نظام السيسي يعمّق جراح مجلس الدولة قبل الفصل بالجزيرتين

نظام السيسي يعمّق جراح مجلس الدولة قبل الفصل بالجزيرتين

04 يناير 2017
وائل شلبي (يمين) وأعضاء مجلس الدولة مع السيسي(العربي الجديد)
+ الخط -
أفصح قرار حظر النشر الصادر من النائب العام المصري، نبيل صادق، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"الرشوة الكبرى في مجلس الدولة" عن السبب الحقيقي وراء السماح للصحف الحكومية والخاصة المؤيدة للنظام بتناول القضية ونشر معلومات عنها نقلاً عن مصادر بهيئة الرقابة الإدارية والنيابة العامة طوال الأيام الخمسة الأولى من تفجيرها، والفاصلة بين القبض على مدير توريدات مجلس الدولة المرتشي جمال اللبان، وبين إعلان "انتحار" المتهم الرابع في القضية القاضي السابق، وائل شلبي، الذي أجبر على تقديم استقالته من القضاء بعد العثور على أدلة اتهام ضده. جميع ما نشرته الصحف المصرية والصفحات الخاصة بناشطين وصحافيين على موقع "فيسبوك" كان يهدف إلى التشكيك في مجلس الدولة كهيئة قضائية مستقلة، عرفت بارتفاع منسوب ثقة المواطنين فيها، منذ أواخر عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، لما أصدرته من أحكام عديدة تنتصر لحقوق وحريات المواطنين وتلزم الدولة بتغيير سياساتها، وآخرها حكم بطلان نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية بموجب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين البلدين قبل أشهر.


ويثير الحكم الأخير تحديداً شائعات في الأوساط القضائية والحكومية مفادها أن الدائرة المخابراتية-الرقابية المحيطة برئيس الجمهورية، عبدالفتاح السيسي، اتخذت قضية الرشوة تكأة للتشهير بمجلس الدولة وزعزعة ثقة المواطنين فيه، خصوصاً بعدما تم ضم واحد من أشهر قضاته إلى القضية. بل إن وائل شلبي الذي أعلنت السلطات انتحاره كان يعتبر أقوى رجل في مجلس الدولة خلال العقد الأخير، ويعرف بعلاقاته الوطيدة بالأجهزة الأمنية والهيئات الحكومية، والرضا الرسمي عنه لدرجة توليه عضوية مجالس إدارة العديد من الجهات الحساسة كالجهاز القومي للاتصالات وجهاز حماية المستهلك.

ويأتي تفجير هذه القضية بالتزامن مع إحالة اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية من الحكومة لمجلس النواب، ما يعني عدم اهتمام السلطتين التنفيذية والتشريعية بما ستصدره المحكمة الإدارية العليا (أعلى محاكم مجلس الدولة) من قرارات تخص جزيرتي تيران وصنافير في 16 يناير/ كانون الثاني الحالي.
وتعتبر مصادر قضائية عديدة داخل المجلس أن تفجير هذه القضية، بتفاصيلها المعقدة، والتشكيك في مجلس الدولة وقضاته "مقدمة لحملة إعلامية للتشكيك في أي حكم يصدر ضد الحكومة في قضية الجزيرتين، ووصفه أنه حكم انتقامي بسبب ما تعرض له مجلس الدولة من تشهير أو ما حل بوائل شلبي من تطورات انتهت بإعلان انتحاره في ملابسات غير معروفة، حتى الآن، وفي قلب هيئة الرقابة الإدارية التي تعتبر من أكثر الأماكن حساسية في مصر.
المصادر القضائية نفسها تنتقد أيضاً تعامل الرقابة الإدارية مع القضية بصورة إعلامية مقصود بها التشهير بالمجلس والعاملين فيه من موظفين وقضاة. كما تنتقد تجاهل النيابة العامة طلباً رسمياً تقدم به رئيس المجلس، المستشار محمد مسعود، بحظر النشر في القضية حفاظاً على صورة المجلس في نفوس المتقاضين، حتى حدثت وفاة وائل شلبي، فأعلن النائب العام حظر النشر فقط لقطع الطريق أمام التكهنات والتأويلات التي بدأت تتداولها صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مشككة في سيناريو انتحاره.
وتؤكد المصادر القضائية أن استهداف مجلس الدولة في هذا التوقيت تحديداً له أدلة في الأوراق القليلة التي تلقاها مجلس الدولة من واقع التحقيقات مع الموظف المرتشي. وتبين أن واقعة الرشوة حدثت منذ شهر كامل، وأن هيئة الرقابة الإدارية لم تضبط الموظف متلبساً يوم 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بل قبض عليه من مكان عمله، وذلك بعد تسجيل محادثاته الهاتفية لمدة ثلاثة شهور تقريباً، وبالتالي فقد كان يمكن للهيئة أن تقبض عليه في أي وقت سابق أو لاحق، وهو ما يطرح شكوكاً حول نزاهة الإجراءات من أهداف سياسية.
وبالإضافة لذلك، فإن الطريقة التي أعلنت بها الرقابة الإدارية عن الرشوة كانت "سينمائية" بدرجة كافية لتحميل الواقعة أكثر مما تحتمل. وترى المصادر أن الرقابة الإدارية خلطت، عن عمد، بين واقعة الرشوة التي قال الموظف المتهم في التحقيقات، إنها عبارة عن مبلغ 150 ألف جنيه (الدولار يساوي 18.9 جنيهاً)، وبين واقعة العثور على مبالغ نقدية محلية وأجنبية بما يعادل 160 مليون جنيه مصري في منزله، أثبتت التحقيقات لاحقاً أنها نتيجة تجارة الموظف في العملة الأجنبية بالسوق السوداء. ونتيجة هذا الخلط انطلق بعض المراقبين المصريين في تحليلاتهم إلى التشكيك في سلامة الإجراءات القانونية لجميع الأعمال الإنشائية والمشتريات التي قام بها مجلس الدولة في السنوات الخمس الأخيرة.
ويترقب قضاة مجلس الدولة الإعلان عن نتيجة تحقيقات النيابة في حادث وفاة وائل شلبي، بينما يرى بعضهم أن هناك شبهة جنائية في الحادث لأسباب عدة منها: استحالة أن يقدم شخص على الانتحار داخل مكان مراقب في قلب هيئة الرقابة الإدارية من دون أن يكون ذلك مرصوداً، وصعوبة سيناريو أن يشنق شلبي نفسه بواسطة "كوفية مثبتة في أنابيب السخان الكهربائي" بسبب طول قامته.

في المقابل، يرى آخرون أن شلبي قد انتحر فعلاً، مصدقين بذلك ما أشار له تقرير الطب الشرعي، لكن في الوقت ذاته يرجحون تعرضه قبل أن يقدم على هذه الخطوة للتخويف من أمر ما أو مساومته على معلومات معينة ليعترف على أشخاص أو كي لا يذكر أشخاصاً وجهات بعينها في التحقيقات. ويبرر هؤلاء ترجيحاتهم أن شلبي لم يكن في أسوأ حالاته خلال التحقيق الذي أجري معه في نيابة أمن الدولة العليا قبل ساعات من وفاته، وأن محاميه كان متفائلاً بخروجه من القضية خلال أيام، نظراً لعدم مواجهته في جلسة التحقيق الأولى بأي تسجيلات أو دلائل تدينه.
وبالتوازي مع هذا الترقب، وما يضاف إلى الخسائر التي لحقت بصورة مجلس الدولة بسبب هذه القضية، تتعرض إدارة المجلس لهجوم لاذع من القضاة المقربين من وائل شلبي. هؤلاء يتهمون رئيس المجلس بعدم توفير الحماية له، وبالتسرع في إجباره على الاستقالة بعد تلقيه طلب رفع الحصانة عنه، وعدم الاكتفاء برفع الحصانة مؤقتاً أو السماح له بالرد على الاتهام الموجه له بمذكرات مكتوبة، كما يحدث في بعض الوقائع الأخرى التي يُتهم فيها القضاة. ويضاف إلى ذلك ما يصفونه بـ"الرضوخ" لتهديدات الرقابة الإدارية بكشف مزيد من وقائع الفساد الوظيفي داخل المجلس.
وشهدت وسائل الإعلام المصرية في الآونة الأخيرة إبرازاً ملحوظاً للرقابة الإدارية ودورها سواء في ضبط وقائع الفساد أو المساهمة في بعض المشروعات التنموية، لا سيما توزيع الأغذية والسلع في المناطق الفقيرة. ويربط بعض المراقبين قوة الهيئة حالياً بأن رئيسها محمد عرفان كان زميلاً للسيسي في المخابرات الحربية خلال الثمانينيات. كما أن نجل السيسي مصطفى يعمل بالمكتب الفني المساعد لعرفان بعد ندبه من المخابرات الحربية للرقابة الإدارية.