تفجير مكتب ارتباط الكوريتين: انتقام لفشل مصالحة الشمال وأميركا؟

تفجير مكتب ارتباط الكوريتين: انتقام لفشل مصالحة الشمال وأميركا؟

17 يونيو 2020
كوري جنوبي يتابع تفجير المكتب(جونغ ييون ـ جي/فرانس برس)
+ الخط -
تدهورت الأوضاع في شبه الجزيرة الكورية، أمس الثلاثاء، مع تفجير الشماليين مبنى مكتب الارتباط في كايسونغ عند الحدود بين الكوريتين، في تصعيد متعدد الرسائل لا يبدو أنه سينتهي قريباً مع إعلان بيونغ يانغ أن الجيش سيتخذ خطوات إضافية، وردّت سيول في المقابل بأن "أي تصعيد سيواجه بالردّ القوي". ولا يمكن فصل التوترات الأخيرة عن تهديدات كيم يو ـ جونغ، شقيقة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ـ أون، للجنوب منذ نحو أسبوعين، على خلفية عدم منع سيول إرسال نشطاء منشقين منشورات دعائية على الحدود بين البلدين، تحرّض على إسقاط النظام في بيونغ يانغ. حتى أن الشقيقة استخدمت لغة غير دبلوماسية، بعد نعتها المنشقين بـ"الحثالة"، قبل أن تهدد، يوم السبت الماضي، بهدم مبنى مكتب الارتباط بقولها "قريباً، سيظهر المشهد المأساوي لمكتب التنسيق المشترك بين الشمال والجنوب وهو منهار تماماً". وهو ما تحقق أمس، بعدما أفادت وكالة "يونهاب" الكورية عن "سماع دوي ​انفجار​ وارتفاع سحب الدخان في مدينة كايسونغ الحدودية الكورية ​الشمال​ية"، ليعقب ذلك إعلان وزارة التوحيد الكورية الجنوبية أن "كوريا الشمالية فجرت مكتب الارتباط في كايسونغ عند الساعة 14.49 بالتوقيت المحلي"، ويتولى هذا المكتب إدارة العلاقات بين الكوريتين.

وتأتي التطورات الأخيرة بعد أشهر من الضبابية في بيونغ يانغ، بدأت مع "اختفاء" كيم لنحو 3 أسابيع، بعدما شوهد لآخر مرة في 12 إبريل/ نيسان. ومع تخلّفه عن الاحتفالات السنوية لعيد ميلاد جده كيم إيل سونغ في 15 إبريل الماضي، سرت تكهّنات حول احتمال وفاته، معززة بتقارير عن تقدّم شقيقته في هيكلية النظام، واحتمال وراثته، وسط كوكبة من العسكريين والأقارب الطامحين لخلافة كيم. إلا أن الزعيم ظهر في أواخر إبريل الماضي مفتتحاً معملاً للأسمدة، ثم أصدر سلسلة قرارات عسكرية في مطلع مايو/ أيار الماضي، لعلّ أبرزها "تعزيز قدرات بيونغ يانغ في مجال الردع النووي العسكري"، طالباً "وضع القوات المسلحة في حالة تأهب، في سياق زيادتها وتطويرها". كما تمّ اتخاذ إجراءات "لزيادة القوة النارية للقطع المدفعية للجيش الشعبي الكوري وتنميتها بشكل كبير". وفي الأسبوع الماضي، أعلن الشمال عن قطع قنوات الاتصال السياسية والعسكرية مع "العدو" الكوري الجنوبي.

ترافق ذلك مع قطع كيم الطريق على إمكانية تنحّيه عن السلطة، واستناده إلى شقيقته، المولجة بملف كوريا الجنوبية، خصوصاً أن وسائل إعلام الجنوب ركّزت بشكل دائم على الوضع الصحي لكيم. وعلى الرغم من فشل قمة هانوي في فيتنام مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في فبراير/ شباط 2019، إلا أن التوتر بين البلدين لم يبلغ الحدّ الذي وصل إليه بين الكوريتين. ومع أن لغة الرسائل تعود إلى زمن ما قبل القمم الثلاث بين كيم والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي ـ إن، في إبريل ومايو وسبتمبر/ أيلول 2018، إلا أن بعض الخبراء يرون أن بيونغ يانغ تسعى إلى خلق أزمة مع سيول في وقت لا تزال فيه المفاوضات حول الملف النووي مع واشنطن متوقفة، كونها محبطة من عدم قدرة الجنوب على استئناف المشاريع الاقتصادية المشتركة بسبب العقوبات الأميركية. وقال مدير معهد "سيجونغ للدراسات الكورية الشمالية"، شيونغ سونغ ـ شانغ، إن "كوريا الشمالية غاضبة لفشل الجنوب في أن يعرض عليها خطة بديلة لإحياء المحادثات بين واشنطن وبيونغ يانغ، أو حتى خلق ظروف مؤاتية لتحريكها". وأضاف "لقد خلصت إلى أن الجنوب فشل كوسيط في العملية". 

وكانت وسائل إعلام حكومية في كوريا الشمالية قد نقلت عن قيادة الجيش إعلانها أنها تدرس "خطة عمل" لإعادة دخول المناطق التي أُخليت من السلاح بموجب اتفاقية بين الكوريتين و"تحويل الخط الأمامي إلى حصن"، مضيفة أن "جيشنا سينفذ بسرعة وبشكل تام أي قرارات وأوامر للحزب والحكومة". ومع أن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الكورية الجنوبية، تشوي هيون ـ سو، أبدت بعض التحفظ في تعليقها على خطوة الشماليين بالقول "نحن نأخذ الموقف على محمل الجد. جيشنا يحافظ على جاهزيته ليتمكن من التعامل مع أي موقف"، إلا أن البيت الأزرق (مقرّ الرئاسة الكورية الجنوبية)، هدّد الشمال بالردّ القوي إزاء أي تصعيد إضافي. أما في بكين، فقد أفاد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، بأن الصين "تأمل في تحقيق السلام والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية". وفي موسكو، وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الأمر بـ"مصدر قلق، ونحث جميع الأطراف على ضبط النفس"، مضيفاً أن روسيا ستراقب الوضع من كثب. وقال إن الكرملين لا يخطط لإجراء أي محادثات على مستوى عال في الوقت الراهن.

مع العلم أنه منذ مطلع الشهر الحالي، كثّفت بيونغ يانغ الإدانات اللاذعة لجارتها، خصوصاً بسبب المنشقين الكوريين الشماليين الذين يرسلون من الجنوب منشورات دعائية عبر المنطقة المنزوعة السلاح إلى الشمال، وهي عبارة عن منشورات ومواد غذائية وورقة نقدية من فئة الدولار وأجهزة راديو صغيرة وشرائح تخزين بيانات تحتوي على أعمال درامية وأخبار من كوريا الجنوبية. وتُرسل إما عن طريق بالونات عبر الحدود شديدة التحصين أو في زجاجات عبر النهر. وسبق لكوريا الجنوبية أن أعربت عن نيتها اتخاذ إجراءات قانونية ضد اثنتين من الجماعات المنشقة، قائلة إنها تؤجج التوترات عبر الحدود وتشكل مخاطر على السكان الذين يعيشون بالقرب من الحدود وتتسبب في أضرار بيئية.

وتأسس مكتب الاتصال بين الكوريتين عام 2018، قبل القمة الثالثة بين كيم ومون، في إطار سلسلة من المشاريع التي كانت تهدف لتخفيف التوتر بين البلدين. وعندما كان مفتوحاً، اعتاد أن يضم عشرات المسؤولين من البلدين، إذ كان مسؤولو كوريا الجنوبية يسافرون أسبوعياً للشمال من أجل ذلك. وتم إغلاق المكتب منذ يناير/ كانون الثاني بسبب مخاوف من انتشار فيروس كورونا. وكان المكتب عبارة عن مبنى من أربعة طوابق في منطقة صناعية في مدينة كايسونغ الكورية الشمالية، وحيث كانت شركات كورية جنوبية توظف أشخاصاً من الشمال وتسدد أجورهم لبيونغ يانغ. وكان ذلك أول مركز اتصال ملموس دائم بين الجانبين. وكان مسؤولون من الشمال والجنوب يقيمون في المجمع لتأمين التواصل المباشر في أي وقت. وكان الطابق الثاني من المبنى مخصصاً للمسؤولين من كوريا الجنوبية، فيما كان ممثلو كوريا الشمالية يقيمون في الطابق العلوي. وكانت غرف الاجتماعات تفصل بينهما. وكان يتمركز في المكتب قرابة 20 شخصاً من كلا الجانبين، يرأسهم مسؤول معين برتبة نائب وزير. 
(فرانس برس، أسوشييتد برس، رويترز)

المساهمون