صبرا وشاتيلا... لا مكان للذكرى

صبرا وشاتيلا... لا مكان للذكرى

16 سبتمبر 2014
(أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -
هي الحياة هكذا؛ لا تعطي قيمة كبيرة للمناسبات التذكارية، حتى عندما تكون مجبولة بآلاف الجثث ممن كانت لهم حيوات وعائلات وتفاصيل... واختفت فجأة بمجزرة.

تفقد المناسبات المأساوية رمزيتها حتى، إلا بالنسبة للمعنيين المباشرين بها، حين تصبح اليوميات عبارة عن مأساة دورية، تحصل الآن وهنا. والرمزية هنا مقصود بها الحمولة السياسية للحدث، وليس طبعاً ما يعنيه لأهالي الشهداء والضحايا. في مثل هذا اليوم قبل 32 عاماً، بدأت مجزرة صبرا وشاتيلا. قامت والدنيا... ثم قعدت. كان الزمن مختلفاً. كان العالم مقسوماً إلى قسمين: إما مع فلسطين أو ضدها، بعكس الحال اليوم، إذ إن الفئة الغالبة تتألف ممَّن هم مع فلسطين وضدها حتى العظام في الوقت نفسه. هي فئة من العرب والفرنج ممن يتمنون الموت للفلسطينيين... بقدر ما يحبونهم. ربما يتمنون الموت لنا لإنقاذنا من أنفسنا، ومن عدونا، من لجوئنا وحصارنا، من موتنا اليومي.

هي فئة غالبة في كل مكان قريب وبعيد منا، وأغلب الظنّ أنها متواجدة عند بعض العرب بقدر طغيانها في إسرائيل نفسها. ماذا بقي من الذكرى؟ أن إسرائيل فاشية؟ أن ما كان يسمى اليمين الانعزالي اللبناني مجرم؟ لم يكن ذلك بحاجة إلى مجزرة لتثبيته. بقي من الذكرى أن أرييل شارون مات "ميتة ربه"، عن 86 عاماً، مكرماً معززاً، من دون أن تطاله يدٌ انتقامية تُثلج القلب، وبعدما بقي يعاند الرحيل لسنوات وهو في غيبوبته، وكأن عقله الباطني يقول لقلبه إن عشتَ بضع سنوات إضافية، قد تتمكن من قتل المزيد من الفلسطينيين. يبقى من الذكرى أن إيلي حبيقة قُتل "في ظروف غامضة" كما تقول الرواية، حليفاً أولَّ وممتازاً للنظام السوري، قاتِل الفلسطينيين بدوره في تل الزعتر واليرموك...

يبقى من الذكرى أننا لا نزال إلى اليوم، لا نعرف الرقم "الرسمي" للشهداء، إذ يتراوح بين 700 وأربعة آلاف! يبقى أن الذكرى باتت، بعد 32 عاماً، تحرّك مشاعر النوستالجيا والحزن، بدل الغضب المطلوب. يبقى أن كل شهر أو كل عام فلسطيني، يحمل مجزرة وموتاً جماعياً. يبقى أنه بات لكل من الشعوب العربية صبرا وشاتيلا خاصة بها.