نهاية "الجبهة الشعبية" في تونس

نهاية "الجبهة الشعبية" في تونس: تدمير ذاتي على طريقة الـ"نداء"

17 يونيو 2019
اتهام الهمامي بالاستفراد بالقرار(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
أعلن حزب "الطليعة العربي الديمقراطي" في تونس عن "انتهاء "الجبهة الشعبية" بالصيغة التي تأسست بها، وبالتوازنات التي قامت عليها، والآفاق التي رسمت لها، وحتى بالمعاني التي انطوت عليها أرضيتها السياسية". 

وعبر الحزب (أحد مكونات الجبهة الشعبية)، في بيان أصدره أمس الأحد، عن "أسفه أن يسجل بكل مرارة وألم حقيقة انتهاء مرحلة مهمة من النضال السياسي التقدمي المشترك، برغم كل النقائص والسلبيات التي عرفتها هذه المرحلة".

وفشلت مكونات "الجبهة الشعبية" في الحفاظ على الكتلة البرلمانية، بسبب انخراطها في صراع حول ملكية اسم هذا الائتلاف وشعاره الانتخابي في سيناريوهات شبيهة بما حدث مع تيارات حزب "نداء تونس". 

وشرعت تيارات "الجبهة الشعبية "في معركة "فك الارتباط" وصراع "افتكاك الأصل السياسي". فبعد التراشق بالبيانات والاتهامات والتصريحات الإعلامية، دخل معسكرا "الجبهة الشعبية" في معركة قانونية غير منتهية مع بدء العد التنازلي لتقديم المرشحين للانتخابات للتشريعية في 22 يوليو/ تموز المقبل.

وقال أمين عام حزب "الوطنيين الديمقراطيين" زياد الأخضر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن حزبي "الوطنيين الديمقراطيين الموحد" (يسمى اختصارا الوطد) الذي يتزعمه، و"رابطة اليسار العمالي" الذي يتزعمه  النائب نزار عمامي، سيخوضان الانتخابات المقبلة في ائتلاف انتخابي تحت اسم وشعار "الجبهة الشعبية".

وشدد الأخضر على أن الحزبين قاما بإيداع ملف قانوني لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، مشيرا إلى أنه "قرار نهائي ولا رجعة فيه".

وأضاف أن حزبه "غير مستعد للعمل مع أطراف تشوه مناضلي "الوطد"، وتعمل على تخوينه من أجل مآرب وأهداف شخصية"، مشيرا إلى أن "مركزية الحزب تداولت في الأمر وأقرت أنه لا مجال لمواصلة العمل مع حزب العمال".

وفي تعليق على قرار مجلس أمناء "الجبهة الشعبية"، قال الأخضر إن "حزب "العمال" ومن بقي في المجلس من تابعيه دون تفكير هم تكتل إقصائي وانعزالي يبحث عن إبعاد "الوطد" الذي كان سببا في تكوين "الجبهة الشعبية"".

واعتبر المتحدث ذاته أن "حمة الهمامي، زعيم حزب "العمال"، يتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور بسبب انفراده بالرأي وسياسة إقصاء الرأي المخالف، وطرد المختلف"، مشددا على أن "الهمامي يحاول أن يكون صاحب الرأي الوحيد في الجبهة، ومصير من يتمرد عليه هو الطرد".

واعتبر الأخضر أن ""الجبهة الشعبية" لم تسقط ولم يتم تدميرها، بل تصويب الأخطاء وإصلاح الأمور بتعزيز أسس الديمقراطية داخلها"، مشيرا إلى أن "الكتلة البرلمانية ستستعيد تواجدها بدون الإقصائيين".

واعتبر "الوطد" استمرار بعض الأمناء العامين في عقد اجتماعات وإصدار بيانات "استمرارا في نهج الانقلاب على المجلس المركزي المنتخب من الندوة الوطنية الثالثة كقيادة شرعية للجبهة الشعبية".

وذكر حزب "الوطد"، في البيان ذاته، أن "سلوك الغدر والمخاتلة والتصميم على الاستيلاء على "الجبهة الشعبية" ورهنها لفائدة شخص، وليس لمناضليها ومناضلاتها ومختلف مكوناتها، سلوك مارسه أمين عام حزب "العمال" منذ سنة 2013، تاريخ إقدامه خلسة على طلب تسجيل شعار "الجبهة الشعبية" بالمعهد الوطني للمواصفات الملكية الصناعية كملكية فردية خاصة به، وليس بصفته مفوضا قانونيا من قبل مختلف مكونات الجبهة الشعبية. حدث هذا أياما معدودات بعيد اغتيال شهدائنا شكري بلعيد ومحمد البراهمي ومحمد بلمفتي، وما علمنا بذلك إلا منذ أسابيع قليلة على لسان أحد الأمناء العامين".

من جانبه، قال المتحدث باسم حزب "العمال" النائب الجيلاني الهمامي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن سبب انسلاخ "الوطد" هو "رفضه للمسار الديمقراطي داخل "الجبهة الشعبية" عندما وجد نفسه أقليا بعد تصويت 8 أحزاب لفائدة حمة الهمامي لتمثيل الجبهة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وعندما وجد منجي الرحوي نفسه مدعوما من حزب "الوطد" فقط شرع في حياكة المؤامرات لضرب وحدة "الجبهة الشعبية" التي بقيت متماسكة لسنوات".

وأضاف الهمامي أن "مجلس الأمناء قال كلمته في حزب "الوطد" و"رابطة اليسار العمالي" اللذين انتهجا مسارا انقلابيا مفاجئا جميع مكونات "الجبهة الشعبية" في منتهى الاستهتار واللامسؤولية بقواعد العمل السياسي المشترك".

وفقدت كتلة "الجبهة الشعبية" وجودها القانوني رسميا نهاية الأسبوع الماضي بعد استقالة 9 أعضاء منها، ليبقى 6 آخرون موالون لحمة الهمامي. 

وفي الوقت نفسه، قدمت مجموعة التسعة طلبا لإعادة تشكيل الكتلة من جديد، غير أن الهمامي اعترض في رسالة رسمية إلى مكتب رئيس البرلمان، كما انتفض نواب حزب "العمال" والموالون له ضد ما وصفوه بـ"محاولة السطو على شعار الجبهة واسمها".

ولم تقف أزمة الجبهة الشعبية عند الخلافات السياسية، بل استمرت في التفاقم وانتهت بإطلاق الاتهامات بين القيادات بـ"محاولة الانقلاب، وبالدكتاتورية والانتهازية والخيانة والغدر والعمالة للحكومة، أو لجهات أجنبية"، وهو ما يوحي أن محاولات رأب الصدع ومسارات الصلح الداخلي أغلقت نهائيا.

ورغم بقائها متماسكة لسبع سنوات منذ تكوينها في العام 2012، وخوضها الانتخابات لُحمة واحدة وعملها في كتلة برلمانية متناسقة، رغم تعدد روافدها اليسارية والاجتماعية، إلا أن رياح الانتخابات التشريعية والرئاسية قضت على "الجبهة الشعبية" بعودة خلاف الزعماء على القيادة.

ويرى مراقبون أن وضع "الجبهة الشعبية" اليوم، التي كانت تتزعم قوى المعارضة في تونس، لا يختلف عن واقع حزب "نداء تونس" الذي كان متصدرا المشهد السياسي ومنظومة الحكم، بل هو محاكاة لمسار التشظي والانقسام وحرب الشرعية التي عاشتها تيارات "النداء" التي انقلبت على زعيم الحزب حافظ قايد السبسي، وطالبته بالتنحي بسبب فشله في إدارة الحزب.