الجزائر: بروفة تشديد القبضة الأمنية تسبق تعديل الدستور

الجزائر: بروفة تشديد القبضة الأمنية تسبق تعديل الدستور

14 مارس 2020
تعاملت الشرطة بقوة مع متظاهري الحراك السبت الماضي(العربي الجديد)
+ الخط -
خلّف الأسبوع السياسي والميداني الماضي في الجزائر، مجموعة من التساؤلات حول طبيعة الخيارات التي تعتزم السلطة تبنيها إزاء استمرار تظاهرات الحراك الشعبي، وذلك على خلفية استخدام الشرطة للقوة في تفريق المتظاهرين يوم السبت الماضي، وشنها حملة اعتقالات وإدانات جديدة استهدفت عدداً من الناشطين، إلى جانب مضايقات ضدّ الصحافيين العاملين في تغطية الاحتجاجات، وتصريحات مسؤولين في الحكومة تبرر استخدام القوة، وتدعو إلى وقف التظاهرات. وتعدّ هذه الخطوات كلها مؤشرات على خيار أمني قد تلجأ إليه السلطة على الرغم من وجود محاذير كثيرة إزاء هذا الخيار.

الاستعانة بفريق محمد مدين

وتربط بعض الأطراف في الجزائر بروز مؤشرات القبضة الأمنية في الشارع والتصعيد السياسي والملاحقات القضائية ضدّ الناشطين، بعودة عدد من الأمنيين إلى مناصبهم، وهم من بين الذين عملوا في فترة القائد السابق لجهاز المخابرات محمد مدين، والمعروف عنهم تشددهم الأمني ضدّ القوى المعارضة والمجموعات النشطة ضدّ السلطة. وبحسب معلومات حصل عليها "العربي الجديد"، فإنّ عدداً من المسؤولين الأمنيين في جهاز المخابرات عادوا إلى مناصبهم وتمّ استدعاؤهم مجدداً للخدمة وتوليتهم مناصب مهمة، بعد قرارات تجميد أو عزل وظيفي اتخذت بحقهم في الفترة التي سبقت الحراك الشعبي، خلال عملية تطهير قام بها المدير السابق للمخابرات عثمان بشير طرطاق (الموقوف في قضية التآمر على سلطة الجيش وأمن الدولة)، وكذا خلال فترة انتقال الجهاز مجدداً من وصاية رئاسة الجمهورية إلى قيادة الجيش بعد استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الثاني من إبريل/نيسان من العام الماضي.

وإضافة إلى استخدام القوة لتفريق المتظاهرين السبت الماضي، اعتقلت السلطات عدداً من الناشطين في الحراك الشعبي بينهم الناشط البارز سمير بلعربي، وعضو لجنة الدفاع عن المعتقلين، سليمان حميطوش، وأعضاء في تنظيم "تجمّع عمل وشبيبة" بينهم أحسن قاضي وكريم بوتاتة، فضلاً عن الناشط والصحافي خالد درارني. كذلك واصلت السلطات اعتقال ناشطين آخرين بينهم كريم طابو، وتستعد لمحاكمة آخرين وملاحقتهم في القضاء، ومن بين هؤلاء القيادي في ثورة التحرير، لخضر بورقعة والناشط فوضيل بومالة.

وتعزّزت مؤشرات القبضة الأمنية، بتصريحات مثيرة للجدل أطلقها وزير الداخلية الجزائري، كمال الدين بلجود، ضدّ الحراك الشعبي الأسبوع الماضي، فهمت على أنها تصعيد سياسي ضدّ المتظاهرين، وتبرير لاستخدام القوة من قبل الشرطة ضدّ الحراك. وقال بلجود إنّ "بعض العناصر تريد تهديم ما وصل إليه الحراك بخروجها كل يومي جمعة وثلاثاء، واليوم يتكلمون عن أيام أخرى"، مضيفاً أنّ "هؤلاء لهم نوايا، والنوايا واضحة هي تهديم البلاد والرجوع إلى السنوات الماضية، وإدخال الجزائر في مشاكل". وذهب أبعد من ذلك بالقول إنّ "دولاً أجنبية تدعمهم كإسرائيل". وتزامنت تصريحات وزير الداخلية مع تصريحات لرئيس الحكومة عبد العزيز جراد، دعا فيها إلى وقف تظاهرات الحراك الشعبي في البلاد، وتخفيف النزعة المطلبية والاحتلال المبالغ فيه للطريق العام، على حد وصفه.

ويعتقد ناشطون أنّ السلطة التي تستعدّ لخوض معركة استحقاق الدستور، تحاول استباق هذه المرحلة والتحكم أكثر في الشارع بأقلّ كلفة ممكنة، من دون إثارة مشكلات كبيرة، خصوصاً أنها تتوقع ردود فعل رافضة للنصّ الدستوري الجديد أو لأجزاء منه، ولطريقة صياغته الأحادية من جانب السلطة، على نفس منحى الرفض الذي واجهته الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وبرأي الناشط الحقوقي والمحامي عبد الغني بادي، فإنّ ما حدث في الفترة الأخيرة يمكن وصفه بـ"بروفة أمنية وسياسية تجرّب من خلالها السلطة مرة أخرى، كما مرات سابقة فشلت فيها، الخيار الأمني والتضييق على المتظاهرين، لتتحسس النتائج ومستويات ردّ الفعل الشعبي والسياسي، وهي قد تتجه إلى هذا الخيار، فكل شيء وارد مع سلطة مرتبكة وغير واضحة". ويضيف بادي في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "من يتحجج بكون القمع تمّ بسبب خروج المتظاهرين يوم السبت، بخلاف أيام الثلاثاء والجمعة، كيف يمكن أن يبرر قمع تظاهرات الطلبة يوم الثلاثاء في أكثر من مناسبة، وكيف يبرر الاعتقالات والمحاكمات الظالمة ضدّ النشطاء والمتظاهرين السلميين"، مشيراً إلى أنّ "الحراك بات يقلق السلطة فعلاً، واستمراره بهذه السلمية ومن دون أي عمليات تخريب منذ أكثر من سنة، أزعج هذه السلطة أو دوائر فيها، تسعى لافتعال مجال للصدام والمواجهة، لكن مكونات الحراك أكثر وعياً ولن تنجر إلى ذلك".

وكانت عودة حملة الاعتقالات والملاحقات أخيراً ضدّ الناشطين، ومحاولات التضييق على تظاهرات الحراك الشعبي واستخدم الأمن للقوة المفرطة، قد أثارت موجة من السخط السياسي، عبّرت عنها أحزاب وقوى معارضة في البلاد، معتبرة هذه التطورات تمثّل تنصلاً من قبل السلطة السياسية الجديدة من تعهداتها، ومؤشراً خطيراً ينذر بتوترات داخلية. وفي السياق، دانت "جبهة العدالة والتنمية" ما وصفته بـ"غياب الرشد"، مشيرة في بيان إلى أنّ "غلبة النظرة الأمنية في التعامل مع الحراك الشعبي لا تزال طاغية على سياسة السلطة الحاكمة". كما دان حزب العمال اليساري هذه الحملة، ورأى فيها "تناقضا صارخا بين خطابات السلطة وممارساتها وتجريمها العمل السياسي وتخويف المواطنين".

بدوره، وصف ائتلاف "قوى البديل الديمقراطي" الذي يضم عدداً من الأحزاب التقدمية أبرزها "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" و"جبهة القوى الاشتراكية"، في بيان، حملة التضييق والاعتقالات الأخيرة ضدّ الناشطين والمتظاهرين في الحراك الشعبي، بـ"المؤشر الواضح للنوايا الحقيقة للنظام في الجزائر الجديدة، والتصميم الصريح على الحفاظ على النظام الاستبدادي في البلاد".

غير أنّ محللين وإن كانوا يقرون بوجود تدبير أمني، إلا أنهم يقللون من إمكانية أن يتحول إلى خيار شامل، ويعتقدون بأنّ جملة من المعطيات الطارئة، بما فيها الأزمة النفطية تحديداً، لن تسمح للسلطة بتبني الخيار الأمني ضدّ الحراك أو السعي لوقف التظاهرات بالقوة، على اعتبار أنّ ذلك سيحملها كلفة إضافية لا تستطيع تحمّلها في الوقت الحالي. لكن هؤلاء يشيرون إلى محاولة السلطة في الوقت نفسه لمنع تظاهرات السبت بالقوة وتحجيم تظاهرات الجمعة والثلاثاء، خصوصاً أنّ المرحلة المقبلة ستشهد استحقاقات سياسية هامة، تخصّ تعديل الدستور.

وفي هذا الإطار، يقول المحلل والكاتب السياسي، عبد اللطيف بوسنان، في حديث لـ"العربي الجديد": "مع أنني لا أعتقد أنّ السلطة تريد إنهاء الاحتجاجات، لكن الواضح أنّ لديها توجسا كبيرا من تظاهرات السبت، وتريد حصر التحركات بيومي الثلاثاء والجمعة، وهذا يعني أن هناك فوبيا قوية داخل السلطة من التصعيد"، موضحاً أنّ "الحكومة خائفة ومتوجّسة، وهي تنظر إلى تحول الحراك إلى يوم السبت بتحفّظ كبير وكخطوة نحو التوجه رويداً نحو العصيان. بمعنى أنّ لدى السلطة تخوفا في حال سمحت بمسيرات السبت، من أن يخطو الحراك خطوات أخرى، وقد يكون مآله في نهاية المطاف العصيان والإضراب العام. ولهذا تحاول الحكومة الضغط لمنع تمدد الحراك إلى السبت لقطع الطريق على من تعتقد أنهم كتلة الراديكاليين فيه".

لكن بوسنان الذي يدير صحيفة "جيجل الجديدة" المحلية، يعتبر أنّ مظاهر القمع والاعتقالات التي شهدتها الجزائر في الفترة الأخيرة، "تنبئ أيضاً بوجود ارتباك لدى الحكومة في التعاطي مع التطورات، والعجز في إرسال رسائل إيجابية إلى مكونات الحراك على أكثر من صعيد". ويقول: "مشكلة الحكومة أنها لم تحسن التصرف مع الحراك سياسياً، وأعتقد أنه كان من الحكمة والتعقل إطلاق سراح الناشطين، وعدم التشدّد مع وجوه بارزة مثل كريم طابو وسمير بلعربي وفوضيل بومالة وغيرهم، لأنّ ذلك يعزّز الشكوك في خيارات السلطة".

إلى ذلك، وفيما تدين بعض مكونات الحراك الشعبي القمع الذي تمارسه السلطة والاعتقالات في حقّ النشطين، إلا أنها تحمّل في الوقت نفسه عدداً من الأطراف النشطة في الحراك نفسه، مسؤولية المخاطرة بإطلاق تظاهرات السبت دونما الحاجة إليها، وافتعال الصدام مع الشرطة ومنحها مبرراً لاستخدام القمع.

وفي السياق، يقول عضو كتلة "التغيير المدني"، الياس مرابط، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجهات التي دفعت إلى تأجيج الوضع بدفع الشباب إلى اقتحام الحاجز الأمني والتوجه إلى المرادية يوم السبت في 22 فبراير/شباط الماضي، هي نفسها التي نادت إلى الخروج في تظاهرات أيام السبت، وهي تتحمل مسؤولية كبيرة في ما حدث"، مؤكداً أنه "يجب التنديد بتصرفات كل الأطراف، ومن ضمنها الجهات التي تستهدف الحراك بالتأجيج ولأهداف ليست بالضرورة تخدم مطالبه، وبالطبع هذا لا يبرر قمع قوات الأمن لمواطنين سلميين وتعنيفهم واعتقالهم".

من المبكر الحكم على ما إذا كانت ردة الفعل الغاضبة سياسياً وشعبياً بعد ما حدث الأسبوع الماضي، قد دفعت السلطة إلى التفكير في التراجع عن الخيارات الأمنية أم لا، بالنظر إلى تقرير بثه التلفزيون الرسمي في نشرة الأخبار المركزية مساء الخميس، يمجّد الحراك الشعبي ويبارك استمرار التظاهرات يومي الجمعة والثلاثاء، لكنه يحذر من أطراف سياسية تدعو إلى تظاهرات ثالثة كل يوم سبت. ويبدو أنّ السلطة تحاول توجيه رسالة إلى مكونات الحراك برفضها تصعيد الموقف الميداني أو التوجه نحو أي خطوة جديدة، خصوصاً أنّ البلاد على مقربة من استحقاقات سياسية مفصلية أبرزها تعديل الدستور.

المساهمون