مصير البرلمان العراقي مهدَّد: أزمة اتهامات الفساد تنذر بحلّه

مصير البرلمان العراقي مهدَّد: أزمة اتهامات الفساد تنذر بحلّه

03 اغسطس 2016
تتوالى فصول أزمات البرلمان العراقي (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكد البرلمان العراقي يتجاوز أزمته السابقة التي عطّلت عمله نحو شهرين، حتى دخل في أزمة جديدة منذ يوم الإثنين الماضي، آخذة في الاتساع، وباتت تنذر بإمكانية حلّه. الأزمة الجديدة التي تفجرت على خلفية الكشف عن ملفات فساد بمليارات الدولارات خلال جلسة استجواب وزير الدفاع خالد العبيدي، أول من أمس الاثنين، طاولت رئيس البرلمان سليم الجبوري، ما دفعه لتعليق حضوره جلسات البرلمان حتى حصوله على قرار قضائي يؤكّد براءته من تلك الاتهامات. وسرعان ما استتبع هذا التطور تقاذف الاتهامات بين جهات سياسيّة عدة، وسط توقعات بتوالي فصول الأزمة.


تراشق اتهامات

وفي السياق، يكشف مصدر برلماني لـ"العربي الجديد"، عن تقديم أعضاء في البرلمان ملفات فساد جديدة، مشيراً إلى وجود اتهامات بحق قيادات فاعلة في "التحالف الوطني" الحاكم، بعضهم يتبوأ مناصب تنفيذية مهمة.

ووفقاً للمصدر نفسه، فإن "المشادات الكلامية التي حدثت خلال جلسة استجواب العبيدي، يوم الاثنين، منعت النائبة عالية نصيف من الكشف عن جميع وثائقها"، لافتاً إلى التحضير لجلسات استجواب جديدة قد تكون استثنائية.
من جهتها، لم تتأخر نصيف في إعادة التأكيد، أمس الثلاثاء، على امتلاكها وثائق تثبت فساد وزير الدفاع، وشخصية بارزة في التحالف الوطني.
وفي موازاة تبادل الاتهامات، أصدر رئيس الحكومة حيدر العبادي قراراً بالمنع المؤقت لسفر رئيس البرلمان وكل من ورد اسمه خلال استجواب العبيدي، مبرراً الأمر بخطورة التهم الواردة في الاستجواب.

وتساهم مجموعة من العوامل في تعقيد الأزمة الجديدة، لا سيما أنها تأتي في توقيت يتزامن مع احتدام الصراع السياسي، فضلاً عن مقاطعة الجلسات من قبل بعض الجهات السياسيّة، ومنها كتلة الصدر، الأمر الذي يزيد من فرص تعطيل البرلمان أو شلّ عمله، ما قد يمنح بعض الجهات السياسيّة فرصة استغلال الأزمة للإطاحة بالبرلمان وبرئيسه سليم الجبوري، خصوصاً بعد ظهور بعض الدعوات لحل البرلمان بذريعة أنه غير مؤهل للعمل.

وعلى الرغم من تعويل البعض على القضاء العراقي للفصل في حقيقة الاتهامات ونزاهة الشخصيات التي طاولتها الاتهامات، إلا أن السلطة القضائية تواجه بدورها طعوناً في نزاهة عملها وخضوعها للأجندات السياسيّة والتأثير الحزبي.



دعوات لحل البرلمان

وفي مجمل الأحوال، فإن قرار القضاء لن يحل سوى جزء من الأزمة، بينما ستكون أزمة تعطيل عمل البرلمان أمراً واقعاً لا محالة، كما يرى مراقبون، خصوصاً مع بروز محاولات لاستغلال الأزمة للإطاحة بالبرلمان.

وفي السياق، تأتي دعوة النائب عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، محمود الحسن، في بيان صحافي أصدره، إلى "حل السلطة التشريعية، لكونها أصبحت غير مؤهلة للعمل"، مشدّداً على أنّ "القادم أسوأ"، على حد قوله. وبحسب الحسن، فإنّ "ما صدر من اتهامات خلال جلسة استجواب العبيدي هي جرائم جنائية تندرج تحت عنوان الفساد المالي، ويجب على القضاء تحمل مسؤولياته إزاءها ومقاضاة مرتكبيها، ووضع حدِّ للانتهاكات الدستورية والقانونية في البرلمان".
ووفقاً للحسن، فإن "هناك أنباء شبه مؤكّدة تفيد بوجود صفقة تم الاتفاق عليها بين بعض الكتل السياسية حول إصدار قانون عفو عن ثلاثة آلاف من الإرهابيين الذين تم الحكم عليهم بالإعدام، لقيامهم بتفجيرات راح ضحيتها أكثر من 100 ألف مواطن"، على حد قوله.

من جهته، يرى تحالف القوى العراقيّة، الذي ينتمي إليه رئيس البرلمان، أنّ "ما حدث في جلسة الاثنين الماضي هو محاولة لسلب البرلمان حقه بممارسة دوره، من خلال التشهير به وتحويل الاستجواب من ممارسة مهنية إلى استهداف سياسي للالتفاف على الاستجواب والآثار التي يمكن أن تترتب عليه". وأضاف "ذلك لن يثنينا عن ممارسة دورنا الرقابي مهما حاول المرجفون والمزايدون أو راهن على ذلك الفاسدون".

أما النائبة عن التحالف الكردستاني، أشواق الجاف، فتعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "البرلمان العراقي خطا خلال الأيّام الأخيرة خطوات كبيرة وأحدث انتقالة نوعيّة بمستوى أدائه، من خلال إدراج قوانين مختلف عليها في الجلسات وإضافة الاستجوابات المطلوبة من دون الرجوع إلى الصفقات السياسيّة".
ووفقاً للجاف، فإن "ما حدث خلال جلسة يوم الاثنين صدمنا جميعاً، لكن يجب الاحتكام إلى القضاء في كل ذلك"، لافتة إلى أن "هناك جهات تسعى لتعطيل عمل البرلمان، لكننا عازمون على استمراره، وسنبذل جهدنا لمحاولة استمرار عمل السلطة التشريعية". وأضافت "لن نسمح بوقف أو تعطيل البرلمان".
وتشير إلى أنّ "الحديث يجري في البرلمان عن سيناريوهات كثيرة دفعت باتجاه هذه الأزمة، لكنّ الأمر يبقى متوقفاً على التحقيق القضائي بالموضوع"، مؤكّدة أنّ "أي اتهامات تفتقد إلى الأدلة والوثائق لا تتعدى مجرد كونها اتهامات، ويجب أن لا نبني آراءنا عليها، بل ننتظر القرار القضائي".

خطر التفرد بالحكم

من جهته، يحذّر الخبير السياسي عباس عبد الجليل، من "خطورة الأزمة التي يمر بها البرلمان العراقي، ومحاولات استغلالها من قبل بعض الجهات". يقول عبد الجليل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجهات التي سعت خلال الفترة السابقة لإقالة رئيس البرلمان، تسعى اليوم لاستغلال الأزمة التي يمر بها، من خلال المطالبة بحل البرلمان". وينبه إلى أنّ "حل البرلمان خطير للغاية في ظل الوضع الحالي، لأنّه سيمثل انفراداً بالحكم من قبل جهة معينة".

كما يشير عبد الجليل إلى أنّ "البرلمان في كل الأحوال سيعطّل عمله، لأنّ الأزمة خطيرة، وهو اليوم يفتقد للرئيس الذي علّق عمله (الجبوري)، لذا ليس سهلاً جمع البرلمان والتصويت، خصوصاً على القوانين الحساسة"، مؤكّدا "خطورة المرحلة التي يمر بها البرلمان، وأنّ الأزمة قد لا يستطيع الخروج منها".
ويدعو الخبير السياسي رئيس البرلمان إلى "الاستمرار بعمله كرئيس للحفاظ على السلطة التشريعيّة، وفي الوقت نفسه ينتظر قرار القضاء ليكون القرار الفصل في التهم الموجهة إليه".