الضربات ضد كيماوي الأسد: أهداف عسكرية بأبعاد سياسية

الضربات ضد كيماوي الأسد: أهداف عسكرية بأبعاد سياسية

14 ابريل 2018
الضربة ستطاول العملية السياسية لروسيا وبقاء الأسد (ياسين أوزتورك/الأناضول)
+ الخط -
بات واضحاً أنّ الضربات العسكرية التي تعرّضت لها، فجر اليوم السبت، مواقع تابعة للنظام السوري، أصابت كذلك المعادلة القائمة في سورية، وهي مرشّحة لخلط الأوراق، وأنّ أضرارها قد تطاول، بصورة رئيسية، العملية التي تقودها روسيا من أجل حلّ الوضع السوري على أساس إعادة تمكين بشار الأسد، والقضاء على الحل حسب مسار جنيف.

خالفت الضربة كل التوقعات، وخرجت عن التقديرات التي كانت تضعها في إطار المحدودة جداً، وجاءت، حسب البيانات الأولية، مدروسة على نحو دقيق، واستهدفت بصورة أساسية تحقيق ثلاثة أهداف: الأول، تدمير المعدات والمواد التي يستخدمها النظام السوري في إنتاج الأسلحة الكيمائية.

والثاني؛ محاسبة النظام عن الاستمرار في استخدام هذه الأسلحة، بعد أن تخلّى عن ترسانته إثر مجزرة الغوطة، في نهاية أغسطس/آب 2013.

والهدف الثالث؛ هو ردع النظام عن التفكير في العودة إلى استخدام هذه الأسلحة، ولذا تبقى العملية مفتوحة، حسب تصريحين للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، الذي قال إنّ "هذه الموجة من الهجمات أنجزت هدفها"، وهذا يعني أنّه ربما تكون هناك موجة أخرى، إذا اقتضى الأمر، واستدعت التطورات ذلك.

وفي الوقت الذي تقوم فيه الأطراف الثلاثة، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بتقييم للعملية، أكد رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي، الجنرال جوزيف دانفورد، أنّ الضربات أحدثت أضراراً بعيدة المدى، وتم تدمير البنى التحتية لبرنامج النظام السوري لإنتاج الأسلحة الكيميائية، ولكنها استهدفت، في نفس الوقت، قوات تابعة للنظام تشارك في عمليات القتل والتهجير على نطاق واسع؛ مثل الفرقة الرابعة المرابطة في محيط دمشق، ويقودها ماهر الأسد، الأمر الذي يفسر الرسالة التي حملها نشر شريط فيديو من ثلاث ثوان، يظهر أنّ رئيس النظام بشار الأسد لم يتعرّض للإصابة. وقد يعني هذا الشريط، من جهة ثانية، أنّ المهم بالنسبة لروسيا والنظام وإيران هو بقاء الأسد على قيد الحياة.




صحيح أنّ العمليات استهدفت كيماوي الأسد وقطعات عسكرية نوعية، ولكنّها حملت رسائل مباشرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي اعتبر مندوبه لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أنّ العملية تشكّل "إهانة" لرئيسه.

وبالنسبة لواشنطن وباريس ولندن، التي شكلت تحالفاً ثلاثياً خاصاً بسورية، فإنّ روسيا تتحمّل مسؤولية أساسية عن الوضع السوري. ذلك أنّ موسكو تعهّدت، في 2013، بأن تضمن النظام السوري، ورعت مقايضة تسليمه ترسانته من الأسلحة الكيميائية، مقابل تراجع إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن الضربة العسكرية، لتجاوز النظام السوري "الخطوط الحمراء".

كما تعهد الروس في أستانة، بأن يحترم النظام حدود "خفض التوتر"، ولكنّه نقض كل الاتفاقات بتشجيع من موسكو، ولذا فإنّ مباركة تركيا للضربات العسكرية مرشّح لأن يؤثر على مسار أستانة، وربما كانت له تداعيات على جدول أعمال قمة طهران الثلاثية المرتقبة بين إيران وروسيا وتركيا، في ظل مخاوف أنقرة من أن تضغط موسكو وطهران، من أجل حضور رئيس النظام السوري فيها.

والأمر الثالث؛ هو عدم احترام الروس التعهد الذي أخذوه في سوتشي، بالعودة إلى مسار جنيف وفق قرار مجلس الأمن 2245، واستمرارهم في الحل العسكري وممارسة عمليات التهجير.


فرنسا كانت صريحة في تحديد الأهداف المتوخاة من العملية، وقد أعلن وزير الخارجية، جان إيف لودريان، في مؤتمر صحافي، فجر اليوم، أنّ باريس ترى ثلاثة خيارات في العملية: تدمير الترسانة الكيميائية للنظام السوري، وقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن المباشرة بحل سياسي، وأبدى استعداد بلاده للمشاركة في ذلك. وهو في جميع الأحوال لا يتحدّث بلسان باريس وحدها، بل يعكس ما يدور في أجواء واشنطن ولندن أيضاً، إذ ليس من المنطقي أن تقف الدول الثلاث عند حدود الضربة العسكرية، ولا تستثمرها في العودة إلى حل سياسي بديل للعملية الروسية القائمة على إعادة إنتاج النظام، وكان الرئيس الأميركي صريحاً في هذا الميدان، حين دعا روسيا، في خطابه بعد العملية، "للانضمام إلى طريق الأمن والسلام".