أسبوع على قرار ترامب: احتجاجات من القضاء إلى الشارع

أسبوع على قرار ترامب: احتجاجات من القضاء إلى الشارع

03 فبراير 2017
من التظاهرات في شيكاغو ضد قرار ترامب (Getty)
+ الخط -

تتمدد الحركة الاحتجاجية في الداخل الأميركي على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب منع استقبال رعايا سبع دول واللاجئين السوريين، منذ صدوره يوم الجمعة الماضي، وتتعدد أشكالها من الشارع إلى القضاء وغيرها، فيما بدا لافتاً أن الحركة الاحتجاجية قادرة على تطوير أدوات المواجهات، بحسب ما تستدعي الظروف. كل ذلك لا يمكن أن ينفصل عن المخاوف من تداعيات القرار المستمرة، ووجود احتمال بأن الأسوأ لم يأتِ بعد، في ظل تسريبات عن إمكان ضم رعايا دول جديدة إلى لائحة المنع من دخول الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، كشفت مجموعة هاموند الحقوقية أنها اطلعت على مسودة أمر تنفيذي يتم حالياً تداولها للمراجعة، تقضي بتعديل أمر ترامب الصادر يوم الجمعة الماضي، لتعزيز السلامة العامة في الداخل الأميركي. وقالت المجموعة إن الأمر التنفيذي الجديد، إذا تم إقراره، قد يضيف بلداناً جديدة إلى حظر السفر للولايات المتحدة هي: مصر، لبنان، أفغانستان، باكستان، كولومبيا، فنزويلا، جنوب الفيليبين، مالي، ومنطقة بحار سولو- سولاوسي. وقالت المجموعة إن الأمر التنفيذي الجديد قد يتم نشره خلال الأسبوعين المقبلين.
وأوضحت المجموعة أنه بالنظر للطريقة التي جرى فيها تنفيذ حظر السفر الحالي والطريقة التي أُعلن فيها من دون أي إشعار مسبق، فإنها تنصح المواطنين من البلاد في هذه القائمة الجديدة، الموجودين في الأراضي الأميركية، بالامتناع عن السفر إلى خارج الولايات المتحدة حتى معرفة المزيد عن هذا الأمر التنفيذي المقترح، مشيرة إلى أنه من الممكن أن تكون هذه المعلومات غير دقيقة أو ناقصة.
في موازاة هذه المخاوف، كان لافتاً أن الحركة الاحتجاجية أظهرت قدرة على تطوير أدوات احتجاج تُناسب كل تطور منذ إقرار الأمر التنفيذي، ففي اللحظة الأولى لإصدار القرار استطاعت مجموعة من المحامين كسره جزئياً، ثم جاء التحرك القضائي، كل ذلك في موازاة رفع صوت الشارع الأميركي عبر التظاهرات التي تتمدد. لتتبع ذلك تحركات وضغوط اقتصادية، تُرجمت في بدء إغلاق محال تجارية لجاليات عربية.

أولى تداعيات القرار التنفيذي لترامب بدأت منذ صدوره مع حالة فوضى وارتباك بين المسافرين والتوقيفات في المطارات الأميركية لواصلين من رعايا هذه الدول. لكن التحركات المعارضة لم تتأخر، إذ أصدرت قاضية في نيويورك ليل السبت-الأحد قراراً يسمح بالإقامة الطارئة ومنع الحكومة الأميركية مؤقتاً من ترحيل أشخاص لديهم تأشيرات سليمة بعد أن وصلوا إلى مطارات أميركية. وتزامن ذلك مع رفع عدد من الدعاوى من قبل جمعيات وهيئات مهتمة باللاجئين ضد القرار، فيما كانت التظاهرات والاحتجاجات الشعبية تتوسع في الشارع، داخل الولايات المتحدة وخارجها.
هذه التحركات كانت بمثابة مرحلة أولى من معركة استمرت في الاحتدام، بين ترامب ومعارضي القرار، واتسع نطاق الطعون القضائية مع إقامة أربع ولايات أميركية دعاوى قضائية لإلغاء الأمر، قائلة إنه ينتهك الضمانات الدستورية للحرية الدينية. وكان المدعي العام لولاية واشنطن بوب فيرغسون، أول من رفع دعوى قضائية يوم الإثنين الماضي، ضد قرار ترامب، ليتبعه عدد من المدعين العامين، إذ انضمت ماساتشوستس ونيويورك وفرجينيا إلى واشنطن في المعركة القانونية ضد حظر السفر. وقالت الطعون إن الأمر ينتهك الضمانات التي يكفلها الدستور للحرية الدينية. وانضمت جماعة "أوكسفام" الأميركية في وقت لاحق إلى الدعوى القضائية في ولاية ماساتشوستس للطعن في قرار ترامب، الذي تسبّب في منع شركاء في الخارج للمنظمة من لقاء مسؤولين في واشنطن. كما رفع عدد من المواطنين الأجانب أيضاً دعاوى قضائية ضد الحظر، من بينها دعوى رفعها طالب جامعي ليبي في كولورادو، ودعويان أخريان في شيكاغو إحداهما نيابة عن إيراني يعيش مع أبنائه الثلاثة في إيلينوي.
كذلك دان وزراء العدل في 16 ولاية اميركية الأحد قرار ترامب، متعهدين بـ"التصدي له بكل الوسائل المتاحة أمامهم". وقال الوزراء وجميعهم ديمقراطيون، في بيان مشترك إن القرار "يتعارض مع الدستور ومع قيم أميركا وهو غير شرعي".
ولم يكن القضاء الأميركي الجهة الرسمية الوحيدة التي اعترضت على قرار الرئيس الجديد، بل إن حوالي 1000 دبلوماسي أميركي وجّهوا يوم الإثنين رسالة إلى وزارة الخارجية الأميركية أعربوا فيها عن معارضتهم للحظر الذي فرضه قرار ترامب. وقال هؤلاء في رسالتهم إن القرار يُشكّل "سياسة تغلق أبوابنا أمام أكثر من 200 مليون مسافر شرعي على أمل منع عدد صغير من المسافرين ممن يودّون إيذاءنا، وهي لن تجعل بلادنا أكثر أمناً".
وتطور الأمر بشكل أكبر، مع مطالبة وزيرة العدل الأميركية بالوكالة سالي يايتس المحامين بـ"عدم الدفاع أمام المحاكم عن قرار الرئيس الأميركي"، وتأكيدها أن الوزارة لن تدافع عن قيود جديدة على السفر تستهدف الدول السبع، لأنها غير مقتنعة بقانونيتها، ليعلن البيت الأبيض يوم الثلاثاء إقالة يايتس من منصبها، معتبراً في بيان أنها "خانت وزارة العدل، برفضها تطبيق قرار قانوني يهدف لحماية مواطني الولايات المتحدة".
ترافقت هذه التحركات القضائية مع احتجاجات شعبية متواصلة ضد الحظر، أبرزها في واشنطن حيث تجمّع عدة آلاف عند المحكمة الاتحادية، بمشاركة عشرات من أعضاء الحزب الديمقراطي في غرفتي الكونغرس (النواب والشيوخ)، ورددوا هتافات مناهضة لحظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. كما تجمع أكثر من 400 متظاهر في وسط ميامي للسبب ذاته.


وفي ولاية نيويورك تجمّع الآلاف من المحتجين على قرارات ترامب، في ميدان فولي، تقدّمتهم رئيسة مجلس بلدية نيويورك ميليسا مارك فيفريتو وعدد من أعضاء البلدية. ورفع المتظاهرون لافتات وشعارات باللغات العربية والإسبانية والانكليزية، كتبت عليها "لا للخوف"، "لا للعداء"، "أهلا وسهلا بالمهاجرين في الولايات المتحدة الأميركية"، "ترامب لا تبْن الجدار، بل شيّد الجسور". كما شهدت مدينة شيكاغو تظاهرات مماثلة.
كذلك قرر يمنيون في مدينة نيويورك إغلاق محلاتهم التجارية أمس الخميس، احتجاجاً على القرار. وأفادت وكالة "الأناضول"، بأن قرابة ألف شخص من أصول يمنية ممن يمتلكون محلات تجارية في أماكن مختلفة من نيويورك، قرروا إغلاق محلاتهم منذ ظهر أمس الخميس حتى مسائه.
وفي انتصار جديد لمعارضي القرار، أمر قاضٍ اتحادي في لوس انجليس أمس الخميس إدارة ترامب بالسماح للمهاجرين من الدول السبع بدخول الولايات المتحدة، إذا ما اجتازوا مراحل الفحص الأمني الأولية المطلوبة للحصول على إقامة قانونية. وجاء قرار القاضي أندريه بيروتي بعد قرارات مماثلة من قضاة اتحاديين في أربع ولايات أخرى تحدّت الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب. لكن قرار بيروتي ركز على مجموعة كبيرة من أبناء الدول السبع كانوا خارج الولايات المتحدة ويحاولون دخولها. وبموجب الحكم المؤقت أمر بيروتي المسؤولين الأميركيين بالامتناع عن "نقل أو اعتقال أو منع دخول المدعى عليهم أو أي شخص آخر... يحمل تأشيرة هجرة سليمة" بعد وصوله من واحدة من الدول السبع. وذكرت متحدثة باسم وزارة العدل في رسالة بالبريد الإلكتروني أن الوزارة تدرس الحكم، ولم تدل بمزيد من التعليقات.
وتبدو المعركة مفتوحة ومن دون أفق واضح بين إدارة ترامب ومعارضي قراره، في ظل رفض أي طرف التنازل أو وقف تحدّيه للآخر، فالرئيس الأميركي لم يبدِ أي إمكانية للتنازل عن القرار الذي أصدره، خصوصاً أن استطلاعات رأي تشير إلى أن مناصريه راضون على قراراته، فيما يصعّد الرافضون للقرارات تحركاتهم الميدانية والقضائية. ويترافق ذلك مع انتقادات دولية كبيرة لقرار ترامب، ومخاوف على حياة المستهدفين، لخّصها خبراء للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بالقول إن قرار ترامب يتعارض مع القانون الدولي وقد يؤدي إلى أن يتعرض أشخاص منعوا من اللجوء للتعذيب بعد إرسالهم إلى بلدانهم.