المجلس الوطني... مرآة للانهيار السياسي الفلسطيني

المجلس الوطني... مرآة للانهيار السياسي الفلسطيني

30 ابريل 2018
لم ينتخب الشعب المجلس الوطني يوماً (عصام ريماوي/الأناضول)
+ الخط -
تعكس الدورة الثالثة والعشرون للمجلس الوطني الفلسطيني، وهو "السلطة العليا لمنظمة التحرير" نظرياً، بحسب ما يحدده النظام الأساسي للمنظمة، والتي تنطلق، اليوم الإثنين، في رام الله وتختتم في الخامس من مايو/أيار المقبل، الحالة الفلسطينية العامة بترهّلها وانقساماتها وانهيارها السياسي على كافة المستويات. صحيح أن الدورة هذه لن تصدر عنها قرارات كبيرة ولا تنفيذية فعلياً، إلا أن ما سبق تلك الدورة وما يشوبها من مقاطعة كبيرة جداً لا تقتصر على حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، على خلفية مكان انعقاد المؤتمر، وما يقول الغائبون إنه استئثار في تحديد معايير الدعوات وجدول الأعمال والسياق السياسي التقسيمي الذي يجتمع فيه المجلس، كلها عوامل جعلت من الحدث السياسي تكريساً للانقسام، بدل أن يكون محاولة للحدّ من آثاره، وهو ما سيترجم مثلاً في المؤتمر الموازي الرمزي الذي عقدته حركة "حماس"، أمس الأحد، في قطاع غزة، باسم "المجلس الشعبي الوطني الفلسطيني"، تعبيراً عن رفض انعقاد المجلس بهذا الشكل وفي هذا الزمان والمكان والحضور، مع إصرارها على أنها لا تبحث عن خلق بديل تنظيمي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وقد يكون أبرز ما سينتج عن المؤتمر هو انتخاب المجلس المركزي واللجنة لتنفيذية لمنظمة التحرير، في الخامس من مايو، وهي القيادة الفلسطينية التنفيذية العليا لمنظمة التحرير، بما أن المجلس الوطني هو "أعلى هيئة فلسطينية لتجديد القيادة" مثلما يسميه أمير سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات. ورغم كل الشائعات التي رافقت النقاشات التحضيرية للاجتماعات التي تبدأ اليوم، لن يكون هناك أي حديث عن منصب لنائب رئيس السلطة الفلسطينية أو انتخاب لهكذا منصب، ولن يكون هناك أي مشاريع قرارات لم تدرج عناوينها على أجندة الاجتماع، حسبما يؤكده عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واصل أبو يوسف، لـ"العربي الجديد".

وبحسب عضو اللجنة التنفيذية أحمد مجدلاني، وهو عضو اللجنة التحضيرية لاجتماع المجلس الوطني أيضاً، فإن هذه الدورة ستشهد اقتراحات تقليص أعضاء اللجنة التنفيذية من 18 حالياً إلى 15 عضواً، ونقل صلاحيات المجلس الوطني، وانتخاب رئيس الصندوق القومي الفلسطيني. وقال مجدلاني لـ"العربي الجديد" إن هناك اقتراحا يتعلق بتفويض صلاحيات المجلس الوطني الفلسطيني كاملة إلى المجلس المركزي الفلسطيني في دورات انعقاده، لأن "اجتماعه أسهل وأسرع من المجلس الوطني". ونفى مجدلاني صحة أي حديث عن إلغاء أي دائرة من دوائر منظمة التحرير.

وستبدأ الجلسة الافتتاحية في السادسة والنصف من مساء اليوم الإثنين، بكلمة من رئيس المجلس، سليم الزعنون، تليها كلمة للرئيس محمود عباس، على أنّ جدول أعمال المؤتمر الذي تم توزيعه على الأعضاء ينقسم بحسب الترتيب التالي: أولاً: القدس عاصمة لدولة فلسطين ورفض القرار الأميركي بنقل السفارة، ثانياً: حق العودة للاجئين، ثالثاً: المصالحة الفلسطينية وإزالة العقبات أمامها، رابعاً: استدامة الفعاليات الجماهيرية الشعبية، حسبما يكشفه أبو يوسف. وكل ذلك تحت شعار عريض هو "دورة القدس وحماية الشرعية الفلسطينية".

وعلى الرغم من أن النصاب العددي متوفر، إلا أن النصاب السياسي ناقص، في ظل أجواء من التراشق الإعلامي والاتهامات ومقاطعة عشرات الأعضاء الاجتماع، ومقاطعة "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، وطلائع حزب التحرير "الصاعقة" و"الجبهة الشعبية القيادة العامة"، ونحو 114 من نواب المجلس التشريعي وأعضاء كثر من المجلس الوطني، بحجة أنه "غير توحيدي ويعمّق الانقسام الفلسطيني"، لا سيما بعد عدم تنفيذ الاتفاقيات لإنهاء الانقسام، ورفض حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" المشاركة فيه.

لكن الصفّ الأول من القيادة الفلسطينية أصرّ على أن دورة المجلس الوطني "ستعقد بمن حضر"، حتى إن عضو اللجنة المركزية لـ"فتح" ومرشحها للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، عزام الأحمد، أفاد من القاهرة قبيل اجتماع وفدي "فتح" و"الجبهة الشعبية" قبل أيام، بأن "المجلس الوطني سيعقد في موعده، شاء من شاء وأبى من أبى"، مضيفاً أن "اللي مش عاجبه يشرب من بحر غزة الجزء الملوث من البحر". كلام خلّف عاصفة من الانتقادات ضده، سواء من الفصائل أو الشخصيات الوطنية التي قررت مقاطعة المجلس الوطني، إذ أن الأحمد استخدم عبارة ياسر عرفات التي قالها يوماً ضد الاحتلال الإسرائيلي، ليوجهها الأحمد اليوم لخصوم "فتح" من الفلسطينيين.



وعلّق القيادي في الجبهة الديمقراطية نهاد أبو غوش، لـ"العربي الجديد"، على تصريحات عزام الأحمد (شاء من شاء وأبى من أبى) بوصفها أنها "منفرة جداً، وتشير إلى درجة الفساد التي وصلت إليها الحياة السياسية الفلسطينية".
ويُعتبر آخر اجتماع عام للمجلس الوطني في 22 إبريل/نيسان 1996 في قطاع غزة، حيث عقدت الدورة الحادية والعشرون بعنوان "دورة إعمال الوطن والاستقلال"، في حين عقد اجتماع للمجلس الوطني وفعاليات شعبية في 14 ديسمبر/كانون الأول 1998 وجاءت بطلب أميركي وبحضور الرئيس الأسبق بيل كلينتون لتعديل وحذف مواد من ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، وبلغ عدد المدعوين أكثر من 850 شخصاً.

أما اجتماع المجلس عام 2009 (الدورة 22)، في رام الله، فقد كان خاصاً باستكمال عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي فقدت نصابها القانوني بعد وفاة عضو اللجنة، سمير غوشة، أي أنه كان اجتماع ملء شواغر ليس أكثر. وردّ رئيس اللجنة السياسية للمجلس الوطني، خالد مسمار، عبر الإذاعة الرسمية على العريضة المقدمة لرئاسة المجلس من نواب المجلس التشريعي المقاطعين، واصفاً إياهم "بأنهم إما ينتمون لحركة حماس أو من جماعة (المسؤول الأمني المطرود من حركة فتح) محمد دحلان". وعلّق النائب في المجلس التشريعي حسن خريشة، لـ"العربي الجديد"، على كلام مسمار بالقول: "أنا لا أنتمي لحماس ولست قريباً من دحلان، وهناك العديد مثلي الذين يقاطعون، لأن عقد المجلس بصيغته الحالية سيعمق الانقسام ولن تكون قراراته ملزمة".


أجمعت أطراف عدة على أن هذا المجلس اكتسب نصاباً عددياً وليس سياسياً، إذ بذلت حركة "فتح" جهوداً جبّارة لضمان مشاركة الجبهة الشعبية، غير أن مطالب الأخيرة وتمسكها بتنفيذ حركة "فتح" الالتزامات المترتبة عليها والمتفق عليها في اجتماع اللجنة التحضيرية، في يناير/كانون الثاني الماضي في بيروت، حال دون ذلك. واستبقت "فتح" والأجهزة الأمنية الفلسطينية مقاطعة الجبهة الشعبية غير المتوقع، ورفض "حماس" و"الجهاد الإسلامي" المتوقع وعشرات الشخصيات من أعضاء المجلس الوطني والشخصيات الوطنية التي دعت إلى تأجيل عقد المجلس الوطني، فدشنت، منذ بداية إبريل الحالي، حملة مبايعة للرئيس محمود عباس تحت عناوين مختلفة، منها أنه "حامي الشرعية". وانتشرت هذه الحملة بإشراف الأجهزة الأمنية في مختلف مدن الضفة الغربية، وصاحبها في بعض المواقع "مهرجانات مبايعة" لعباس، الذي "تصدى لصفقة القرن"، و"لا شرعية بدونه".

وفي الوقت ذاته، نشطت القيادات الفتحاوية في هندسة أصوات المستقلين، وتعويض المتوفين منهم، وعددهم 79 عضواً، بأعضاء جدد مقربين من "فتح". وقال تيسير الزبري، من الحراك الوطني الديمقراطي، لـ"العربي الجديد": "لقد ضمنت فتح 50 في المائة من أصوات المجلس الوطني الجديد، إذ ضمن النظام الداخلي للمجلس بأن تكون الاتحادات الشعبية وعددها 13 اتحاداً (العمال والنقابات والمرأة والفلاحين)، تساوي 50 في المائة من أعضاء المجلس الوطني. أما الفصائل فتتم مشاركة منتسبيها بحسب الحصص، وما تبقّى من مستقلين تعمل فتح على أن يكونوا محسوبين عليها".

وكان الأمين العام للجبهة الديمقراطية، نايف حواتمة، قد طالب في تصريح أخيراً بأن "تكون المنظمات الشعبية والشخصيات المستقلة مستقلين حقيقيين من دون تهريب أسماء، سواء للجنة التنفيذية للمنظمة أو المجلس المركزي"، وفق تعبيره. كذلك وجّه العديد من الأطراف الاتهام لـ"فتح" بأنها "تقوم بهندسة عضوية المجلس الوطني، بما يضمن هيمنتها وضمان تصويت المستقلين في اللجنة التنفيذية للمنظمة وفق ما تريده الحركة". لكن أمين سر المجلس التشريعي، محمد صبيح، نفى الاتهامات، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "أي مستقلّ يتم ترشيحه سوف يكون قرار اعتماده بشكل نهائي من قبل المجلس الوطني، وليس أي أحد آخر". في المقابل، جزم النائب في المجلس التشريعي، حسن خريشة، لـ"العربي الجديد"، بأنه "تمّ استبعاد شخصيات وطنية وازنة، مثل الأب عطا الله حنا، واستبداله بشخصية دينية قريبة من البطريرك ثيوفيلوس، المعروف بالاتهامات الموجهة له ببيع أراضي الكنيسة إلى الاحتلال الإسرائيلي". وقال راعي كنيسة اللاتين في الأراضي المحتلة، إيمانويل مسلم، لـ"العربي الجديد": "لا أنتظر دعوة للمجلس الوطني، فأنا رجل دين عادي وأقاوم بطريقتي، وعلمت من المطران عطاالله حنا أنه لم تتم دعوته للمجلس الوطني، علماً أن الرئيس الراحل ياسر عرفات كان قد دعاه للمجلس الوطني، ولاحقاً تم تجاهله".


وتساءل العشرات من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عن سبب إقصاء شخصيات مسيحية وطنية مثل مسلم وحنا، وغيرهما، عن المجلس الوطني، مذكّرين بفيديوهات انتقادات حادة كان قد وجّهها مسلم للرئيس محمود عباس بسبب التنسيق الأمني مع الاحتلال.

ويعتبر المجلس الوطني، حسب النظام الأساسي لمنظمة التحرير، "السلطة العليا لمنظمة التحرير، وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها". وتؤكد المادة الخامسة من النظام الأساسي أنه "ينتخب أعضاء المجلس الوطني عن طريق الاقتراع المباشر من قبل الشعب الفلسطيني، بموجب نظام تضعه اللجنة التنفيذية لهذه الغاية"، فيما تشير المادة السادسة إلى أنه "إذا تعذّر إجراء الانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني، يستمرّ المجلس الوطني قائما إلى أن تتهيأ ظروف الانتخابات". ولم تجرِ أية انتخابات من قبل الشعب في المجلس الوطني منذ تأسيسه وحتى اليوم، إذ يتم اختيار الأعضاء إما حسب كوتا الأحزاب والفصائل والمنظمات الشعبية، وإما اختيار المستقلين غالباً بحسب قربهم من حركة "فتح" أو بقرار منها كما جرت العادة.

ويعكس انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني، تشظياً وضعفاً في موقف اليسار الفلسطيني، أكثر من أي وقت مضى، إذ انقسمت قوى اليسار الديمقراطي على نفسها، ما بين رافض للمشاركة لأن المجلس يفتقد للصفة التوحيدية كما فعلت الجبهة الشعبية، وما بين موافق كما هو الأمر مع "حزب الشعب" و"فدا"، وبين تردد في الإعلان عن الموقف كما هو الحال مع الجبهة الديمقراطية التي أعلنت أخيراً موافقتها المتوقعة على المشاركة، في حين تجتهد "المبادرة" في البحث عن موطئ قدم بعيد المنال في اللجنة التنفيذية، أي ما يتعدى مجرد المشاركة في المجلس الوطني. وتبدو القوى الديمقراطية الخمس في أسوأ وضع لها منذ عقود، إذ غابت وحدة الموقف بشكل كامل وأصبحت الخلافات علنية، وبات الحديث عن المكاسب والخسائر التنظيمية محوراً مهماً في اجتماعاتها.


ويقول القيادي في الجبهة الشعبية عمر شحادة، لـ"العربي الجديد": "نحن لا نستطيع أن نفهم كثرة واجترار الحديث عن التعددية والديمقراطية والشراكة في منظمة التحرير، وفي الوقت نفسه نرى هذه الهرولة المتسارعة نحو الذهاب للمشاركة في مجلس من هذا النوع بأي ثمن. بصراحة هذا الموقف غير مفهوم بالنسبة لنا، وما زلنا وسنستمر في موقفنا، لا سيما أن سلسلة من الشخصيات الهامة بدأت بإعلان مقاطعتها للمجلس". وأضاف أنها "المرة الثالثة التي تقاطع فيها الجبهة الشعبية المجلس الوطني، إذ قاطعت جلسات 1969 ومجلس عمان في 1984. وليس سراً أن بعض فصائل اليسار صارت تشارك في المجلس الوطني فقط للحفاظ على المخصصات المالية التي تجنيها في مقابل البقاء في منظمة التحرير والمجلس الوطني".

وفي الوقت الذي بدأ فيه التراشق الإعلامي يأخذ منحى آخر حيال شرعية منظمة التحرير الفلسطينية بأكملها، ومن يمثل المجلس الوطني، برز الدور المصري لاحتواء الأمر، حسب ما أفادت به مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد". وأوضحت المصادر أن "المصريين تدخّلوا لدى القيادة الفلسطينية وقيادة حماس، لمنع الأخيرة من الدعوة إلى أجسام موازية، وتصعيد الأزمة".

وتابعت المصادر أنه "تم التوافق في مصر، خلال وجود الوفد الفتحاوي الذي ترأسه نائب رئيس فتح، محمود العالول، للقاء الجبهة الشعبية، ووفد آخر من حماس في ذات الفترة الزمنية، على أن تكتفي حماس بفعاليات ذات بعد احتجاجي رمزي، تؤكد فيها على عدم شرعية المجلس بسبب عدم وجود إجماع وطني فيه وليس القيام بأي شيء فعلي مثل دعوات إلى أجسام موازية". أما بالنسبة لـ"فتح"، فقد أكدت المصادر أن "الجانب المصري اقترح بأن تبقى القرارات السياسية الصادرة عن المجلس الوطني في حدها الأدنى، والتأكيد على أن هذا الاجتماع هو الدورة الأخيرة للمجلس القائم، وأنه خلال الفترة الزمنية المقبلة يجب أن يعقد مجلس توحيدي ومنتخب على أساس ما اتفق عليه في الاتفاقيات بين الطرفين".

المساهمون