وفاة الدبلوماسيين الروس في الخارج: لعنة ومفارقات

وفاة الدبلوماسيين الروس في الخارج: لعنة ومفارقات

27 يناير 2017
كاداكين متوسطاً السفير الإسرائيلي بالهند دانيال كارمون ومسؤولة إسرائيلية(Getty)
+ الخط -
ألكسندر كاداكين، هو ثالث سفير روسي يسقط أثناء تأديته مهامه خارج بلاده، في الأسابيع الخمسة الأخيرة. لم يمهل المرض ممثل روسيا في الهند، فترة طويلة، لينضمّ أمس الخميس، إلى لائحة تجمعه مع السفير الروسي المقتول في تركيا، أندري كارلوف، في 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والقنصل الروسي في اليونان، أندري مالانين، الذي توفي لأسباب طبيعية في 9 يناير/كانون الثاني الحالي. في المبدأ، قد تكون وفاة كاداكين ومالانين في وقتٍ متقارب، مجرّد صدفة لا أكثر، كما يُمكن الأخذ بعين الاعتبار، أن مقتل كارلوف، تقاطع مع تحوّلات سياسية، مرتبطة بالملف السوري، وساهم في توثيق العلاقة الروسية ـ التركية، من معارك مدينة الباب في الشمال السوري، وصولاً إلى مؤتمر أستانة في كازاخستان.

غير أن الغريب في الأمر، حتى ولو كان صدفة، هو وفاة دبلوماسيين مرتبطين مباشرة بملفات حساسة بالنسبة للكرملين، فكاداكين الذي اعتاد الحياة في الهند، كان من الشخصيات التي واكبت اندحار الجيش السوفييتي من أفغانستان في عام 1989، من خلال عمله في نيودلهي، مساعداً للسفير هناك، قبل تعيينه سفيراً في نيبال (1993 ـ 1997)، ثم سفيراً في الهند لفترة أولى (1999 ـ 2004)، في بدايات الولاية الأولى للرئيس فلاديمير بوتين. انتقل كاداكين بعدها للعمل سفيراً لروسيا في السويد (2005 ـ 2009)، قبل أن يعود إلى الهند، مساهماً في الدفع قدماً نحو ترسيخ التفاهم الروسي ـ الهندي، في سياق منظومة دول "بريكس"، التي تضمّ البلدين مع الصين والبرازيل وجنوب أفريقيا. ويُعدّ كاداكين أحد أبرز رجال بوتين في الخارج، وعاملاً على خط تفعيل طريق الحرير الجديد، الذي تمّ وضع أسسه في 16 مايو/أيار 2002، بعد توقيع روسيا وإيران والهند، على اتفاقية لتأسيس "خط النقل الشمالي ـ الجنوبي"، لربط بحر قزوين والمحيط الهندي والخليج العربي، بشبكة مواصلات تجارية، تصل الشرق بالغرب عبر الداخل الآسيوي، لا عبر البحر المتوسط وقناة السويس. كما ساهم كاداكين أيضاً في تمرير صفقة أسلحة روسية للهند، في ديسمبر/كانون الأول 2015، ترسّخ الدور العسكري الروسي في الأمن الهندي من جهة، وفي بيع منظومة "أس 400" لنيودلهي من جهة ثانية، في خطوة روسية نادرة.



أما مالانين، فكان دوره محدوداً نسبياً في نطاق السفارة الروسية في أثينا، في وقتٍ تبدو فيه السفارة وسط تطورات متعلقة بمنطقة البلقان ككل، إثر تدشين خط حديدي مباشر يربط العاصمة الصربية بلغراد بمدينة متروفيتسا (التي تقطنها غالبية صربية) في شمال كوسوفو. الأمر الأهم هنا، هو أن القطار المعني، "هدية روسية لصربيا". وعادة، في أي نزاع تاريخي في البلقان، لا تكون اليونان بعيدة عن روسيا، وخصوصاً أن البلقان تمرّ حالياً في وضعٍ اقتصادي صعب، مضافاً إليه تحوّلها إلى الدول المستقبلة للاجئين الآتين من تركيا.

يبقى كارلوف، الذي قُتل في ظروف ترافقت مع ارتفاع حرارة العلاقة بين موسكو وأنقرة، اللتين عوّضتا الوقت الضائع في الخلافات السابقة إثر اسقاط الأتراك لطائرة روسية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، معتبرتين أنها "خرقت الأجواء التركية"، سريعاً، عبر تحوّلهما إلى العمل العسكري المشترك، في مدينة الباب السورية، شمالي حلب، لضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ومن ثم الاتفاق على تنظيم مؤتمر أستانة في كازاخستان، لتثبيت وقف إطلاق النار في سورية، قبل التحوّل إلى انبثاق آلية مشتركة من المؤتمر، لمراقبة سير وقف إطلاق النار، والتمهيد لمباحثات سياسية واسعة في جنيف السويسرية.

قد يكون كل شيء بمثابة "صدفة"، لكنها صدفة مريبة، أن يموت أو يُقتل دبلوماسيون روس في ظروف سياسية دقيقة، وقبل الانتخابات الرئاسية الروسية المقررة العام المقبل، وعلى مشارف حقبة جديدة في تاريخ الولايات المتحدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب. يحلو لبعض الخبثاء تذكُّر مرحلة إعطاء جوزيف ستالين أوامره إلى لافرنتي بيريا بـ"تطهير" الحزب الشيوعي والمؤسسات الحكومية، في ثلاثينيات القرن الماضي. قام بيريا بتصفية الكثر، قبل أن يتردّد في أروقة الكرملين أن ستالين "سُمّم على يده". لاحقاً أُعدم بيريا، مع بدء عهد سوفييتي جديد مع نيكيتا خروتشيف. 

دلالات

المساهمون