المقرات العسكرية للشرطة العسكرية، على أن تبقى المواقع الأخرى المتمثلة بقلعة القاهرة ومدرسة مجمع هائل وموقع الأمن السياسي بيد السلفيين إلى أن يسلم حزب "الإصلاح" كل المقرات والمواقع التي هي تحت سيطرة قواته في المدينة للسلطة المحلية ممثلة بالمحافظ أمين أحمد محمود.