شروط أبوظبي والرياض على قطر.. استعمار جديد

شروط أبوظبي والرياض على قطر.. استعمار جديد

23 يونيو 2017
تشبث قطري بالقرار المستقل وبالسيادة (معتصم الناصر)
+ الخط -




يبدو من التداعيات اليومية لحملة أبوظبي والرياض ضد قطر أن بلوغ قعر الأزمة لا يزال مبكرا، ففي كل يوم تطالعنا تطورات جديدة لم تكن تخطر على بال أو ترد في حساب، كما هو الحال مع لائحة الشروط الـ13 التي جرى تسريبها ليل أمس.

تشكل اللائحة دليلا جيدا على تخبط وعدم وضوح رؤية في المقام الأول، في الوقت الذي تؤشر إلى عدم النضج والتهور واستسهال إدارة الخلافات الدولية، ويؤكد ذلك، من كافة زوايا النظر، على قرار مبيت بالتصعيد ضد الدوحة، لا يراعي مبادرات الوساطة الكويتية والمغربية والتركية، ولا يقيم اعتبارا للإجماع الدولي على ضرورة التهدئة.

ورجحت الأوساط أن تكون هذه اللائحة، التي جرى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، صحيحة وغير مزورة، رغم أنها جاءت في صياغة ركيكة، وتحتوي على أخطاء لغوية، ولكن من المؤكد أن الدوحة لم تتسلم رسميا أية مطالب.

أول ما يلاحظ المراقب لدى قراءة اللائحة هو انحراف المنطق الذي يقف وراءها، مثلها مثل القرارات التي سبقتها، وكانت بدايتها، قبل شهر من اليوم، من جريمة اختراق موقع وكالة الأنباء القطرية، ونشر خطاب مزيف جرى نسبه لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني.



من لم يتحرّج في تلفيق خطاب كامل لأمير قطر، من أجل خلق أزمة تبرر قطع العلاقات والحصار، لن يتوانى عن وضع لائحة مثل التي جرى تسريبها، والتي تفضح، مرة أخرى، النوايا المبيّتة من طرف الرياض وأبوظبي، والتي تبتعد كل يوم عن تشخيص المشكلة وأسباب الخلاف، وتقديم وجهة نظرهما للحل، سواء في إطار مجلس التعاون الخليجي أو خارجه.

تتفوق اللائحة ذات الـ13 بندا على تلك الشروط التي فرضها الحلفاء على ألمانيا، بعد استسلامها في نهاية الحرب العالمية الثانية، أو التي وضعتها الولايات المتحدة على اليابان في نهاية الحرب، ولا تزال مفاعيلها مستمرة حتى اليوم. وتقدم في بندها الأخير صيغة اتفاق يضع قطر تحت الوصاية لمدة عشر سنوات.

من قراءة أولية للائحة يمكن تسجيل عدة ملاحظات، أولها: يبدو أن الذي وضع اللائحة لم يسمع بالقانون الدولي، وليس لديه فكرة عن العلاقات التي تحكم بين الدول في حالات النزاع والخلاف، وإلا لما كان قد سمح لنفسه بالطلب من دولة مستقلة أن تتنازل له، طوعا، عن سيادتها، ولما نصّب نفسه محققا وقاضيا يصدر الأحكام والأوامر على بلد جار.

والملاحظة الثانية هي أن من صاغ اللائحة لم يتابع ردود الفعل على تداعيات الأزمة منذ شهر حتى اليوم، والتي رأت في الحملة على قطر نوعا من التجني.

أما الملاحظة الثالثة فهي أن من وضع نص المطالب لا يريد أي تهدئة أو تسوية، لأنه يعرف، سلفا، أن جواب الدوحة سيكون برفض المساومة على السيادة والقرار المستقل.

والملاحظة الرابعة أن من صاغ الشروط يعاني من انفصام كلي عن الواقع، ويعيش في برج عاجي، بل يحسب أن العالم يشتغل لديه، وينتظر منه الإشارة كي يخوض حربا من أجل فرض شروطه على الدوحة، حتى تخرّ راكعة مستسلمة، وتركض نحو أبوظبي والرياض، رافعة الراية البيضاء.

وتكشف عملية المبالغة في الطلبات عن رؤية قاصرة لا تنظر للبعيد، لأنها لا تأخذ في حسابها الأضرار التي تترتب عليها، وهي أخلاقية قبل أن تكون سياسية واقتصادية واجتماعية. فقطر في نهاية المطاف بلد مثل غيره في المحيط الخليجي، له ما لغيره من البلدان، وعليه ما على غيره، ومن يظن نفسه فوق الآخرين، ويستقوي على جيرانه، يخطئ في الحساب، ويقفز فوق التاريخ والجغرافيا.
مرة أخرى تؤكد أبوظبي والرياض على أن الهدف الأساسي من الحملة هو المس بسيادة قطر ومحاولة فرض التبعية والوصاية في نوع من الاستعمار الجديد.






المساهمون