ما بعد جريمة سيناء: تساؤلات عن الأسباب وتحوّلات متوقعة

ما بعد جريمة سيناء: تساؤلات عن الأسباب وتحوّلات متوقعة

26 نوفمبر 2017
لا تزال الصدمة تسيطر على أهالي الضحايا(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
رغم أن الصدمة التي أحدثها الاعتداء على مسجد الروضة في سيناء، وأدى إلى مقتل 305 مصريين، لم تخِف بعد، فقد بدأ البحث في دلالات الهجوم واختيار مسجد للصوفيين كهدف، والقرية التي تبعد عن نطاق عمليات تنظيم "ولاية سيناء"، والتوقيت المحلي والدولي لما جرى. وتشير أصابع الاتهام في الهجوم الذي استهدف مسجد الروضة في محافظة شمال سيناء، إلى تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش"، على الرغم من أن أي جهة لم تعلن، حتى كتابة هذا التقرير، مسؤوليتها عن الهجوم، الذي راح ضحيته 305 مدنيين وإصابة 128 آخرين، وفق إعلان رسمي.

تورط "ولاية سيناء"
ذكرت النيابة العامة المصرية في بيان أمس أن "الهجوم المسلح بدأ مع بداية خطبة صلاة الجمعة، حيث فوجئ المصلون بقيام عناصر تكفيريين يتراوح عددهم ما بين 25 و30 عنصراً، يرفعون علم تنظيم "داعش"، بدخول المسجد وقد اتخذوا مواقع لهم أمام باب المسجد ونوافذه البالغ عددها 12 نافذة حاملين الأسلحة الآلية، وأخذوا في إطلاق الأعيرة النارية على المصلين".
وأكدت مصادر قبلية أن المتهم الأول في الهجوم على مسجد الروضة، هو تنظيم "ولاية سيناء"، الذي يتوسع في استهداف المدنيين. وأضافت المصادر أنه لا توجد جماعات مسلحة في سيناء تستهدف المدنيين، مثل "ولاية سيناء"، حتى إن جماعة "جند الإسلام" أعلنت رفضها لاستهداف من وصفتهم بـ"الدواعش" للمدنيين منذ فترة طويلة.

وأشارت المصادر إلى أن المسجد يُعتبر مقراً للطريقة الجريرية، والتنظيم يستهدف الصوفيين منذ العام الماضي بشكل كبير، منذ قتل اثنين من شيوخ الصوفية. ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أعلن "ولاية سيناء" عن قتل الشيخ سليمان أبو حراز، وقطيفان بريك عيد منصور. وفي شريط مصور حمل اسم "نور الشريعة"، أعلن التنظيم عن هدم عدد من القبور والأضرحة التابعة للصوفيين. كما نشرت مجلة "النبأ" التابعة لتنظيم "داعش"، حواراً لمسؤول "الحسبة" في سيناء، حذر فيه الصوفيين من الاستمرار على أفكارهم، ودعاهم إلى "التوبة". واتهم الصوفيين بالتعاون مع أجهزة الأمن، من أجل محاربة التنظيم.

ويعود توجيه أصابع الاتهام لتنظيم "ولاية سيناء"، حسب مراقبين، لثلاثة أسباب، أولها أن المسجد يعود للطريقة الصوفية المستهدفة من قبل التنظيم طيلة السنوات الماضية، باعتبارها عدواً وطرفاً كافراً من وجهة نظر التنظيم، أما السبب الثاني فيعود إلى أن غالبية سكان القرية هم من الصوفيين من الناحية الدينية، ومن قبيلة السواركة من الناحية القبلية، وهي القبيلة ذات العداء مع التنظيم، والعلاقات الجيدة مع النظام المصري.
أما السبب الثالث، فيتعلق بالوضع الخاص بالتنظيم، ففي الوقت الذي يجري فيه الحديث عن انتهاء وجود "داعش" في سورية وقرب اندثاره في العراق، أعاد التنظيم اسمه للواجهة مجدداً بارتكابه هذه الجريمة التي لم يسبق لها مثيل في مصر على مدار العقود الماضية، ليبرز "ولاية سيناء" وجوده القوي في سيناء، بعد إحساسه بالضعف إثر ما حصل للتنظيم الأم في سورية والعراق في الأشهر الماضية.

وبدا من الهجوم أن تنظيم "ولاية سيناء" غيّر نمط تعامله في سيناء، فلم يعد يقتصر استهدافه للمدنيين على المطلوبين أو المتعاونين مع الأمن المصري، بل بدأ يطاول من يعارض تفكيره ومعتقداته، واستحضار التنظيم المحلي نماذج عمل من تنظيم "داعش" في العراق وسورية، بتحقيق الهدف من دون الالتفات لأرقام الخسائر التي ستصيب المدنيين.
إلا أن "ولاية سيناء" بمجزرته التي ارتكبها، لم يحسب حساباً إلى أن الثأر ولو بعد حين من صفات البدو، وأنه لا يمكن للمكوّن البدوي أن ينسى دماء أبنائه، وهذا ما قد يأتي بنتائج عكسية في المدى القريب، فبدلاً من أن تخضع القبائل لحكم التنظيم وعمله، فقد تتجه للتحالف الفعلي والحقيقي مع الأمن المصري لمواجهة "ولاية سيناء"، وبذلك يصبح التنظيم مكشوفاً بالكامل. فبهذا الهجوم الدموي، أصبح التنظيم عدواً لكل المواطنين في سيناء، إذ إن حجم المجزرة التي وقعت هزّت نفوس المصريين جميعاً، خصوصاً المتواجدين في سيناء، واستعدى فئات جديدة من المجتمع السيناوي، وضم المحايدين إلى معسكر الرافضين له.

في المقابل، يخشى الكثير من المراقبين وأبناء قبائل سيناء، من أن النظام المصري، قد يخسر هذه الورقة في حربه مع التنظيم، في حال لم يحسن استغلالها، عبر استهداف المدنيين ضمن العملية العسكرية التي بدأها في شمال ووسط سيناء. ولفت مراقبون إلى أن الأمن المصري إذا أراد تشجيع القبائل على الانضمام للحرب ضد "ولاية سيناء" ولو بشكل معنوي، فعليه تحييد المدنيين عن عملياته العسكرية، وأن يكون أكثر دقة في استهدافاته للتنظيم، مما سيبعث شيئاً من الاطمئنان لدى مواطني سيناء بأنهم ليسوا مستهدفين من دولتهم أيضاً كما جرت العادة خلال الحرب على مدار أربع سنوات مضت.


وعند وقوع أي هجوم في سيناء، يبدأ الحديث عن أنه يأتي في إطار دفع المواطنين لترك سيناء تمهيداً لاستكمال مسلسل التهجير الذي بدأ في مدينتي رفح والشيخ زويد منذ سنوات، ويقع كل هذا الحديث تحت إطار ما تسمى بـ"صفقة القرن" التي من أهم أركانها الأرض المصرية في سيناء. واللافت أن عدداً ليس بالقليل من نازحي مدينة الشيخ زويد وجدوا في قرية الروضة التي استُهدف مسجدها، محطةً للجوء، وهم من قبيلة السواركة، وقد قُتل عدد منهم خلال الهجوم على المسجد.

ويأتي الهجوم على مسجد الروضة، في ظل قيام الجيش بحملات عسكرية مكبرة على معاقل "ولاية سيناء" جنوب مدينة الشيخ زويد منذ عدة أسابيع، قُتل خلالها عدد من قوات الجيش بينهم ضباط برتب رفيعة، وفي ذلك أيضاً رسالة من التنظيم للجيش أنه في حال الضغط في رفح والشيخ زويد سيكون الرد خارج إطار المعتاد، وفي مناطق تُعتبر آمنة نسبياً.

ومن الواضح، وفقاً لمصادر قبلية، أن هجوم المسجد سينعكس على طبيعة التحالفات في سيناء، خصوصاً في ظل عودة تنظيم "القاعدة" إلى المشهد عبر جماعة "جند الإسلام" التي استنكرت الهجوم وأعلنت براءتها مما حصل، وهذا ما يضع احتمالية تحالف بعض القبائل مع "القاعدة" في مواجهة "داعش" خلال المرحلة المقبلة، أو على الأقل عبر دعم مالي ومعنوي لتنظيم "القاعدة". وتبقى الأيام المقبلة كفيلة بالكشف عن طبيعة المرحلة المقبلة على ضوء مجزرة المسجد التي ستلقي بظلالها على المشهد الأمني بسيناء، إذ تمثل مفترق طرق أمام القبائل وتنظيم "القاعدة" والأمن المصري، لتحديد طبيعة العلاقة بينهم جميعاً في مواجهة "ولاية سيناء".

تقصير أمني

يحمل الهجوم دلالات تقصير أمني في التعامل مع مثل تلك الحوادث، خصوصاً أن الصوفيين تلقوا تهديدات منذ العام الماضي بالاستهداف في الإصدار ذاته الذي أعلن فيه "ولاية سيناء" قتل أبو حراز ومنصور. ولم تتدخل أجهزة الأمن في تأمين المساجد التي يتواجد فيها الصوفيون، بما يشير إلى ضعف القدرات الأمنية والاستخفاف بتهديدات التنظيم المسلح.
وتساءل مراقبون عن كيفية تمكّن التنظيم من الوصول إلى المسجد في قرية الروضة، والهجوم لمدة تقارب الساعة، والانسحاب من القرية من دون حضور أي قوة أمنية من قوات الجيش والشرطة المنتشرة في كافة مناطق مدينة العريش وبئر العبد.

وقال خبير أمني إن دلائل التقصير الأمني واضحة ليس فقط لجهة عدم تأمين الصوفية في سيناء، ولكن أيضاً عدم رصد تحركات العناصر المسلحة من مواقعها باتجاه القرية بين العريش وبئر العبد. وأضاف الخبير الأمني لـ"العربي الجديد" أن قوات الجيش والشرطة لم تتحرك لملاحقة العناصر المسلحة في اتجاه المناطق التي يتواجدون فيها، لسرعة استهدافهم قبل الاختباء. وتابع أن العمليات العسكرية المشتركة من الجيش والشرطة، لم تبدأ إلا بعد اجتماع الرئيس عبد الفتاح السيسي مع اللجنة الأمنية المصغرة، ومنذ ذلك الحين، انتشرت أخبار لعملية "الثأر" للقتلى. وشدد على أن هذا النوع من الملاحقات لا بد أن يحدث فور وقوع الهجوم والإبلاغ عنه، وليس انتظار اجتماعات ثم بدء التحرك، مستبعداً فعالية العمليات العسكرية التي بدأت مساء الجمعة.

وكان السيسي قد أعلن مساء الجمعة انطلاق عملية "الثأر للشهداء" بمشاركة قوات الجيش والشرطة، لملاحقة المتورطين في التفجير. لكن مراقبين شككوا في جدوى العملية الأمنية في استهداف العناصر المنفذة للهجوم، خصوصاً أنها تأتي بعد ساعات طويلة من الهجوم، بما أعطى فرصة للعناصر المسلحة بالاختباء. ورأى الخبير السياسي محمد عز، أن "عمليات الثأر" ليست إلا محاولة من النظام لحفظ ماء الوجه، وإظهار سيطرته على الأوضاع. وقال عز، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المفارقة أن العمليات الأمنية تأتي كنوع من رد الفعل وليس الفعل لمواجهة التنظيمات المسلحة، وهو أمر يضع علامات حول إطلاق مثل تلك العمليات". واعتبر أن مردود إطلاق هذه العمليات غرضه رفع الروح المعنوية لدى الشعب المصري، ولكن تكرار الحوادث الإرهابية يُفقد هذه المحاولات أي تأثير على الشارع.

في سياق آخر، ربطت مصادر محلية تزايد أعداد قتلى الجمعة، بالتقصير في التعامل الطبي مع الواقعة. وبحسب مصادر قبلية، فإن سيارات الإسعاف تأخرت كثيراً في الوصول إلى موقع الهجوم، نظرا للإبلاغ المتأخر، فضلاً عن استهدافها من قبل المسلحين. وقالت المصادر، إن سيارات الإسعاف لم تكن كافية لنقل المصابين، وهذا ربما كان سبباً في تزايد أعداد القتلى بهذه الصورة، وبعض السيارات جاءت متأخرة. وأضافت أنه كان لا بد من توجيه الطائرات العسكرية لنقل المصابين إلى مستشفيات خارج سيناء، نظراً لعدم وجود قدرة لاستيعاب هذا العدد من المصابين، ولكن التحركات جاءت متأخرة جداً.

المساهمون